أطفال فلسطين والقانون الدولي: الحماية الغائبة

> "الأيام" «القدس العربي»:

>
سعادة الأطفال وحمايتهم وتنشئتهم بطريقة سليمة وصحية كانت في أذهان الذين أسسوا الأمم المتحدة. فقد يختلف المشرعون والسياسيون والقضائيون في كثير من المسائل إلا أنهم من المفروض، ألّا يختلفوا على براءة الأطفال وضرورة حمايتهم لكنهم يتفقون أيضا على أن الأطفال هم أولى ضحايا النزاعات المسلحة. فالأطفال عادة هم الفئة المستضعفة والأكثر تعرضا للأذى في النزاعات المسلحة والكوارث الطبيعية والهجرة القسرية وانتشار الأوبئة والمجاعة.

فيضطر الأطفال إلى الفرار من بيوتهم، ويُفصلون أحيانا عن عائلاتهم ويتعرضون للاستغلال والإتجار وعمل السخرة والإساءات عند وصولهم لأرض اللجوء. كما أنهم الأكثر عرضة للإصابات في الحروب بسبب وهنهم وقلة حيلتهم وغالبا ما يصابون أو يقتلون بسبب الذخائر المتفجرة، كما تقوم بعض الميليشيات بتجنبد الأطفال وزجهم في حروب ليس لهم فيها ناقة ولا جمل.

كما أن الأطفال هم الأكثر تعرضا لتهديد العنف الجنساني، خصوصاً الفتيات والنساء. لهذه الأسباب وغيرها التفتت الأمم المتحدة منذ البداية لمسألة الأطفال ورعايتهم وحمايتهم.

وسنتوقف في هذه المداخلة عند ثلاث محطات مهمة أعطت الأمم المتحدة قوانين وآليات لحماية الأطفال ورعايتهم والسهر على تنشئتهم بطريقة صحية جسميا ونفسيا:
– إنشاء منظمة متخصصة لرعاية الأطفال وهي «منظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونسيف»؛
– المعاهدة الدولية لحقوق الطفل 1990 والبروتوكالات الثلاثة الملحقة بها؛
– الممثل الخاص للأمين العام للأطفال والنزاعات المسلحة؛
سنسلط الضوء على ما هو مختص بالأطفال أساسا دون خلطهم ببقية أفراد المجتمع. وسنجد في النهاية أن الأطفال الفلسطينيين عوملوا بشكل مختلف عن بقية أطفال العالم وخاصة من مكتب ممثلة الأطفال والنزاعات المسلحة، فرجينيا غامبا، علما أن عدد الضحايا من أطفال غزة ونحن نكتب هذا المقال زاد عن 4500 طفل والمفقودين أكثر من 1500 طفل.
  • اليونسيف
ترفع اليونسيف شعارا على موقعها يقول: «لكل طفل الحق في العيش دون عنف أو استغلال أو إساءات» ولم نجد في هذا الشعار استثناء لأحد، لا أطفال ميانمار ولا أطفال اليمن، ولا أطفال السودان، ولا أطفال البوسنة ولا أطفال سوريا وبالتأكيد ولا أطفال فلسطين.

تأسست اليونسيف عام 1946 في أعقاب الحرب العالمية الثانية بمهمة واضحة: مساعدة الأطفال الذين كانت حياتهم ومستقبلهم معرضة للخطر – بغض النظر عن الدور الذي لعبته بلادهم في الحرب. مهمة اليونسيف الأولى الوصول إلى كل طفل محتاج، وحماية حقوق الأطفال في البقاء والازدهار وتحقيق إمكاناتهم الكاملة. فمن رماد الحرب العالمية الثانية إلى حرب غزة ومن تحديات الأوبئة إلى عوامل المناخ التي تؤثر على الملايين اليوم، لم تتزعزع ولاية اليونسيف أبدا وظلت تعمل باستمرار على حماية حقوق ورفاهية جميع الأطفال، بغض النظر عن أعراقهم وأديانهم وأماكن سكنهكم وألوانهم.

لذلك تحظى اليونسيف بشعبية كبيرة، فكل دول العالم أعضاء فيها ولها مكاتب وأنشطة في 190 بلدا وإقليما. وتعمل في أصعب الأماكن في العالم للوصول إلى الأطفال والمراهقين الأشد حرمانا، لحماية حقوق كل الأطفال. وتبذل المنظمة كل ما يلزم لمساعدة الأطفال على البقاء على قيد الحياة والازدهار وتحقيق إمكاناتهم، من مرحلة الطفولة المبكرة وحتى مرحلة المراهقة.

واليونسيف أكبر مورد للقاحات في العالم، وتدعم صحة الطفل وتغذيته، وتوفر المياه المأمونة ومرافق الصرف الصحي، والتعليم الجيد وبناء المهارات، والوقاية من فيروس نقص المناعة البشري وعلاجه عند الأمهات والرضع، وحماية الأطفال والمراهقين من العنف والاستغلال.

اليونسيف لا تتدخل في السياسة وتعمل على البقاء محايدة على الدوام إلا عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن حقوق الأطفال وحماية حياتهم ومستقبلهم فترفع الصوت عاليا في وصف الجريمة دون أن تذكر المجرم بالإسم لأن مهتمها إنقاذ الضحية وليس محاكمة الجاني.
  • اليونسيف في فلسطين
واكب مكتب الأمم المتحدة لليونسيف في القدس الشرقية، الذي أنشىء بعد احتلال عام 1967 ثم أصبح معتمدا لدى دولة فلسطين بعد عام 1994 جميع التطورات التي عانى ويعاني منها أطفال فلسطين. ويعمل المكتب الموجود في بلدة بيت حنينا قرب القدس، على مساعدة الأطفال الفلسطينيين في الوصول إلى الخدمات والحماية، من مرحلة الطفولة المبكرة وحتى مرحلة المراهقة. هدف المكتب، كما يقول، هو ضمان حصول كل طفل في الضفة الغربية – بما في ذلك القدس الشرقية – وقطاع غزة، بغض النظر عن خلفيته أو ظروفه، على فرصة متساوية لتحقيق إمكاناته. ولا أحد يقلل من الخدمات العظيمة التي قدمتها اليونسيف لأطفال فلسطين في الست والخمسين سنة الماضية.

وقد صرخت اليونسيف بأعلى الصوت عند اندلاع الحرب التدميرية الأخيرة. ولنسمع المديرة التنفيذية لليونسيف، كاثرين راسل، التي خاطبت مجلس الأمن الدولي يوم 30 أكتوبر وهي تطالب بوقف إطلاق نار فوري من أجل حماية المدنيين وخاصة الأطفال قائلة: «سيتم قياس التكلفة الحقيقية لهذا التصعيد الأخير بحياة الأطفال – أولئك الذين فقدوا بسبب العنف وأولئك الذين تغيروا إلى الأبد بسببه، حيث تُرتكب الانتهاكات الجسيمة المتفشية ضدهم. ووفقا لوزارة الصحة الفلسطينية، فقد قُتل أكثر من 8300 فلسطيني في غزة، من بينهم أكثر من 3400 طفل، وأصيب أكثر من 6300 طفل. هذا يعني أن أكثر من 420 طفلا يقتلون أو يصابون في غزة كل يوم. إن هذا الرقم يجب أن يهز كل واحد منا حتى النخاع».

وقالت مخاطبة أعضاء المجلس: «إنني أدعو المجلس على الفور إلى اعتماد قرار يذكر الأطراف بالتزاماتها بموجب القانون الدولي، ويدعو إلى وقف إطلاق النار، ويطالب الأطراف بالسماح بوصول المساعدات الإنسانية بشكل آمن ودون عوائق، ويطالب بالإفراج الفوري والآمن عن جميع الرهائن.

يجب على المجلس أيضًا إعطاء الأولوية لأزمة النزوح المتفاقمة الآن، حيث أصبح أكثر من 1.4 مليون شخص في غزة، غالبيتهم من الأطفال، نازحون الآن.

ويجب على جميع الأطراف وقف العنف ومنع ارتكاب أي انتهاكات جسيمة ضد الأطفال، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية عبر جميع المعابر إلى قطاع غزة.

يجب التراجع فوراً عن التدابير الرامية إلى قطع الكهرباء والغذاء والمياه والوقود عن دخول غزة من إسرائيل، حتى يتمكن المدنيون من الوصول إلى الخدمات التي يحتاجون إليها للبقاء على قيد الحياة».

واختتمت كلمتها المؤثرة قائلة: «بالنيابة عن جميع الأطفال الذين وقعوا في هذا الكابوس، يجب على العالم أن يفعل ما هو أفضل».

وهذا تقرير لليونسيف يوم 24 أكتوبر حول الجرائم التي ترتكبها إسرائيل في غزة جاء فيه:
«إن قتل وتشويه الأطفال، واختطاف الأطفال، والهجمات على المستشفيات والمدارس، ومنع وصول المساعدات الإنسانية، تشكل انتهاكات جسيمة لحقوق الأطفال.

إن اليونسيف تناشد بشكل عاجل جميع الأطراف للاتفاق على وقف إطلاق النار، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية، وإطلاق سراح جميع الرهائن. حتى الحروب لها قوانين. يجب حماية المدنيين – وخاصة الأطفال – ويجب بذل كل الجهود لإنقاذهم في جميع الظروف».

لقد تحلت بشجاعة لم يتحل بها أنطونيو غوتيريش الذي تأخر كثيرا قبل أن يطالب بوقف إطلاق نار «إنساني». تقديم المساعدات في كل المجالات المتعلقة بالأطفال، والصراخ بصوت عال عندما يتعرضون للأذى، هذا ما تستطيع اليونسيف عمله.
  • الإطار القانوني ـ الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل
ارتقى المجتمع الدولي بمسألة حقوق الأطفال بعد انتشار ظواهر عديدة تنتهك حقوقهم في كل البلدان بلا استثناء. دخلت الدول الأعضاء في مفاوضات طويلة إلى أن تم التوافق على وثيقة قانونية واحدة تم طرحها للتصويت عليها في الجمعية العامة يوم 20 نوفمبر 1989 وقد حظيت بإجماع الدول الأعضاء وبالتالي أضيف لمجموعة المعاهدات والاتفاقيات التي تشكل «القانون الدولي».

وقد دخلت حيز الإنفاذ بتاريخ 2 سبتمبر 1990. وانضمت إلى الاتفاقية جميع دول العالم باستثناء دولة واحدة فقط هي الولايات المتحدة الأمريكية.

كل دولة في العالم عليها أن تقدم تقريرا سنويا للجنة المعنية بمراقبة تنفيذ الاتفاقية المنبثقة عن الجمعيىة العامة واسمها «لجنة حقوق الطفل» المعروفة بحروفها الأولى «CRC» ومهمتها الأساسية مراقبة مدى التزام الدول بهذه الاتفاقية وتنبيهها والتشهير بها وزيارة البلد المنتهك للتأكد أن القوانين المحلية تنصف الأطفال وتنسجم مع بنود الاتفاقية.

واعتبرت الأمم المتحدة في هذه الاتفاقية أن الطفل هو أكثر الفئات الضعيفة هشاشة، أي أنه أضعف من ذوي الاحتياجات الخاصة والمرأة والسكان الأصليين وكبار السن، لأن الطفل لا يملك قراره بيده، ولا ذنب له في ما يجري حوله ولا يستطيع أن يدفع الشر عن نفسه. فالطفل، كما نصت الاتفاقية بسبب عدم نضجه البدني والعقلي، يحتاج إلى إجراءات وقاية ورعاية خاصة، بما في ذلك حماية قانونية مناسبة، قبل الولادة وبعدها».

تتكون الاتفاقية من 54 مادة. وقد لحق بها فيما بعد ثلاثة بروتوكولات اختيارية، واحد يتعلق بالأطفال والصراعات المسلحة (2000) والثاني يتعلق بتحريم الاتجار بالأطفال واستغلالهم جنسيا (2000) والثالث يتعلق بحق الأطفال بتقديم شكوى بطريقة مباشرة للجنة حقوق الطفل (2011).

تفصل هذه الاتفاقية حقوق الطفل وواجبات الدولة والمجتمع وتعرف الطفل هو كل من هو تحت سن الثامنة عشرة. ومن أولى حقوق الطفل هو حقه في الحياة وحقه في الجنسية وحقه في أن ينشأ في رعاية والديه وحقه في النمو والتمتع بطفولته.

ومن حق الطفل أن يحمل اسما منذ ولادته وأن يعرف أبويه ويعيش في كنفهما إن كان ذلك ممكنا.

كما تطالب الاتفاقية جميع الدول بعدم ممارسة التمييز ضد الأطفال بناء على العرق أو اللون أو الدين أو اللغة أو الرأي السياسي أو القومية أو الوضع الاجتماعي أو الاقتصادي. ومن حقه أن يتمتع بوسائل الرفاهية وأن يمارس حق التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات أو الانضمام لها. ومن أهم حقوقه التعليم والالتحاق بالمدارس والمؤسسات التعليمية.

البند 11 مهم حيث ينص على: «تتخذ الدول الأطراف تدابير لمكافحة نقل الأطفال إلى الخارج وعدم عودتهم بصورة غير مشروعة».

ولأن الاتفاقية متوفرة ومن السهل الرجوع إليها نترك أمر تفاصيلها لكننا نؤكد أن جميع ممارسات الكيان الصهيوني فيما يتعلق بأطفال فلسطين في حالة انتهاك لبنود هذه الاتفاقية.

فالطفل الفلسطيني هو من دون سن 16 بينما يبقى الإسرائيلي طفلا إلى أن يصل سن 18. والحد الأقصى لاعتقال الطفل الإسرائيلي 40 يوما وللفلسطيني 188 يوما، والطفل الفلسطيني يحاكم في محكمة عسكرية للأحداث، حتى لو كان عمرة 12 سنة، بينما الطفل الإسرائيلي يحاكم في محاكم مدنية للأحداث، والطفل الإسرائيلي بعد الخروج من السجن ينضم إلى برامج إعادة التأهيل المحروم منها الفلسطيني.

وقد يحكم على الطفل الفلسطيني بين سن 16 و18 بالسجن لمدة عشرين سنة، كما أن 60 في المئة من الأطفال الفلسطينيين يحتجزون في معتقلات داخل إسرائيل وهذا الإجراء هو انتهاك لاتفاقية جنيف الرابعة. وقد التقيت في ما مضى بالطفل شادي فراح الذي اعتقل وعمره 12 سنة بتهمة رمي حجارة وحكم ثلاث سنوات نفذت فعليا.

كما زرت عائلة الطفل أحمد مناصرة، الذي اعتقل عام 2015 وعمره 16 سنة وحكم 12 سنة، وأدخل الحبس الانفرادي حتى كاد أن يصاب بالجنون.
  • مكتب ممثل الأمين العام للنزاعات المسلحة
هذه الآلية القوية التي صوتت عليها الجمعية العامة لفضح الدول والجماعات والجيوش والميليشيات التي تنتهك حقوق الأطفال. ففي عام 1996 قدّمت غراسا ماشيل، زوجة نيلسون مانديلا، وخبيرة مستقلة عيّنها الأمين العام، تقريرها إلى الجمعية العامة بعنوان «أثر النزاع المسلَّح على الأطفال». وأدّى التقرير إلى أن اعتمدت الجمعية العامة القرار (A/RES/51/77(1996) ) الذي يقضي بإنشاء ولاية الممثل الخاص للأمين العام المعني بالأطفال والنزاع المسلّح لفترة ثلاث سنوات. ومنذ ذلك الحين قامت الجمعية العامة بتوسيع هذه الولاية لخمس مرات.

وفي سبتمبر 1997 قام الأمين العام بتعيين أولارا أوتونو ممثلاً خاصاً له لشؤون الأطفال والنزاع المسلّح ثم تبعه آخرون إلى أن وصل المنصب للجزائرية ليلى زروقي ثم الحالية فرجينا غاميا.
والتقرير السنوي يحوي الدول والجيوش والجماعات المسلحة الأكثر انتهاكا للأطفال. ويلحق بالتقرير قائمة يطلق عليها «قائمة العار» للجهات الأكثر انتهاكا لحقوق الأطفال.

وما عدا المحاولة التي قامت بها ليلى زروقي لتضمين القائمة اسمي إسرائيل والتحالف العربي في تقرير 2015 إلا أن اسم إسرائيل سحبه الأمين العام قبل توزيع التقرير واسم التحالف سحبه الأمين العام، بان كي مون، بعد تهديد شديد اللهجة من السعودية بإلغاء كافة المساعدات الإنسانية للمنظمات الدولية بما فيها الأونروا.

في تقريرها الأخير وضعت فرجينيا غامبا الدول الخمس الأكثر انتهاكا لحقوق الأطفال، وهي حسب التقرير الكونغو (3377) إسرائيل ( 3133) انتهاكات تتوزع على جميع المعايير الستة ثم الصومال (1883) فسوريا (2483) فأوكرانيا (2334) فأفغانستان (1797) لكنها أدرجت جميع الدول الخمس إلا إسرائيل؟ يومها صرخت: الأمم المتحدة الآن على قائمة العار.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى