> "الأيام" العرب:

​تعمل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن على إعادة هيكلة السلطة الفلسطينية لتكون قادرة على إدارة قطاع غزة في مرحلة ما بعد الحرب، التي تراهن إسرائيل والولايات المتحدة خلالها على هَزْم حماس.

يأتي هذا فيما يتساءل مراقبون عن واقعية الخطة الأميركية القائمة على إعادة تشكيل سلطة معزولة فلسطينيّا وعاجزة عن لعب دور صعب تريد من خلاله واشنطن اجتثاث حماس أمنيا وسياسيا بعد هزْمِها عسكريا في الحرب.

ويبدو رهان واشنطن على تفكيك حماس بأيادي السلطة الفلسطينية غير واقعي لاعتبارات، منها أن إسرائيل لا تثق في سلطة الرئيس محمود عباس وترفض مطلقا تسليمه حكم غزة بسبب صمته عن إدانة هجوم السابع من أكتوبر الماضي الذي نفذته حماس على بلدات ومدن إسرائيلية في غلاف غزة.

وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الشهر الماضي رفض إسرائيل عودة السلطة الفلسطينية مجددا إلى إدارة قطاع غزة بعد الحرب. وقال نتنياهو إنه “لا يمكن أن تكون هناك سلطة (في غزة) لم يدن رئيسها (عباس) مذبحة 7 أكتوبر”، في إشارة إلى هجوم حماس.

وقال عباس الجمعة إن السلطة الفلسطينية لا تزال حاضرة في غزة كمؤسسة، ولا تزال تدفع رواتب ونفقات شهرية تقدر بنحو 140 مليون دولار للموظفين والمتقاعدين والأسر المحتاجة. وأضاف أن السلطة الفلسطينية لا يزال لديها ثلاثة وزراء موجودون في غزة. وتابع في مقابلة مع رويترز “نحن بحاجة إلى إعادة تأهيل السلطة وبحاجة إلى دعم دولي كبير” للعودة إلى القطاع.

وهناك مشكلة واقعية تمنع السلطة الفلسطينية من قبول فكرة تفكيك حماس، فهي ترى نفسها في حالة ضعف، لذلك تقترح إدماج حماس في حكم غزة على أن تكون طرفا ثانويا، وهي تخريجة ستفيد حماس أكثر مما تضرها، وستمثل مخرجا أمامها لإعادة الإعمار ودخول الأموال وكسر الحصار ولو جزئيا بما يتيح إصلاح أخطائها التي ارتُكِبت منذ 2007.

وتوفر الصيغة التي اقترحها رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية – وتقضي بأن تصبح حماس شريكا أصغر، في إطار منظمة التحرير الفلسطينية- الفرصة أمام حماس لإعادة ترتيب البيت الداخلي وتصعيد قيادات جديدة خلفا لمن صفتهم أو اعتقلتهم إسرائيل، والأهم أنها ستعيد تسليح نفسها وتقوية ذراعها العسكرية كتائب القسام مستفيدة من غطاء سلطة ضعيفة لا تقدر على مواجهتها.

وفي حديثه لوكالة بلومبرغ قال رئيس الوزراء الفلسطيني “إذا كانوا (قادة حماس) مستعدين للتوصل إلى اتفاق وقبول البرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، عندئذ سيكون هناك مجال للحديث. لا يتعين تقسيم الفلسطينيين”.

ولا يبدو كلام اشتية جزءا من مناورة سياسية للإيحاء بأن السلطة تقف ضد هزْم حماس وتفكيكها، وهو أقرب إلى التعبير عن محدودية الإمكانيات وضعف المقبولية شعبيا لدى سكان غزة، خاصة أن سلطة عباس تخلت عنهم لسنوات طويلة وتركت مصيرهم بيد حماس، بل وتخلت عنهم وهي ترى إسرائيل تقصفهم مكتفية بالبيانات والتصريحات الصحفية.

ولا يُعرف ما إذا كانت إعادة هيكلة السلطة التي تعمل عليها الولايات المتحدة ستتضمن تغييرات فعلية على مستوى القيادة، أم أنها تقوم على خطوات إجرائية محدودة، وما إذا كانت ستحافظ على بقاء عباس في الواجهة وتتحدى فيتو نتنياهو. وإذا كانت تفكر في تغييره فكيف سيتم ذلك؟ وهل ستدفع إلى إجراء الانتخابات التي كان رئيس السلطة الفلسطينية قد أجّلها إلى أجل غير مسمى لتأمين بقائه وقتا أطول على كرسي الحكم؟

وسيكون الموقف الأميركي بشأن توقيت إنهاء الحرب محددا في البحث عن بدائل فلسطينية لخلافة حماس في غزة مع الأخذ بعين الاعتبار ضعف شعبية الرئيس عباس ومنظمة التحرير، فيما يحتفظ تيار قوي داخل حركة فتح بوجوده ومصداقيته في الشارع، ويتمثل في التيار الإصلاحي الذي يقوده محمد دحلان، ويمكن أن يلعب دورا أكثر مقبولية فلسطينيا وإقليميا مقابل أن ترفع إسرائيل يدها عن القطاع وتسمح بلقاءات حوار ومصالحة فلسطينية – فلسطينية تشمل القطاع والضفة الغربية لتسهل إدارة المرحلة المقبلة.

وذكر اشتية أن مسؤولين أميركيين قد زاروه في وقت سابق هذا الأسبوع لبحث خطة ما بعد الحرب في غزة. واتفق الجانبان على أن إسرائيل لا يتعين أن تعيد احتلال غزة أو تقليص أراضيها لإقامة منطقة عازلة أو طرد الفلسطينيين.

وفي سياق التحركات لإعادة تأهيل السلطة للمرحلة القادمة، كشفت مجلة “التايم” أن بريطانيا أرسلت فريقا عسكريا إلى الضفة الغربية لمساعدة السلطة الفلسطينية على تولي إدارة قطاع غزة.

وقال وزير الدفاع البريطاني غرانت شابس للمجلة الخميس “ينبغي أن تتولى (السلطة) المسؤولية بعد الحرب في محاولة لتحسين حياة الجانبين”. وأكد شابس أن “فريق الدعم البريطاني متواجد على الأرض في رام الله منذ أكثر من عقد، وتتطلع لندن إلى تعزيز قدرته على مساعدة السلطة الفلسطينية”، فيما أشارت المجلة إلى أن فريق الدعم صغير نسبيا وهو يعمل مع آخرين من الولايات المتحدة وكندا.

وأجرى شابس زيارة إلى رام الله الخميس (الأولى لوزير دفاع بريطاني منذ أكثر من عشر سنوات) حيث التقى بفريق الدعم البريطاني، وبوزير الداخلية الفلسطيني زياد هب الريح.

وقال “أحد أسباب ذهابنا إلى رام الله للتحدث مع السلطة الفلسطينية هو فهم قدراتها وإمكاناتها. أحد الأشياء التي سننجزها هو التحدث مع الفريق البريطاني الذي يساعد في بناء تلك القدرة جنبا إلى جنب مع الأميركيين”.

وأضاف شابس أن “الحل من المرجح أن يكون في سلطة فلسطينية تحتاج إلى أن تكون قادرة على مستوى من التحكم، وهو ما يتطلب قدرا هائلا من المساعدات والدعم الدوليين ونحن لم نصل إلى ذلك بعد. علينا أن نستخدم الأزمة المروعة لتحسين أمن الإسرائيليين وحياة الفلسطينيين وسبل عيشهم. ويمكن ذلك من خلال تحالف دولي تقوده الدول العربية، وإعادة الإعمار في غزة".

وكانت الحكومة الإسرائيلية على لسان رئيسها بنيامين نتنياهو قد أكدت أن على "إسرائيل الاحتفاظ بالسيطرة الأمنية في غزة بعد الحرب". وكشف شابس للمجلة أنه ناقش هذا الأمر مع وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن خلال زيارته الأخيرة إلى الولايات المتحدة.