ماهية نجيب (جرجرة).. أول إعلامية وصحافية في اليمن والجزيرة العربية
> سعاد العلس:
>
اهتم أخوها الأكبر (عبدالرحمن جرجرة) الذي كان وزيرا للمعارف في ستينيات القرن الفارط وصاحب ورئيس تحرير صحيفة (النهضة) بتعليمها بعد أن لمح سرعة تعلمها وحفظها للقران الكريم فقد برعت في حفظ 7 أجزاء منه في عمر السادسة.
لم تستسلم ماهية لعبوس الوقت الذي تمرّ به فشغلت نفسها بالعمل الصحفي مع أخيها عبدالرحمن جرجرة الذي أسند إليها تحرير صفحة المرأة تحت اسم مستعار (بنت البلد) وذلك بسبب انغلاق الجتمع وعدم تقبّله لفكرة عمل المرأة .
اقترح أخوها (عبدالرحمن وصهرها حامد لقمان) عليها بعد أن رأى نجاحها المتلاحق في العمل الصحفي أن تتوسّع في عملها وتصدر مجلة نسائية تهتم بقضايا المرأة لاسيما إنها امتلكت القدرة والوعي الثقافي لإدارة عمل صحفي سيكون الحدث الأول من نوعه في اليمن والجزيرة العربية.
قوبلت فكرة إصدار مجلة نسائية بمعارضة واسعة من المنظومة الدينية وتكاثر عدد المعارضين ووقف الشيخ الباحميش يتزعم هذه المعارض موجها اللوم لحكومة بريطانية بالسماح لها بإصدار مجلة نسائية تحرّض المرأة على التحرر ووصل الأمر إلى شنّ حملته عليها من على منابر المساجد.
وقف إلى جانب ماهية عدد من المثقفين النخبويين من الرجال والنساء المتطلعات إلى استقلال المرأة والحصول على حقوقها كاملة.
تعتبر مجلة فتاة شمسان أول من شجع على نشر الإبداع النسوي من خلال عمل مسابقات للتشجيع على كتابة القصة القصيرة وشكّلت لجنة من كبار الكتّاب لتقييم المساهمات.
كما أفردت بابا للتاريخ اليمني أشرف عليه المؤرخ حمزة لقمان.
اهتمت بالفنون والأدب والموسيقى وكانت هذه الصفحة بإشراف طه أمان.
ظلّت ماهية نجيب (التي لم تنتمي لأي حزب سياسي) وحدها تطالب بتمكين المرأة من الحق السياسي كاملا في الترشيح والتصويت وحملت هذا الملف إلى لندن في عام 1961م لتثيرها أمام (ريجنالد سورسن أحد زعماء حزب العمال البريطاني الحاكم عضو مجلس العموم لمقاطعة ليتن.
كانت ماهية تحسن التمثيل النسائي في كل موضع وحدث داخليا وخارجيا كما كانت تملك طاقة نضالية مقاتلة في كل المياديين.
وقفت تعرض قضية المرأة في بلدها وسط أعضاء البرلمان البريطاني بشجاعة تلوي أعناق الدهشة
بعد عقود من الكفاح والنضال وحمل راية تحرير توقفت ماهية العصامية الصلبة عن العمل وتعرّضت كغيرها من الأسر العدنية البارزة إلى التهجير من المدينة التي قدمت لها ماهية عصارة عمرها. تسللت هربا مع أطفالها إلى تعز ومنها إلى المملكة العربية السعودية لتعيش بجانب أخيها عبدالرحمن جرجرة و
بعد خروجها من عدن أصيبت بمرض السرطان وغادرت الحياة في 28/ 7/ 1982م عن عمر قصير في أيامه طويل وكبير بفعله ( 56)
دفنت بمكة بجوار أخيها الذي رافقها في حياتها فرافقته حتى الممات.
- إمرأة فاقت حدود الدهشة
نشأت ماهية في بيئة تهتم بتعليم أبنائها، إلا أن ماهية لم تحظ بالتعليم في المدارس لعدم توفر مدارس للبنات في عدن آنذاك.
توسّعت دائرة اهتمامه بتعليمها إلى تعلّم اللغة الإنجليزية والموسيقى (العزف على البيانو)
تزوجت بعمر مبكر جدا (الخامس عشر عاما) من قريبها (نجيب مسعد) الذي اقترن اسمها به بعد الزواج وأنجبت 6 أطفال ، لكن هذا الزواج انتهى سريعا بوفاة زوجها في حادث سير لتجد ماهية نفسها أرملة في عز شبابها تتعلق برقبتها مسؤولية تربية 6 أطفال.تمتّعت ماهية نجيب بحضور اجتماعي لافت مما جعلها تتحمل مسؤولية المساعدة الرئيسية لخالتها (رقية ناصر) رئيسة جمعية المرأة العدنية .
نجحت ماهية في إدارة صفحة المرأة ونشرها لقضايا كانت تموج بها عدن كالمطالبة بحق تعليم البنت وخروج المرأة للعمل والحجاب وحق المواطنة السويّة.
لقيت الفكرة صدى في نفسها التوّاقة إلى النجاح فبدأت بتقديم طلب الحصول على ترخيص للمجلة التي اتخذت لها اسم (فتاة شمسان).
وقف والدها إلى صفوف المعارضة من جانب الإشفاق الأبوي عليها من مواجهة أمر شاق ومجتمع لم يكن مؤهلا لاستيعاب هذه القفزة.
في جو ملغّم بالمعارضة وتحدّ فارط من ماهية ومن يقف معها تمت ولادة النور (فتاة شمسان) في تاريخ 1 يناير 1960م كأول مجلة شهرية للمرأة في اليمن والجزيرة العربية.
وهكذا صاغت المرأة العدنية تاريخا جديدا وكينوية وفاعلية بعد كانت مجرد ظل أبكم للرجل.
برزت من خلال هذه المجلة أقلام شابة برعت في كتابة القصة القصيرة مثل هند بريك وفطوم شوالة وفوزية عمر وملاك عبدالله زيد (تعز) وفاطمة عبدالباري ونجاة عبادي وأخريات.
اهتمت بالفنون والأدب والموسيقى وكانت هذه الصفحة بإشراف طه أمان.
واصلت ماهية نجيب عملها الاجتماعي إلى جانب الصحفي وأهلتها خبرتها الصحفية في توسيع اهتمامها بقضية المرأة من خلال مجلتها التي حققت لها فرصة السفر وتمثيل المرأة العدنية في المحافل العربية والدولية.
- شاركت في المؤتمر الأول لنساء آسيا وإفريقيا في القاهرة عام 1961م
مثلت المرأة العدنية في لندن عام 1961م ضمن وفد إعلامي من مختلف البلدان الإفريقية الواقعة تحت الاحتلال البريطاني وفي المؤتمر النسائي العربي في لبنان عام 1962م.
بعد اشتداد الحراك الوطني الذي جاء على خلفية إعلان قانون حقوق الإنسان 1948م ومطالبة المواطنين بحقوقهم السياسية والمدنية والاشتغال بالوظائف العامة وتمكينهم من إدارة شؤون بلادهم والمطالبة بالحق الانتخابي وتمكين المرأة من حق التعليم والعمل إلا أن هذه المطالبات لم تتحقق وبقي أبناء عدن بلا حق في عضوية المجلس حتى عام 1955م دخلت عدن الحياة النيابية بصدور دستور المجلس التشريعي الذي منح المواطن العدني فرصة ممارسة حق التصويت والترشيح لعضوية المجلس وحجب هذا الدستور الحق عن المرأة كاملا تحت ذريعة عدم تهيؤ المجتمع لتقبل الدور السياسي للمرأة وهي ترزح تحت ثقل الحجاب والعادات والتقاليد وعدم كفاية التعليم.
التقطت ماهية هذه الفجوة التي تجاهلتها الأحزاب التي بدأت بالظهور وأعمدة الحركات النسائية الذين اكتفوا باشتغال المرأة بالعمل الميداني والسياسي من خلال الاعتصمات والإضرابات.
- كانت بحق تحمل لقب سفيرة المرأة العدنية
وفي اعتصامات النساء بالمساجد المطالبات بالإفراج عن المعتقلين في سجون الاحتلال كانت ماهية مرافقة للوفود الرسمية التي قدمت من بريطانيا لدراسة الوضع في عدن.
وقفت تعرض قضية المرأة في بلدها وسط أعضاء البرلمان البريطاني بشجاعة تلوي أعناق الدهشة
امرأة خلقتها الأحداث التاريخية التي عصفت ببلدها دونما الاتكاء على جهوية ولم يؤطرها حزب سياسي يحرك قلمها ويحدد اتجاهها.
حافظت ماهية نجيب على إصدار مجلتها رغم شحّة الموارد التي كانت تدعم المجلة واستمرت المجلة بالصدور حتى السنة السادسة وفي منتصف عام 1967م قررت إيقاف المجلة.
ستظلّ (ماهية نجيب) وشما على صفحات تاريخ عدن وحركته النسوية.
دفنت بمكة بجوار أخيها الذي رافقها في حياتها فرافقته حتى الممات.