هكذا يستغل الجيش الإسرائيلي أيام الهدنة للعودة إلى القتال

> «الأيام» القدس العربي:

>  بعد وقف إطلاق النار سيأتي دور الحرب مرة أخرى. على الرغم أن الهدنة مددت لـ 48 ساعة في محاولة لإنقاذ مخطوفين آخرين من أيدي حماس عن طريق المفاوضات، فإن الوقت الذي تبقى لذلك محدود. ربما يكون هناك تمديد آخر حتى نهاية الأسبوع إذا أقنعت حماس إسرائيل أن بإمكانها إعادة عدة مخطوفين آخرين. أمس، نشر عن لقاء استثنائي في الدوحة، عاصمة قطر، بمشاركة رئيس الـ سي.آي.ايه وليام بيرنز، ورئيس الموساد دافيد برنياع ورئيس المخابرات المصرية عباس كامل وشخصيات رفيعة من الدولة المستضيفة. في محاولة لعقد صفقة أكبر. حتى قدوم وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، إلى المنطقة قد يؤخر استئناف العملية البرية الإسرائيلية في القطاع قليلاً. ولكن في غضون بضعة أيام، وإذا لم يحدث تغيير فإن الجيش الإسرائيلي ينوي العودة للمهاجمة في القطاع بكامل القوة، في الشمال والجنوب.

ثار في إسرائيل خلاف واسع على خلفية استعراض سيطرة حماس حول إطلاق سراح المخطوفين. وسعت المنظمة إلى إرسال عشرات الرجال المسلحين كاستعراض، حتى إلى شمال القطاع، لتثبت أن عملية الجيش الإسرائيلي هناك لم تردعها. عملياً، يدور الحديث عن عملية محددة لقوة لها مهمة خاصة. حماس فقدت السيطرة المدنية في الشمال، وتظهر حضوراً عسكرياً محدوداً في أجزاء فيه. وقف إطلاق النار يسمح لها بهامش تنفس ووقت لإعادة التنظيم، ولكن قطبي الحوار – انهيار حماس أمام سيطرتها – لا يمثلان الوضع الحقيقي. ثمة كتائب وفصائل من المنظمة في الشمال، وقد خرجت عن العمل الفعال، بعد أن قتلت القيادة العليا لها المئات من مقاتليها. في المناطق التي مارس فيها الجيش الإسرائيلي قوة برية كثيفة، انسحبت حماس وقللت من القتال وركزت على محاولة قضم ذيل قواتنا. وبدا تدمير البيوت والبنى التحتية والمنشآت العسكرية والسلطوية في شمال القطاع كبيراً جداً.

لكن رئيس حماس، يحيى السنوار، الذي يعيش كما يبدو في جنوب القطاع، لم يفقد السيطرة على ما يحدث. سلسلة قيادته وسيطرته على رجاله ما زالت تعمل في الجنوب، وفي الشمال ولكن بدرجة معينة. ربما نجح في فرض وقف إطلاق نار كامل تقريباً، باستثناء بضع حالات، التي قلل الطرفان الإبلاغ عنها؛ وهو يسيطر بالكامل على إدارة المفاوضات حول المخطوفين وعملية التحرير. لن يكتفي السنوار بتحرير ضئيل للسجناء الفلسطينيين، من النساء والمسنين والقاصرين. ومن اللحظة التي سيطلق فيها المخطوفين من الفئة الحالية التي تم الاتفاق عليها، سيطالب في المرحلة القادمة بمزيد من السجناء الأمنيين مقابل إطلاق سراح الجنود والمدنيين الباقين. يصعب توقع ما إذا كان الجمهور في إسرائيل سيؤيد وقفاً طويلاً لإطلاق النار، الذي تجري فيه مفاوضات كهذه على مدى أشهر، حيث على الأجندة إطلاق سراح آلاف السجناء الأمنيين.

