تصورات التسوية في اليمن

> الفكر الموروث للأسف عمق العصبية للجميع، وبسببه ضاعت وتدمرت أوطان، وتمزق نسيجها الاجتماعي لمواطنيها بكراهية مقيتة، ونهبت ثرواتها، وهاجرت قسرا شرائح متنوعة بحثا عن الأمان.. لكن الأمل بالله كبير، كونه القادر أن يقول للشيء كن فيكون..

المتغيرات لصانع القرار في منطقتنا تبشر ببداية مختلفة عن سابقاتها، وما نتابعه لسياسيات الدول الفاعلة بالإقليم، توحي ببشارات جيدة لصالح شعوب المنطقة.

وما رؤية 2030 للشقيقة الكبرى، وخطواتها المتسارعة لاستكمال الأهداف المرسومة، وتصفير الخلافات بعد حقبة من العداء، وكذا تمهيد الأرضية لحل الصراعات بالمنطقة، وأولها اليمن، كل ذلك يشير إلى توافر الإرادة السياسية لصانع القرار في المملكة بفكر جديد.

الفكر الجديد الذي يقوده الأمير خالد بن سلمان بتوجيهات الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، لحل الحرب في اليمن، لا يكرر السياسات التقليدية التي لم تجنِ منها إلا الفشل، ولذا تسعى المملكة إلى إقناع أطراف الصراع، لاستيعاب تصوراتها للحل الشامل والدائم لليمن، ليكون ركنا هاما للأمن والاستقرار بالمنطقة والمتمثلة بالآتي:

أولًا: الحل العادل للخلاف الجوهري حول استمرار الوحدة، والمطالبة بفك الارتباط، كلاهما لا يخدم اليمنيين ولا المنطقة، لأن ذلك يعني استمرار الحروب، وبالتالي فالحل الأنسب هو نشوء دولتين جديدتين، تكونان ضمن نظام كونفدرالي لدول الجزيرة أولًا، ثم يتوسع لاحقًا.

ثانيًا: تقوم الدولتان الجديدتان على نظام مدني فيدرالي، لتوسيع المشاركة، وإنهاء المركزية التي فشلت في خلق حياة عادلة حرة وكريمة.

ثالثا: ولتسهيل تحقيق ما ذكر أعلاه في أولًا وثانيًا، وإلى جانب ما ستقدمه المملكة من دعم مالي غير مسبوق في مختلف المجالات، لابد من وضع آلية ملائمة لاسترداد ما نهب من ثرواته، دون فتح معضلات جديدة، وإنما بغرض استخدامها لتمويل بناء عهد جديد للجميع.

رابعا: ولتحقيق ذلك كله لابد من سلطة شرعية تملك قرارها السيادي في الدولتين الجديدتين، من خلال نشوء أدوات سياسية جديدة غير مستوردة، تضم الجميع دون استثناء لأحد، ولتحقيق مصلحة المواطنين وأجيالهم المتعاقبة.

هذه التصورات الرئيسية ستضمن للجميع عدم فتح ملفات الماضي، وستساعد السلطات الشرعية الجديدة لحل كل الأزمات الموروثة لعقود، وتأسيس نظام كونفدرالي ضمن دول الجزيرة أولًا.

هذا الفكر سيمكن اليمن أن تتجاوز الكثير من مشكلاتها الداخلية، وتأسيس عهد جديد بمستقبل أفضل. والأهم لنجاح هذا التوجه استيعاب القوى المتصارعة، واغتنام الفرصة للحفاظ على ما تبقى، والمشاركة بروح جديدة تضمن لهم حياة آمنة، كذلك يتطلب ذلك دعمًا شعبيًا واسعًا لهذه التصورات لتكون على الواقع في أقرب وقت، تمهيدا لأمن واستقرار المنطقة بكاملها. هل سنرى في قادم الأيام تسوية تتضمن تلك التصورات الأربعة الرئيسة، أم سنظل نراوح بمسكنات، سرعان ما نصحو بعدها على حروب أخرى.

أملنا أن نحتفل في الأيام القادمة، ونقدم الشكر والتقدير لقيادة المملكة على فكرها الجديد، بعد أن كنا خائفين من تسوية تعالج فقط تقاسم السلطة بين القوى المتصارعة، وتزيد معاناة المواطنين أكثر.

* نائب وزير الخارجية السابق

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى