> فاطمة جونسون:
"نرى أن التجربة الهندوسية في عدن تتشابك تمامًا مع تاريخها بطرق متشعبة وأحيانًا غير متوقعة. في لحظة ما عام 1840، كان الهندوس يعملون بجوار المسلمين كرجال شرطة في عدن وكانوا مسؤولين عن الحفاظ على القانون والنظام".
في آن واحد، يتم الشدو بالأغاني وإقامة الصلوات وأداء الحج من أجل الإله الهندوسي أيابان و"الولي" العربي المسلم فافار. يحدث ذلك بالفعل من الناحية العقائدية والممارسة الفعلية.
إن قصة أيابان وفافار تخلق إمكانية أن يرقصا معًا في سلاسة. إنهما حليفان يسكنان مساحة كونية وأرضية. هذا الأمر يحدث في دولة الهند.
في ولاية كيرالا الجنوبية، على ساحل مالابار، يوجد معبد (ماندير في اللغة السنسكريتية تعني 'ما زال يكترث) مكرس للإله أيابان تحت مسمى "ساباريمالا" يحج إليه نحو 15 مليون شخص سنويًا. ويقع المعبد على ارتفاع يتجاوز 4000 قدم فوق مستوى سطح البحر، وتحيطه غابات تمثل موطنًا للنمور والفيلة. في الطريق إلى المعبد يوجد مسجد فافار. عند وصولهم إلى المسجد، يقوم الحجاج- عراة الصدر الذين يضعون الخرز حول أعناقهم والرماد على جباههم- بالطواف حول المسجد ويهتفون باسم فافار وأيابان. يدخل الحجاج المسجد أيضًا لمواصلة ممارساتهم التعبدية.
يحدث هذا حتى في أوقات تأدية الصلوات الإسلامية الخمس الشائعة في معظم طوائف الإسلام بموافقة تامة من المصلين وإدارة المسجد (جماعة ماهالا الإسلامية). ويقام مهرجان سنوي للاحتفاء بهذه المناسبات تشارك فيه فيلة مزينة. لقد كانت الوحدة بين الهندوس والمسلمين ملمحًا حياتيًا ملموسًا جدًا في عدن بجنوب اليمن. في عام 1865، تم تشييد معبد شري هنگراج ماتجي مندير في وادي الخساف بمنطقة كريتر في عدن. السفير الهندي السابق لدى اليمن، ذو الجذور الحضرمية، قال إن ممارسة طقوس بوجا (كلمة سنسكريتية تعني الحب الإلهي حيث يتم التعبير عنها بأشكال متنوعة مثل تقديم قرابين من الزهور إلى الرب) إلى الإله أيابان كانت تحدث هناك ذات يوم.
تمتد مظاهر الاحترام والنضج بين الهندوس والمسلمين المتعلقة بأيابان وفافار منذ حوالي 500 عام في الهند. في عدن، عام 2015، قام أنصار الله (الذين يشتهرون باسم الحوثيين)، والذين غزو جنوب اليمن شهورًا عديدة، بإظهار مشاعر الاحتقار والتسفيه تجاه العادات المتعلقة بأيابان وفافار حينما حطموا معبد عبد شري هنگراج ماتجي مندير. باعتبارهم ميليشيا دينية متعطشة للسلطة حاربت منذ عام 2004 للمشاركة في حكومة اليمن تحت قيادة الراحل بدر الدين الحوثي، قام أنصار الله بارتكاب إبادة جماعية ثقافية في واحدة من تكتيكاتهم العديدة في سياق سعيهم لتحقيق أهدافهم المتغيرة والمعقدة. وبينما لم يصرح الحوثيون علنًا برغبتهم في فرض الزيدية (طائفة إسلامية)، فإن ما فعلوه ضد المعبد الهندوسي يحمل هدفًا لاحقًا يرتبط بهذا الإجبار. من خلال محو المعبد الهندوسي تزامنا مع تواجدهم في عدن، أراد الحوثيون تعزيز إمكانية كونهم بديلًا جادًا يملأ الفراغ في المشهد الأكبر اليمني السياسي والديني. بعبارة أخرى، كان الهجوم المخزي بمثابة جريمة مفيدة بالنسبة لهم.
بينما يحاول أنصار الله طمس التراث الهندوسي في عدن، فإن دراسة هذا الإرث تكشف كم هو مركب وعميق. باختصار، يستحق هذا التراث الهندوسي أن يكون معروفًا مثل القصص الأخرى عن عدن. ليس صحيحًا أن عدن تعاني من ندرة أو بساطة فيما يتعلق بإرثها الثقافي. على العكس، إنها ثرية بهذا الوزن من التاريخ المعقد متعدد الأوجه لا يمكن أن نسمح بالحط من قدره. منذ العصور القديمة إلى القرن الخامس عشر الميلادي، هاجر تجار هندوس إلى عدن بأعداد كبيرة وأسسوا مستوطنات تجارية ساهمت في الثورة الهائلة لعدن في هذه الفترة الشاسعة.
لقد تم توثيق ذلك من خلال المؤرخ اليوناني "أجاثارشيدس" من مدينة كنيدوس القديمة في القرن الثاني قبل الميلاد، بالإضافة إلى البلاذري من بغداد في عام 890 والمؤرخ الأمازيجي الشهير ابن بطوطة عام 1340. لقد كان هناك نظام مستقر من التجارة والهجرة بين عدن والهند على مدار نحو 1700 عام. لم يقطع ذلك سوى مكائد الإمبراطورية البرتغالية في أواخر القرن الخامس عشر(1498) والتي سعت إلى أن تحل محل هذه المنظومة. ربما يتم نسيان البصمة الهندوسية في عدن بسهولة لأن هؤلاء التجار الهندوس لم يسعوا إلى ترك بصمتهم هناك عبر إحداث تغيير عرقي أو ديني في عدن.
لم تكن عدن أبدًا منطقة هندوسية كما هو الحال في إندونيسيا بالرغم من التواجد الهندوسي هناك على مدار يناهز ألفي عام. لقد كان النشاط التجاري الهندوسي في عدن تجاريًا صرف دون أي محاولة أو اهتمام استعماري.
استمرت الجاليات التجارية الهندوسية في لعب دور مهم في تاريخ عدن وازدهارها بعد المحاولة البرتغالية الفاشلة بضم عدن داخل امبراطوريتهم في أوائل القرن السادس عشر. في كتابه "المياه الآسيوية – مياه المحيطات من اليمن إلى يوكوهاما"، قال إريك تاجلياكوزو إن التجار الهنود (في الحقيقة كل من الهندوس والمسلمين) إلى جانب أطراف أخرى سهلوا بشكل مباشر السلطة الأوروبية العامة على منطقة جنوب شرق آسيا والمحيط الهندي وشرق إفريقيا.
يصف تاجلياكوزو ما شكله النشاط الهندوسي التجاري (وممارسات آخرين) بـ "دوائر" من السفر والحركة والكائنات الحية واللغات والتكنولوجيا والأفكار، بالإضافة إلى تدفق بشري بين موانئ متآزرة تتضمن عدن وبومباي وسنغافورة إلى بوسان في كوريا.. إلخ. يشدد تاجلياكوزو أيضًا على أن هذا الاتحاد بين المحيطين لهندي والهادي يؤثر بعمق على الأسلوب الذي يرى به الناس العالم اليوم.
صورة حديثة للمعبد الهندوسي في عدن
ساعدت الطرق التجارية البحرية بين عدن وطوكيو في تحديد معايير ما نفكر به باعتباره حقائقنا اليومية المعاصرة. لقد تدفقت القهوة من رحم هذه الشبكات، حيث يعزى أصلها إلى إثيوبيا لكنها نمت وتم تصديرها في نهاية المطاف بواسطة اليمنيين عبر ممر البحر الأحمر حتى استطاعت حبوب القهوة الوصول حرفيًا إلى كل مكان تستطيع الطرق التجارية أن تأخذها إليه.
من النادر أن تجد تبريرًا يستطيع تفسير التقليل من الأهمية الاستراتيجية لعدن في العالم. المؤرخ والبروفيسور جاياتي جوبتا قام بتوثيق كيف كان الممر العظيم "جراند تور" من الهند إلى بريطانيا عبر التقاطع البحري لميناء عدن، والذي أصبح متاحًا في أواخر القرن التاسع عشر بسبب انتشار التعليم الإنجليزي، شديد الأهمية في تطوير الحقبة الحديثة للمواطنة العالمية وكذلك الحركة المناهضة للاستعمار في القرن العشرين. مع أواخر القرن التاسع عشر، أصبحت "موضة" بالنسبة للهنود الهندوس الأثرياء أصحاب التعليم الرفيع- الذين اشتهروا باسم "بابو" أو "بهادرالوك"- السفر في أنحاء العالم ومشاهدة وتأليف كتب سفر عن بريطانيا وأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية واليابان.. إلخ، بعناوين براقة مثل "جولة حول العالم"(1890) و "اسكتشات لجولة حول العالم"(1884). ساعد هذا التطبيع المتعلق بالسفر في بلاد أجنبية على تقويض الحظر الذي فرضه قانون هندوسي "دارما شاسترا" والذي اعتبر مثل هذه الممارسات بمثابة "رجس".
ومهد هذا الطريق للتفكير المعاصر المدني ليتحول إلى عادة. في كتاب "يوميات من إنجلترا"(1958)، تناول المؤلف شيفانث شاستري كيف أشعلت تصوراته المتغيرة عن العالم معتقداته عن الدين والقومية. منذ وقت طويل يعود إلى عام 1884، قام مثقفون هندوس- مثل بروتاب شوندر موزومدار- والذين مروا عبر عدن كجزء من جولاتهم العالمية، بالكتابة حول الجمع بين الشرق والغرب من خلال اللغة والدين والفلسفة، وأن هذه الجهود استلزمت التحلي بالعالمية في المظهر والممارسة. من المذهل كيف تستطيع تلك المشاعر أن تجد مكانًا بسهولة حتى في فهمنا عن العالم في قرننا الواحد والعشرين.
صورة حديثة للمعبد في عدن
بالرغم من ذلك، لم تكن تجربة الهندوس في عدن دائمًا كبيرة ومستنيرة وفقًا للتفصيلات المذكورة أعلاه. العديد من أصول العدنيين المعاصرين تعود إلى الهند كما أن عدن في الحقيقة مكان أكثر جمالًا. ولكن ربما ما هو أقل شهرة هو كيف اكتسبت عدن جزئيًا بعضًا من جمالها، وأن العديد من الهنود، وخاصة الهندوس، قد تم تقديمهم في الواقع إلى عدن كجزء من "تجربة" نفذتها حكومة بومباي. حوالي عام 1839، قدم الكابتن ستافورد بيتسوورث هاينز من البحرية الملكية البريطانية، والذي كان أول وكيل سياسي لعدن بعد انضمامها إلى الإمبراطورية البريطانية، بتقديم طلب لإرسال سجناء هندوس إلى عدن لأغراض تتعلق بإنشاء البنية التحتية لعدن.
وتم استخدام هؤلاء السجناء لبناء طرق ومبانٍ عامة وتحصينات وخزانات.. إلخ. ولم يتم إرسال السجناء الهندوس إلى عدن حتى انتهت مناقشة أجرتها حكومة بومباي، القائم بأعمال المحامي العام والمشرف على شرطة بومباي، إلى قانونية مثل هذا الانتقال. في عام 1718، تم تفعيل "قانون المجرمين" في إنجلترا والذي سمح بنقل الرجال والنساء والأطفال كعقوبة جنائية لمدة 7 أعوام لهؤلاء الذين تمت إدانتهم في جرائم سرقة، حتى السرقة البسيطة.
في المملكة المتحدة اليوم، نقل السجناء كعقاب يرتبط في التفكير الجمعي الشعبي بقصة الهجرة من الدولة الأم، إنجلترا، إلى أستراليا. وبالمقابل، فإن الممارسات المشابهة بين المراكز الاستعمارية البريطانية مثل مدينة بومباي وعدن تبدو ملتبسة في بريطانيا. في أكتوبر 1841، أصدرت حكومة بومباي تعليمات لإرسال سجناء هندوس إلى عدن. وعلاوة على ذلك، صدرت إرشادات تتعلق بماهية الملابس والطعام الذي ينبغي إعطاؤها لهم. مثل هذه المعلومات المتعلقة بحقيقة تاريخ عدن قد يجعل المرء يتساءل ماذا حدث لهؤلاء السجناء الهندوس، إذا ما كانوا ماتوا في عدن أو نال بعضهم حريتهم بعد فترة من الوقت واختاروا البقاء في عدن، أو أرسلوا إلى مستعمرة بريطانية أخرى لمزيد من العقاب. لا عجب أن سجل "شؤون عدن" جزء من مجلد يحمل اسم " الرسائل السرية من بومباي، 29 سبتمبر-29 أكتوبر 1841 ".
مثال الجالية الميمونية في عدن التاريخية ينذر بخطر شديد يتعلق باستمرار اللامبالاة حول حقيقة تاريخ جنوب اليمن. هذا النقص في الإدراك وعدم التفكير يجعل من السهل لمنظمة مثل الحوثيين هدم مبانٍ مثل معبد شري هنگراج ماتجي مندير. أثناء هجوم عام 2015، تم تدمير التحف الأثرية والتماثيل بالمتحف، ولُطخت جدرانه بشعارات كراهية، وسُرقت أدواته، وقام الحوثيون بتشجيع الناس على الانضمام إلى هذه الممارسات الإجرامية من خلال ادعاءاتهم أن هذا المعبد هدف مشروع. علاوة على ذلك، قام الحوثيون بطرد 3 آلاف هندوسي من عدن. ويؤمن الحوثيون أن لديهم حق إلهي في حكم اليمن انطلاقًا من صلتهم بجماعة الهاشميين القبلية (التي ينتمي لها النبي محمد) واستعادة الإمامة التي أطيح بها في شمال اليمن عام 1962. تقوم الدول المبنية على أساس ديني (الثيوقراطية) بخلق مواطنين درجة ثانية وفرض قيود على الحريات الدينية بالإضافة إلى إنشاء اتجاه يعطي رخصة مجانية لاضطهاد الأقليات. إن تدمير معبد شري هنگراج ماتجي مندير كان حتميا بموجب علم الأفكار الفاشية التي يتبعها الحوثيون. ومع ذلك، فإن نظرة أقرب إلى تاريخ جنوب اليمن تكشف أن المنطقة مدينة لمجموعة من المسلمين الهنود يعرفون باسم شعب الميمون. لقد كانوا جميعهم هندوس اعتنقوا الإسلام. لقد نشطوا في إعادة بناء المساجد والمقابر في عدن وهو ما استلزم استثمارات رأس مال كبيرة. وعلاوة على ذلك، ساهمت الجالية الميمونية في إدارة المساجد والمقابر المذكورة.
"سوث24".