يبدو أنه ما زال هناك في الرأي العام دعم واسع لاستئناف العملية العسكرية وضرب قدرات حماس. مشاهد القتل في 7 تشرين الأول لم تغادر الإسرائيليين. يمكن التقدير بأن معظمهم يعتقدون أن الحل الوحيد هو تدمير حكم حماس في القطاع. وثمة موضوع سياسي. فإذا قرر رئيس الحكومة نتنياهو وقف الهجوم العسكري، فمن المرجح أن تنهار حكومته، وهي إشارة لاستئناف الاحتجاج ضده، الذي توقف في بداية الحرب، رغم مسؤوليته الرئيسية عن الفشل. في المقابل، ستجد إسرائيل صعوبة أكبر في توضيح موقفها في الساحة الدولية. لقد فتح مسار خروج من الحرب، كما ترى حكومات أوروبية: هدن يتم تمديدها، ويتم إجراء مفاوضات حول المخطوفين خلالها.

حسب هذه المقاربة، على إسرائيل الاعتراف بتلقيها ضربة شديدة في بداية الحرب، وتقليص الأضرار، وألا تسعى إلى هزيمة حماس في حرب طويلة، بصورة قد تؤدي إلى كارثة إنسانية قاسية – تفشي الأمراض، والجوع والعطش وتجمع مئات الآلاف بدون مأوى. الاستمرار في إطلاق سراح النساء والأطفال يدل على وجود من نتحدث معه في حماس. والوقت الذي مر منذ المذبحة يقلل من تأثير الأعمال الفظيعة في العالم، خاصة بعد الكشف عن حجم الدمار والقتل الذي تسببت به المعارك في غزة.

هذه ليست مقاربة الرئيس الأمريكي بايدن، الذي يواصل دعمه لاستئناف العملية العسكرية الإسرائيلية، من اللحظة التي ستوقف فيها حماس إعادة المخطوفين. ولكن بايدن يؤكد على طلباته، وهي الحذر في أوساط المدنيين (بالأساس في جنوب القطاع المكتظ والغارق باللاجئين)، وتجنب الاحتلال الشامل للقطاع، وتجنب الحرب مع “حزب الله” في لبنان. لدى الولايات المتحدة وسائل ضغط على صورة التصويت في مجلس الأمن وحتى إبطاء المساعدات العسكرية المطلوبة بإلحاح، أو تأخير آخر للمصادقة على رزمة المساعدات الخاصة في الكونغرس التي تبلغ 14 مليار دولار. حتى الآن، لم تستخدم الإدارة الأمريكية هذه الوسائل، لكن إسرائيل تعرف أن خلافاً صارخاً قد يكون له تداعيات أيضاً.

ستقف مسألة لبنان في الخلفية. فالمواجهة بين إسرائيل و”حزب الله” هي الأكثر شدة منذ الحرب الأخيرة في 2006، وفي الوقت الذي تم فيه إخلاء عشرات آلاف الإسرائيليين من البلدات قرب الجدار في الشمال، بدأ الشيعة في قرى جنوب لبنان بالعودة إلى بيوتهم. هذا يضع حسن نصر الله أمام معضلة: هل يستأنف القتال على الحدود في الوقت الذي يعود فيه الجيش الإسرائيلي إلى العمل في القطاع؟ على المدى الأبعد، ستواجه إسرائيل مسألة استراتيجية كبيرة: كيف ستبعد “قوة الرضوان” التابعة لـ ”حزب الله” عن الجدار لفترة طويلة، وكيف ستقنع سكان الحدود الشمالية بأنهم سيكونون في أمان في بيوتهم مرة أخرى؟

احتكاك قريب

سيكون في إسرائيل تخبط حول طبيعة وحجم العملية في جنوب القطاع، حيث تضاعف عدد المدنيين بفرض الجيش الإسرائيلي الانتقال إلى هناك. هذا القرار، الذي سيتم اتخاذه كما يبدو خلال بضعة أيام، سيكون أحد القرارات الحاسمة والهامة خلال الحرب. يعتقد الجيش أن قيامها بعملية مركزة في الجنوب لبضعة أسابيع ستوصل إلى النتائج المطلوبة: المس الشديد بقدرات حماس العسكرية، وقتل قيادتها العليا. كالعادة يتعلق السؤال بالوقت والثمن – مصابون إسرائيليون وأزمة إنسانية فلسطينية وتورط دولي. ربما يواصل السنوار الضغط على العصب المكشوف المتمثل بالمخطوفين، ولكن قدرات حماس العسكرية التي بقيت لها هي في الأساس في الدفاع وضرب القوات المهاجمة؛ فقدراتها الصاروخية تضررت بشكل كبير، أما ما يتعلق بمركز البلاد فالحديث يدور عن إزعاج أكثر منه صليات متواترة.

يستغل الجيش الإسرائيلي فترة الهدنة لتنشيط القوات وإعادة التنظيم. وهناك جهد واسع لترميم وإصلاح الدبابات وحاملات الجنود والجرافات، التي عملت باستمرار في الأسابيع الأخيرة. عدد كبير من هذه الوسائل أصيب بصواريخ الـ “آر.بي.جي”، لكن الإصابات كانت بسيطة على الأغلب، ومنظومة “معطف الريح” وفرت حماية كبيرة للقوات (الاستثناء البارز هو ناقلة الجنود “النمر” من لواء “جفعاتي” التي قتل 11 من ركابها بإطلاق صاروخ. في الوقت نفسه، يوزع الجيش احتياطياً جديداً من التموين والتسليح للوحدات ويحاول المساعدة في مناعة الجنود النفسية، الذين مروا في معظمهم في تجارب الحرب بكثافة غير مسبوقة منذ عشرات السنين. في تلخيص أولي لمرحلة القتال البري حتى الآن، الذي تجريه قيادة المنطقة الجنوبية والفرق المشاركة في العملية هذا الأسبوع، تم طرح عدة نقاط مهمة: أولاً، أساس الإنجاز، والمس بالمخربين وبالبنى التحتية، تم تحقيقه ولكن ليس بالهجوم الأولي لحماس، بل في مرحلة تطهير المنطقة من المقاومة. قادة الألوية والكتائب لا يقلقهم خطر المراوحة في المكان، بل يقولون إنه كلما أعطوا وقتاً للعمل فسيعثرون على مزيد من الوسائل القتالية والمعلومات في الميدان. وثمة استنتاج آخر يتعلق بالعمل المندمج والمتلاصق بين القوات البرية وسلاح الجو، والتحسن في ذلك وفر حماية أكبر للجنود والحصول على المعلومات نتيجة الاحتكاك عن قرب مع العدو.

يثني الجيش الإسرائيلي على عمل الوحدات الخاصة، التي وُضعت هذه المرة على رأس عملية القوات، ولم تستبعد إلى هامش القتال، كما حدث في الحروب السابقة. وهناك نقطة أخرى، وهي أن سلاح المشاة يعمل بشكل أفضل إذا كان بمحاذاة الدبابات، حيث يسمحون لسلاح المشاة بالحركة خارج ناقلات الجنود المدرعة المتوفرة لديه والعمل بحرية. والضغط المستمر على حماس في الواقع لم يحقق حتى الآن استسلاماً جماعياً للمسلحين، لكن هناك حالات كثيرة تم فيها اعتقال مخربين يؤدي التحقيق معهم للحصول على معلومات حيوية للقوات في الميدان.

في بند العيوب، أشير إلى نقطة رئيسية حاسمة أثير حولها قلق منذ بداية العملية البري؛ فالاكتظاظ الشديد للقوات العاملة في منطقة مأهولة أدى إلى عدد كبير من حوادث إطلاق النار المتبادل، لكن عدداً كبيراً نسبياً من القتلى والمصابين أصيبوا، حسب التحقيقات الأولية، جراء “نار صديقة” بين الوحدات المختلفة أو بين قوات ثانوية داخل طواقم القتال اللوائية. وقتل جنود آخرون نتيجة حوادث عملياتية وغيرها. هذا يرتبط بمشكلة أخرى تتطور كلما استمر القتال، وهي تآكل الانضباط العملياتي، لا سيما في الجبهة الداخلية أثناء الحرب، بما في ذلك داخل القطاع، حيث الجنود في حالة دفاع في معسكرات مؤقتة، ويتم القيام بالعمل اللوجستي. مستوى الاستعداد والانضباط في هذه الأماكن غير مرتفع، ورئيس الأركان هرتسي هليفي أصدر تعليمات للقادة باستغلال الهدنة في محاولة لفرض النظام. وثمة ظاهرة أخرى منتشرة، مرتبطة بذلك، تتعلق بسيل زيارات للمدنيين غير المشاركين في القتال والذين يستغلون العلاقات والنفوذ للمجيء إلى القطاع وسلب الاهتمام من الجنود.

عاموس هرئيل

 هآرتس

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى