هل يبحث بنيامين نتنياهو عن مخرج ما عبر لبنان؟

> واشنطن "الأيام" العرب:

> ​نقلت مصادر أن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن أجرى محادثة مع نظيره الإسرائيلي يوآف غالانت، أعرب فيها عن قلقه حيال خطورة دور إسرائيل في تصعيد التوتر العسكري على الحدود مع لبنان، متخوّفا من أن يسفر ذلك عن اندلاع حرب إقليمية.

ويقول الباحث يزيد صايغ في تحليل على موقع كارينغي إنه حتى الآن، ما من ضرورة إستراتيجية تُملي على إسرائيل توسيع رقعة الصراع الدائر في غزة، لكن المنطق السياسي الذي يسيّر سلوك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يجعل من استمرار هذا الصراع وتصعيده ليشمل جبهات أُخرى بمثابة خياره التلقائي. ويضيف صايغ “هذا ما يشكّل في الواقع خطرا حقيقيا على الجميع”.

ومنذ الهجوم الذي نفّذته حماس يوم السابع من أكتوبر، أظهر نتنياهو في مناسبات كثيرة اندفاعه نحو السياسات الارتجالية غير المحسوبة. فقد حمّل قادة المؤسسة الأمنية الإسرائيلية مسؤولية الفشل الذريع الذي مُنيت به سياساته السابقة تجاه حماس، وذلك في تغريدة كتبها على موقع إكس وحذفها لاحقا، لكن ليس قبل بلوغ الرسالة جمهوره المحلّي المقصود.

وكذلك، أدلى بتصريح يوم الثامن والعشرين من أكتوبر مخاطبا الجنود الذين كانوا يستعدّون لدخول غزة، قائلا “عليكم بتذكُّر ما فعله العماليق بكم”. وفي خضمّ المشهد السياسي الراهن، إن استشهاد نتنياهو بنصٍّ من التوراة يحثّ على الانتقام من العماليق الذين هاجموا اليهود العزَّل في الصحراء يحيل المستمعين ضمنيًا إلى آية أخرى مرتبطة بما قاله، وهي “فاذهبوا الآن واضربوا بني عماليق، وأهلكوا‌ جميع ما لهم ولا تعفوا عنهم، بل اقتلوا الرجال والنساء والأطفال والرضَّع والبقر والغنَم والجمال والحمير”.

وتوقّع نتنياهو لاحقًا أن تتولّى إسرائيل إلى أجل غير مسمّى المسؤولية الأمنية الشاملة في قطاع غزة بعد انتهاء الحرب، إلّا أن غالانت ووزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن نفيا أن يكون ذلك في الواقع هدفا رسميا من أهداف هذه الحرب.

لكن كل هذا لا يعني بتاتًا غياب أي منطق أو اتّساق ضمن هذه المجموعة غير المترابطة من التصريحات الصادرة عن نتنياهو وتغريداته على وسائل التواصل الاجتماعي. بل بالأحرى، يسعى نتنياهو من خلالها إلى تحقيق هدفين هما: أولا، تأخير اللحظة التي سيخضع فيها للمساءلة أمام الرأي العام الإسرائيلي نتيجة إخفاق السياسات التي انتهجها لفترة طويلة: أي وعوده بتحقيق الأمن والاستقرار لإسرائيل، في ظل الإمعان في حصار غزة وإفقارها، وتوسيع بناء المستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية.

وثانيا، إبقاء شركائه اليمينيين المتطرّفين في الائتلاف الحاكم قريبين منه، واستمالة الناخبين اليمينيين لضمان دعمهم له متى تحين ساعة الحساب. فإذا مكّنوه من البقاء في رئاسة الحكومة، سيواصل تمتّعه بالحصانة للإفلات من المحاكمة بتُهم الفساد، وهذا ما سعى إلى تحقيقه من خلال خطط الإصلاح القضائي المثيرة للجدل التي بدأها ائتلافه اليميني منذ مطلع العام 2023.

وعلى حدّ تعبير الصحافي الإسرائيلي المخضرم آموس هاريل “حتى في خضمّ الحرب الأهم التي تشهدها البلاد منذ خمسين عاما، فإن رئيس الوزراء منشغل في المقام الأول، وأكثر من أي أمر آخر، بنفسه وبإنقاذ مستقبله السياسي المتزعزع”.

ولنتنياهو مصلحة سياسية في الحفاظ على زخم العمليات العسكرية في غزة، ولهذا السبب رفض مرارا وتكرارا الدعوات إلى وقف إطلاق النار. وما لا يقلّ مدعاة إلى القلق، في حال تحوّلت عمليات تبادل إطلاق النار المستمرة بين حزب الله والقوات الإسرائيلية عبر الحدود اللبنانية إلى مواجهة واسعة النطاق، أن ذلك لن يحدث بسبب قرار يتّخذه حزب الله أو إيران، اللذان يسعيان إلى احتواء التصعيد وإبقائه ضمن حدوده الحالية، ولكن لأن نتنياهو يشعر أن بقاءه السياسي يقتضي تصعيدا على هذا النطاق.

ويستعير نتنياهو، من خلال اعتماده التصعيد خيارا تلقائيا، تكتيك “الهروب إلى الأمام” الذي أتقنه خصمه اللدود الراحل ياسر عرفات، الرئيس السابق لمنظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية.

وأتى هروب عرفات إلى الأمام ردّا على اندلاع الانتفاضة الثانية وقيام بعض الفلسطينيين بحمل السلاح في العام 2000.

وهذا التكتيك لم ينمّ عن إستراتيجية مسبقة، بل جاء نتيجة انعدام الإستراتيجية أو الهدف الواضح. فقد استغل “حدثا دراماتيكيا افتعلته جهة خارجية من أجل التعتيم على مأزق إستراتيجي والهروب منه، ثم سعى إلى تكثيف ذلك الحدث وإطالة أمده من أجل ‘السيطرة على الأزمة’ واستدراج نتيجة تصبّ في صالحه في نهاية المطاف. ويبدو أن ما ذهب إليه عرفات ينطبق أيضا على نتنياهو”.

وتكشف وضعية نتنياهو الخطابية (المدعومة بأعداد كبيرة من الصور التي يلتقطها مع الجنود) عن اعتقاد لديه بأن التكاليف السياسية التي يمكن أن تترتّب داخليا على تبديل المسار الراهن لحكومته، والمتمثّل، في نظر المسؤولين في إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، بشنّ عمليات عسكرية على غزة من دون إستراتيجية خروج متّسقة، أعلى بكثير من تكاليف مواصلة المسار الحالي.

ويرى صايغ أن الإسرائيليين الذين يعتبرون أن انعدام التفكير السياساتي الواضح ليس مهمّا طالما أن القوات الإسرائيلية تشنّ حملة للقضاء التام على حماس، لا يفقهون جيّدًا عواقب الخيار التلقائي الذي يعتمده نتنياهو.

ويضيف أن ذلك يتجلّى بأوضح صوره في سياسته القائمة على تركيز توظيف الموارد الحكومية والقسم الأكبر من وحدات الجيش لتوسيع وحماية المشروع الاستيطاني الذي يزداد عدائية وعنفا في أراضي الضفة الغربية والقدس الشرقية المحتلة، وقد دفع المدنيون الإسرائيليون في غلاف غزة باهظا ثمن هذه السياسة يوم السابع من أكتوبر.

وفي ضوء الأحداث الراهنة التي تتوالى فصولا في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وفيما يتمحور هدف نتنياهو في المدى القصير حول تأمين بقائه السياسي، يبدو أن هدف الاحتفاظ بمنصبه في المدى الأبعد هو إستراتيجي وراسخ. فهو يساهم، من خلال تعميم الخطاب اليميني والقومي المتطرّف، في ترسيخ الاقتناع بأن إسرائيل يتعيّن عليها – والأهم من ذلك، أنها تستطيع – بسط سيطرتها على كافة الأراضي الفلسطينية بهدف تحويلها، بطريقة نهائية لا رجوع عنها، إلى أرض إسرائيل من “النهر إلى البحر”.

وهكذا فإن نتنياهو، ومن خلال سياسة الهروب إلى الأمام في وجه أزمته السياسية الراهنة، يحجب عن أنظار الرأي العام الإسرائيلي واقع أنه عاجز عن التوفيق بين عزمه على جعل الدولة الفلسطينية مستحيلة، وبين وعوده بتحقيق السلام والأمن الكاملين للإسرائيليين. وهذا يقع في صميم خياره التلقائي.

وسواء عُزِل نتنياهو من منصبه في نهاية المطاف أو خرج منتصرًا من معركته السياسية الداخلية، لا شكّ من أنه سيفاقم الانقسام الحادّ في بلاده بشكل كبير، وسيطلق بذلك أيدي حلفائه اليمينيين ليصبحوا أكثر صدامية مع المواطنين الآخرين، سواء أكانوا من الفلسطينيين الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية وعددهم مليونا نسمة، أو من اليهود المعارضين. ويتجلّى العنف الاستيطاني الذي تشهده راهنًا الضفة الغربية، أيضًا على الجانب الآخر من حدود العام 1967، أي داخل إسرائيل.

وربما تؤدّي معركة نتنياهو من أجل البقاء في منصبه إلى تعزيز نفوذ شركائه اليمينيين بحيث لا يعود قادرًا على تقديم نفسه للأحزاب الإسرائيلية الأكثر وسطية، أو للحكومات الغربية، باعتباره حصنا معقولا في وجه مدّ اليمين المتطرّف. فهذا الجناح سوف يصبح قويا جدا، وسيميل ميزان القوى لصالحه، على حساب نتنياهو.

وحين أصبح عرفات أسير خياره التلقائي، بات عالقا بالمعنيين الحرفي والمجازي. فقد أحكمت عليه القوات الإسرائيلية الحصار داخل مجمّعه الرئاسي في رام الله منذ منتصف العام 2002 وحتى وفاته في نوفمبر 2004.

وفي غضون ذلك، صوّت المجلس التشريعي الفلسطيني على تقييد صلاحياته، والأهم من ذلك، فرضت خارطة الطريق للسلام التي أصدرتها اللجنة الرباعية بقيادة الولايات المتحدة في العام 2003، قيودًا إضافية على التقدم نحو إقامة الدولة الفلسطينية من خلال اشتراط إجراء إصلاحات داخلية وضمان أمن إسرائيل. ولكن جميع هذه المعطيات لم تنجح في دفع عرفات إلى التخلّي عن خياره التلقائي.

ولا يزال نتنياهو بعيدًا جدًّا عن ساعة حساب كهذه، ولكنه محاصر بالمثل. فربما كان الهدف من إرسال إدارة بايدن مساعدات عسكرية كبيرة إلى شرق المتوسط هو ردع حزب الله (وإيران) عن توسيع رقعة الحرب الدائرة في غزة، وكذلك ثني الحكومة الإسرائيلية عن شنّ عمليات عسكرية خارج نطاق القطاع. ولكن قد يكون لهذه الخطوة مفعول معاكس في الواقع، وهو تشجيع نتنياهو على الاعتقاد بأن التصعيد العسكري في الشمال هو خياره – التلقائي – الأرخص كلفة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى