في اليوم السادس من الهدنة.. بداية التطبيع الإسرائيلي مع فكرة وقف الحرب على غزة

> «الأيام» القدس العربي:

> في اليوم الثالث والخمسين للحرب على غزة، المتزامن مع يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني، تدعو حركة “حماس” العرب والمسلمين والأحرار في العالم لتصعيد الحراك التضامني مع القطاع، والتنديد بالعدوان وجرائم الإبادة، ولكن مستقبل الحرب بالأساس بيد واشنطن، التي باتت تبدي تراجعاً، أو تحفظاً، عن الدعم المطلق للماكنة العسكرية الإسرائيلية في تدمير “حماس”، رغم إلقاء الجحيم عليها.

منذ البدء بتطبيق “الصفقة”، قبل أيام، يزداد الحراك الدبلوماسي، ومركزه في الدوحة، حيث تتواصل خلف الكواليس مداولات بين عدة أطراف بما يتعدى الهدنة وصولاً لوقف طويل للنار. علاوة على تواجد مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية ومدير الموساد ووزير المخابرات المصرية في الدوحة، يصل المنطقة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، وعلى ما يبدو فإن مهمته هذه المرة تتجاوز موضوع الهدنة وتبادل المخطوفين والأسرى، لكنه سيجد أن إسرائيل ما زالت عالقة على شجرة عالية، تسلّقتْها قبل نحو الشهرين، بإعلانها أهدافاً كبيرة للعدوان، فـ “السيوف الحديدية” قطعت لحم الكثير من الغزيين، لكن “حماس” ما زالت قوية ومتماسكة، وجاء الإفراج عن دفعة من المحتجزين الإسرائيليين، أمس الأول، من مكان في شمال القطاع إشارة واضحة على ذلك.

 بلينكن، الذي سارعَ لزيارة إسرائيل، في اليوم التالي لـ “طوفان الأقصى”، من أجل حمايتها من أعدائها بعد ضربة إستراتيجية خطيرة، ومن نفسها، كونها ترسانة أسلحة، وقيادتها مصابة بالصدمة، ومملوءة بشهوة الانتقام واستعادة الهيبة الجريحة. وفعلاً صبّت إسرائيل الجحيم على غزة بذخائر أمريكية وحرب على الغزيين، لا على “حماس” فحسب، في محاولة للقيام بنكبة ثانية داخل القطاع، تحتل بواسطتها وعي الفلسطينيين، وترمّم وعي وثقة ومناعة الإسرائيليين، وربما تحقيق حلم طالما راوَدَها بتهجير الغزيين لسيناء وغيرها.

محفزات وحسابات الحرب

ورغم هذا الجحيم، فشلت إسرائيل في إخضاع “حماس”، واضطرت للتفاوض معها وعقد صفقة تشمل هدنة وتبادل أسرى، بعدما كانت ترفض علانية فكرة وقف النار والهدنة، وتتجاهل، في الأيام الأولى، الإسرائيليين المحتجزين داخل غزة، مركّزة على تدمير “حماس”، كهدف وحيد، ولاحقاً كهدف مركزي.

واليوم، تبدو إسرائيل في مكان مختلف، ليس فقط من ناحية وقف مؤقت للحرب وتبادل أسرى، فهي تقف الآن أمام خيار بوقف طويل للنار دون تحقيق للهدف المركزي المذكور، وتشهد أحاديث حول ذلك كانت محرمة من قبل، ما يعني تطبيعاً للفكرة، وتهيئة الإسرائيليين لها، بصرف النظر إذا كانت مقصودة سلفاً أم لا.

حرب “الجرف الصامد” الثانية

وقبيل خروج الدفعة السادسة من التبادل هذا المساء، فإن إسرائيل معنية بتمديد الهدنة بيومين إضافيين، وفيها يتدارسون مقترحاً طرح في قمة الدوحة، بمشاركة رئيس الحكومة القطرية، ورئيس الموساد، والـ “سي آي أيه”، وعباس كامل، يقضي بوقف طويل للنار يشمل صفقة كبيرة: إطلاق كل الأسرى في غزة، أحياء وموتى، مقابل تبييض السجون الإسرائيلية ووقف القتال لفترة مطولة”. هذا ما أكدته، صباح اليوم الأربعاء، الإذاعة العبرية الرسمية، مرجحة أن يحيى سنوار سيسارع للموافقة على المقترح، وسيعتبر هذه الحرب حرب “الجرف الصامد” (2014) ثانية، تنتهي بهدنة طويلة، مرجحة أيضاً أن قبول إسرائيل به يعني محو الحكومة لأهداف الحرب: تدمير القدرات العسكرية والسلطوية لـ “حماس”.

ويوضح معلقها السياسي سليمان مسودة بالقول إنه توجه بالسؤال لبعض أعضاء الكابينيت الإسرائيلي؛ هل يعني أن مثل هذه الصفقة الكبرى بقاء إسرائيل ملتزمة بأهداف الحرب، وهل هذا يعني تصفية قيادات “حماس” بعد حين؟ ويتابع: “كان الجواب غير الرسمي: نعم”.

يشار إلى أن صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية تضيف، في تقريرها اليوم، تفاصيل إضافية عن “الصفقة الكبرى” تتوقف فيه عند كيفية الإفراج عن الرجال والجنود: الكبار بالسن أولاً، ثم جنود الاحتياط، ثم جنود الجيش النظامي، مقابل الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين. ويخلص مسودة للقول: “يبدو أن هناك صفقة مقترحة كبرى تأتي من الدوحة على إسرائيل، ورئيس الموساد عاد، في الليلة الماضية، للقاء نتنياهو، اليوم الأربعاء، لإطلاعه على ما يدور خلف الكواليس في قطر”. وأكد مسودة ما أشارت له وسائل إعلام عبرية أخرى، في الأيام الأخيرة، بأن المواقف داخل الكابينيت الإسرائيلي منقسمة حيال هذا السؤال، حول مستقبل الحرب وهذه الصفقة.

ويتابع: “حاولنا الحصول على أجوبة من أعضاء الكابينيت، ولم نتلق جواباً، وسيجتمع الكابينيت. وفي التزامن يهدد بعض الوزراء بالخروج من الحكومة بحال وقف الحرب”.

المعضلة الإسرائيلية

وهذا التهديد بتفكيك الائتلاف الحاكم هو جزء من معضلة أكبر وأخطر تقف إسرائيل قبالتها، وتتنازعها مؤثرات وحسابات وضغوط متناقضة. في الجانب الأول من المعادلة اليوم هناك محفزات وعوامل ضاغطة نحو تجديد إسرائيل للحرب على غزة، أولها فهمها أنه بدون تحقيق هدفها بتدمير “حماس” يعني أنها فشلت، ما يعني تضرر قوة ردعها وهيبتها بعيون نفسها وعيون العالم.

ولذا هناك جهات إسرائيلية رسمية تحذّر من هذا السيناريو، آخرها وزير الأمن الأسبق النائب أفيغدور ليبرمان، الذي قال، في تصريحات إعلامية، اليوم، إن وقف الحرب الآن يعني فشلاً ذريعاً، بحجم الفشل الذريع في السابع من أكتوبر، بسبب التراجع عن هدف الحرب، محذراً من تبعات ذلك، التي تشمل ضربة قاضية لقوة الردع، وخروج يحيى سنوار مع شارة الانتصار.

 كذلك هناك أوساط إسرائيلية غير رسمية تحذّر من ذلك، كأستاذ الحقوق في جامعة بار إيلان البروفيسور يديدياه شطيرن، الذي عاد وأكد موقفه المعارض لوقف الحرب المعبّر عنه في مقال نشرته “هآرتس”، أمس، تحت عنوان “عقب أخيلس”.

وفي حديث للإذاعة العبرية، قال شطيرن، اليوم الأربعاء، إن قلبه ليس من حجر، وإن لديه ثلاثة جنود يقاتلون اليوم داخل غزة، لكنه يعارض صفقة تبادل أسرى بكل ثمن، معلّلاً تأييده مواصلة الحرب، دون اكتراث للجنود الأسرى، بالإشارة للواجب بعدم التضحية بمصالح الأمن القومي الإسرائيلي خدمةً لمصالح أفراد إسرائيليين. لكن ليس فقط إسرائيل كدولة، بل حكومتها ستغرق فوراً بـ “طوفان الأقصى”، وليس رئيسها نتنياهو فحسب عند وقف الحرب، ولذا يتهم الأخير من قبل جهات إسرائيلية بخلط الحسابات، وبالرغبة باستبعاد يوم الحساب العسير، وتمديد عمره السياسي، عبْر إطالة أمد الحرب، خاصة أن الوزيرن بن غفير وسموتريتش يهدّدان علانية بإسقاط الائتلاف الحاكم، بحال تم وقف الحرب.

علاوة على الناحية الرمزية والسياسية، هناك عوامل أخرى تضغط وتدفع بإسرائيل نحو مواصلة الحرب، وهي رفض سكان المستوطنات الحدودية في الشمال والجنوب (220 ألف نسمة) العودة لبيوتهم قبل أن يتم إسقاط “حماس” وإبعاد “حزب الله” عن الحدود. كذلك تخشى إسرائيل أن وقف الحرب، ضمن صفقة كبرى، يعني استعادة كل جنودها الأسرى، ولكنها تدرك أن هذا منوطٌ بالإفراج عن كل الأسرى الفلسطينيين، وصورة الانتصار هذه بـ “الـ” التعريف بالنسبة لـ “حماس” تقدّم حجة إضافية على نجاح مخططها، في السابع من أكتوبر.

التحديات والمعوقات

في المقابل، فإن استئناف الحرب بالنسبة لإسرائيل يعني أيضاً خسائر أكبر في الجنود، لأن القتال في جنوب القطاع أصعب، و”حماس” ما زالت تحتفظ بقدراتها، كما أكد، أمس، رئيس الحكومة ووزير الأمن سابقاً إيهود براك، في مقال نشرته “هآرتس” بطبعتها الإنكليزية، موضحاً أن “حماس” بعيدة عن الانهيار.

 وتبعه ميخا كوبي، مسؤول سابق في “الشاباك” (حقق مع يحيى سنوار في الماضي عندما كان أسيراً محكوماً بأربعة مؤبدات)، الذي قال للإذاعة العبرية العامة إنه يعرف السنوار بشكل ممتاز، وإنه رجل صلب وعنيد وعقيدته راسخة، ويؤمن بضرورة زوال إسرائيل، وأن الاستسلام غير موجود في قاموسه، وسيقاتل حتى آخر رصاصة.

ويزداد هذا السؤال حول الأثمان والخسائر بالجنود المترتبة على تجدّد الحرب إلحاحاً، بعدما كشفت “هآرتس” العبرية أن 1000 ضابط وجندي إسرائيلي أصيبوا منذ الحملة البرية، في السابع والعشرين من الشهر الماضي.

من جهته يقول المحاضر الخبير بالشؤون الفلسطينية دكتور ميخائيل ميليشتاين إن “حماس” فوجئت بطول نفس إسرائيل وجاهزية الإسرائيليين لتحمّل ثمن الحرب من أجل تحقيق هدفها بتدمير “حماس”، ولكن هناك تساؤلات ومخاوف من التورط بوحل غزة، وبحرب استنزاف طويلة تكون مكلفة، ودون فكرة عن اليوم التالي. يشار هنا إلى أن استطلاعات رأي تُظهِر أن الإسرائيليين منقسمون حيال سؤال الاستمرار في الحرب، وفق ما كشف عنه عاموس هارئيل في تحليله، أمس الأول.

الشرعية الدولية

 يضاف إلى ذلك ردود فعل عائلات الجنود والضباط الإسرائيليين الأسرى الذين سيصعدون مطالبهم باستعادتهم بعد الإفراج عن المدنيين، ومن المرجح أن تجند معها أوساطاً من الإسرائيليين الذين سيحتجون على التضحية بهؤلاء الأسرى. كذلك فإن المساس بالمدنيين الفلسطينيين سيكون أكبر بحال استئناف الحرب، خاصة في جنوب القطاع، وهذا من شأنه زيادة الاحتجاجات في العالم، وتبديد الشرعية الدولية للحرب. وهذا ما يدفع المحلل العسكري في “هآرتس” عاموس هارئيل للقول، اليوم، إن مهمة إسرائيل بشرح موقفها في الحلبة الدولية ستكون أصعب “ففي عيون حكومات أوروبية قد افتتح مسار خروج من الحرب: هدن في القتال يتم تمديدها مرة تلو المرة، تتخلّلها مفاوضات حول المخطوفين.

حسب هذا التوجه، على إسرائيل أن تقرّ بأنها تلقت ضربة صعبة في مطلع الحرب وتقليص الضرر وليس السعي لإلحاق الهزيمة بـ “حماس” في حرب طويلة. كما أن الوقت الذي مرّ منذ السابع من أكتوبر يقلل من وطأة وتأثير فظائع “حماس” بعيون العالم، خاصة وهو يطلع على حجم الدمار والقتل في القطاع”.

مقصد واشنطن

والأهم من الموقف الأوروبي هو الموقف الأمريكي، فواشنطن ما زالت تدعم إسرائيل وهدف حربها، وهي معنية بتمديد هدنة، وربما وقف إطلاق نار طويل، لكنها متمسكة بسؤال اليوم التالي بعد الحرب، إضافةً لرغبتها بضمانات إسرائيلية بعدم تهجير المدنيين في جنوب القطاع وتقليص المساس بهم وإدخال ماء وغذاء ودواء لهم، علاوة على رغبتها بعدم اتساع النار لتصبح إقليمية، ورغبة بايدن بالتفرّغ للشؤون الأخرى خاصة الداخلية. وهذا ما دفع مستشار الأمن الأسبق الجنرال في الاحتياط غيورا آيلاند للقول إن “أمريكا تقول لنا: أنا معكم في تحقيق أهداف الحرب، لكن لا يمكن المساس بالمدنيين في جنوب غزة، ولا بد من الإشارة لليوم التالي، وإدخال وقود وغذاء بكمية كافية”، وهذه أمور متناقضة تحمل رسالة بوقف الحرب”.

وربما شملت تصريحات جون كيربي، الناطق بلسان مجلس الأمن القومي، تلميحاً لذلك، بقوله ليلة البارحة إن الولايات المتحدة لا تدعم حملة في الجنوب قبل أن تظهر إسرائيل خطة بعدم تهجير الغزيين هناك، وإن إسرائيل تعلم ذلك.

ويبدو أن زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، غداً، للمنطقة تهدف لمعالجة ما يتعدى الهدنة المؤقتة، خاصة أن بلاده كانت شريكة في هذه الحرب عسكرياً ودبلوماسياً ومالياً، منذ يومها الأول. وهذا ما يدفع محرر صحيفة “هآرتس” ألوف بن للقول، في تحليله، اليوم الأربعاء، إنه بمقدور إسرائيل مواصلة الحرب، فالضغوط الداخلية ليست كبيرة، ولكن أمريكا شريكة في قرار الحرب. موضحاً أن تجديد القتال في غزة، وبالتأكيد مع “حزب الله”، يحتاج لموافقة أو تفهم من واشنطن، لكن نتنياهو يحاول اختبار بايدن وابتزازه من خلال معادلة تقول لبايدن: بيدك فيتو في الأمم المتحدة، وبيدي أنا صديقي إيلون ماسك، مالك شبكة “إكس” واسعة الانتشار والتأثير، وأنت على مسافة شهور من الانتخابات الأمريكية.

مسار خروج

ويشير المحلل العسكري في “هآرتس” هارئيل للتغيير المحتمل في الموقف الأمريكي، فيقول، في مقاله، اليوم، تحت عنوان “مسار خروج” إن حركة “حماس” تلقت ضربة جوهرية في شمال القطاع، وتستغل الهدنة لترتيب أوراقها والتقاط أنفاسها، كما تفعل إسرائيل أيضاً. مرجحاً مواصلة تمديد الهدنة لمزيد من الأيام مقابل الإفراج عن المزيد من المخطوفين. لكنه، هو الآخر، يرى أن وجود دافيد برنياع، رئيس الموساد، ورئيس الـ “سي آي أيه” وليام برنز، مع وزير المخابرات المصرية عباس كامل، وقادة قطر في الدوحة، خلال الأيام الأخيرة، يعني وجود محاولة لحياكة صفقة أكبر.

 ويرجح هارئيل أيضاً أن زيارة بلينكن، غداً، للمنطقة من الممكن أن تعيق استئناف الحرب قليلاً، ولكن خلال أيام إذا لم يحدث تغيير فإن الجيش يستعد للعودة للهجمات العسكرية في الشمال والجنوب داخل القطاع.

أمام مأزق المقاومة الفلسطينية المحاصرة من كل الجهات، بما فيها مصر، وأمام معضلة إسرائيل، يرى رئيس حكومتها الأسبق إيهود براك أن مخرجها منه يكمن بالإطاحة بنتنياهو. في مقال نشرته “هآرتس” بالإنكليزية، أمس، يرى براك أنه لا يمكن الانتصار في حرب دون أن يكون هدفها واضحاً لليوم التالي. لافتاً إلى أن “حماس” ما زالت قوية، ونتنياهو فشل في إدارة الحرب، وأن لا بد من استبداله الآن بحكومة وحدة وطنية واسعة بدون سموتريتش وبن غفير.

وفي هذا المضمار، لا بد من التنبّه لتصريحات قائد جيش الاحتلال هرتسي هليفي، أمس، عن حتمية القيام بخطوات عسكرية في الشمال، كي يعود سكان المستوطنات الشمالية لمنازلهم، فهل هذا يعني انتقال الحرب من غزة إلى لبنان بحثاً عن مخرج، وربما طمعاً باصطياد عصفورين بحجر؟

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى