المعركة البرية الإسرائيلية على غزة الدوافع والأهداف

> بقدر ما شكلت عملية السابع من أكتوبر الحدث الأهم والأبرز الذي شغل العالم، كان أيضا للتساؤل والحديث على نوع الرد الإسرائيلي، نفس الدرجة من الأهمية والتعاطي والتحليل.

وعلى الرغم من أن الكثير كانوا يستبعدون قيام إسرائيل بعملية برية على قطاع غزة، إلا أنني كنت ومنذ اليوم الأول للعملية على يقين تام بأن إسرائيل هذه المرة لن تترك العمل البري، ولن تكتف بالضربات الجوية كما كانت تفعل في المواجهات السابقة مع المقاومة في غزة، فالحدث الذي تعرضت له جلل والدوافع التي تدفعها لهذه العملية باتت وجودية ومصيرية، فما تعرضت له في السابع من أكتوبر، لم يكن مجرد عملية عادية، تشبه ما سبقها من عمليات نفذتها المقاومة على أهداف داخل اسرائيل، وإنما هي عملية نوعية متقدمة تعني الكثير بالحسابات الاستراتيجية العسكرية والاستخبارية والأمنية، ولها تبعاتها الخطيرة على الأمن القومي الإسرائيلي، وعلى سمعت وهيبة إسرائيل، وجيشها، وأمنها، واستخباراتها .

والخطر الأكبر على إسرائيل في حسابات قادتها ليس بما أحدثته عملية السابع من أكتوبر من ضرر على كيانها فحسب، ولكن فيما يمثله بقاء المقاومة الفلسطينية في غزة واستمرارها من خطر وجودي على كيانها الاستيطاني مستقبلا.

وترتفع درجات الخطر عند قادة الكيان الصهيوني من بقا المقاومة في غزة، بالنظر إلى مقدار التطور الكبير الذي حققته المقاومة في التدريب والتخطيط، والتكتيك والتسليح، وفي مقدرتها على اختراق منظومة كيانهم الأمنية والاستخبارية والعسكرية، رغم تقدمها، ومقدرتها في الحفاظ على سرية الإعداد والتخطيط للعملية، وبالعقلية التي تقف خلف ذلك الفعل والتطور غير المتوقع.

وأمام كل تلك المخاطر التي أضحت تشكل خطر عظيم على إسرائيل من وجهة نظر إسرائيلية، يرى قادتها أن لا سبيل أمامهم يضمنون به عدم تكرار ما حدث في السابع من أكتوبر، ويقضون به على عوامل التهديد الوجودي لكيانهم، إلا باجتثاث المقاومة في غزة والقضاء عليها تماما، وعمل كهذا حتما لن يحدث بالعمل العسكري الجوي، وإنما بالعمل البري والدخول إلى القطاع والسيطرة عليه.

وإذا كانت هذه هي دوافع العملية البرية الإسرائيلية على قطاع غزة، فما هي الأهداف التي تريد إسرائيل تحقيقها من هذا العملية؟

من وجهة نظر شخصية أرى أن الهدف الرئيس للحملة البرية التي تخطط إسرائيل القيام بها على قطاع غزة، يتلخص في هدفين استراتيجيين اثنين هما:

1- تدمير المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة والقضاء عليها بشكل كامل.

2- تغيير واقع القطاع وجعله مغايرا تماما لما كان عليه قبل المعركة.

وتعطي إسرائيل أولوية عملها البري للجزء الشمالي والأوسط من قطاع غزة، والذي يشكل ثلاث مناطق إدارية رئيسية في غزة هم: شمال غزة، ومدينة غزة عاصمة القطاع ثم بيت حانون وسط قطاع غزة.

والجزء الذي تستهدفه العملية الجوية منذ عشرين يوما تقريبا، هو الجزء الشمالي من غزة، والذي طالبت إسرائيل سكانه بمغادرته والاتجاه جنوبا حيث كل من خان يونس ومنطقة رفح الحدودية مع مصر.

وتركز إسرائيل في عملها البري على الجزء الشمالي من غزة لأمرين:

الأول: أن فيه مدينة غزة العاصمة وهي مركز السيطرة الإدارية على القطاع ومركز تواجد حماس، وفي هذا الجزء تتواجد أهم مراكز البنى التحتية العسكرية للمقاومة وتتواجد شبكة الانفاق الرئيسية التي شيدتها حماس، والسيطرة عليه تعني القضاء على حركة المقاومة في غزة.

الثاني: أنه أضيق جزء في القطاع، بعرض يصل إلى خمسة كيلو مترات بين نقطة الساحل غربا ونقطة الفاصل الحدودي مع مستوطنات غلاف غزة شرقا، الأمر الذي يسهل عليها اختراقه بريا.

على كل حال فإنه وفي حال تمكنت إسرائيل من سيطرتها على شمال قطاع غزة ستعمل على تدمير شبكة الأنفاق وعلى تعقب قيادات وعناصر المقاومة وعلى تثبيت سيطرتها على هذا الجزء من غزة، وسيؤدي ذلك إلى نزوح من بقي من سكان شمال غزة إلى جنوبها وقد تضطر المقاومة وقياداتها إلى الانسحاب هي الأخرى باتجاه الجنوب، وبذلك تكون اسرائيل قد أحكمت سيطرتها على الجزء الشمالي من غزة، وحشرت السكان والمقاومة في الجزء الجنوبي منها.

وستتخذ إسرائيل من انسحاب المقاومة إلى الجزء الجنوبي من القطاع، مبررا لاجتياح هذا الجزء لتكمل تحقيق هدفها الأول وهو القضاء الكامل على المقاومة، ولتمهد في الوقت نفسه لتحقيق هدفها الثاني وهو تغيير الواقع الحالي للقطاع.

وأمام إسرائيل عدد من الخطط والخيارات التي ستلجأ إليها لأجل تغيير الواقع الحالي في قطاع غزة، منها ما هو معد ومجهز مسبقا كما هو الحال للخطة أو الخيار (الحلم) لإسرائيل ممثل بخيار تهجير سكان غزة إلى صحراء سيناء، ومنها ما ستبرزه الظروف والمعطيات التي ستتشكل أثناء المعركة كخيارات صالحة لإعادة صياغة الواقع في قطاع غزة ليصبح خاليا من أي تهديد على أمن وسلامة إسرائيل.

وستسعى إسرائيل إلى فرض أقرب الخيارات إلى تفكيرها وأكثرها ملائمة لمصالحها وأمنها القومي.

ومن بين الخطط والخيارات المطروحة أمام قادة الكيان الصهيوني أو التي قد تصبح متاحة وصالحة، الآتي:

1- تهجير سكان غزة إلى صحراء سيناء.

2- إعادة احتلال إسرائيل للقطاع وضمه إلى سلطتها.

3- تسليم القطاع إلى مصر لإدارته مثلما كان تحت إدارتها من سابق.

4- تنصيب إسرائيل لسلطة فلسطينية موالية لها على القطاع.

5- الانسحاب من القطاع وتسليمه لإدارة السلطة الفلسطينية مع تخصيص منطقة عازلة بين الجانبين تقتص من أرض القطاع بعرض كيلو مترا واحد.

وفي إطار سعيها لتغيير واقع قطاع غزه وجعله آمنا لا يشكل أي تهديد مستقبلي على أمنها، ستحاول إسرائيل بحسب وجهة نظري الشخصية تجريب الخيارات الوارد أعلاه، عندما تبدأ في مهاجمة الجزء الجنوبي من القطاع بذريعة ملاحقة عناصر المقاومة الذين انسحبوا إليه، وستحاول بداية بتجريب خيار تهجير سكان غزة إلى صحراء سيناء، ففي هذه الأثناء ستشدد الخناق على السكان، وتثخن في القتل والترويع، لترغم سكان غزة المتجمعين في الجزء الجنوبي منها للهرب باتجاه مصر كما أجبرتهم على الهروب من شمال القطاع إلى جنوبه.

ومع أن اسرائيل تدرك بأن محاولة فرض خيار التهجير سيواجه بمعارضة شديدة وموقف صلب من قبل مصر، وقد يدفع مصر للدخول في حرب مباشرة معها، لكنها ستحاول لعلها تنجح وترغم مصر على استقبال الفلسطينيين القادمين إليها هربا من الحرب، وتنصب لهم خياما في صحراء سيناء، لكنها ستتراجع عن هذا الخيار وتبدأ بالبحث في الخيارات الاخرى إذا وجدت أن الوضع مع مصر بات متوترا بشكل قد يفجر الحرب معها.

واتوقع أنه وفي حال نجحت اسرائيل في السيطرة على غزة والقضاء على المقاومة فيها، وأرجو ألا يحدث ذلك، أن النجاح سيكون من نصيب الخيار الخامس، وهو انسحاب اسرائيل من قطاع غزة وتسلميه لإدارة السلطة الفلسطينية التي يرأسها محمود عباس في رام الله، مع تخصيص منطقة عازلة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وهذا الخيار أو الحل، سيجد الدعم من العرب المجاورين، والعرب عامة، وبدرجة رئيسة مصر والسعودية، وسيجد أيضا دعم القوى الدولية الأخرى بما فيها الولايات المتحدة، لأنه سيسهل عملية الوصول إلى الحلول النهائية للقضية الفلسطينية باعتماد حل الدولتين.

ونختم بالقول إن ما تناوله هذا المقال، كان مركزا على الحملة البرية الإسرائيلية على غزة، من حيث دوافعها وما تهدف إسرائيل تحقيقه منها، إذا تمكنت من دخول غزة، لكن الحرب مازالت في بدايتها والمعركة البرية لم تبدأ بعد، وحتى وإن بدأت اليوم أو غدا، فقد تنجح أو تفشل أو قد تنجح في اجتياح القطاع وتفشل في تحقيق الأهداف، وتواجه هذه الحملة عقبات كبيرة وتحيط بها الكثير من المخاوف ولربما تكون تداعياتها كارثية على المنطقة وعلى إسرائيل وأمريكا والعالم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى