بلينكن: حولتنا غزة إلى شرطة محلية لدى إسرائيل وبتنا الأحوج إلى صورة نصر

> "الأيام" وكالات:

>
​كتب مدير مركز الخليج للأبحاث، د. عبد العزيز بن صقر، مقالاً نشرته أمس صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية، قال فيه: "على الولايات المتحدة معالجة المرض وليس الأعراض”، عندما تطرق للحرب في القطاع. “يكمن المرض في عدم حل القضية الفلسطينية، حل يستند إلى قاعدة سلام شامل كما تم عرضته المبادرة العربية”.

وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، المتوقع وصوله اليوم إلى إسرائيل بعد زيارة تركيا والأردن وقطر والإمارات، ومنها إلى السعودية ومصر، لا يحتاج إلى هذه النصيحة الجيدة، حيث إنه خرج لجولته هذه كمبعوث للرئيس الأمريكي بايدن في محاولة للدفع قدماً بحل الدولتين، كما صاغ ذلك الرئيس في مقال نشره في “واشنطن بوست” في تشرين الثاني الماضي.

لكن قبل تحقيق هذا الحلم الرائع الذي سيجلب السلام العالمي، على بلينكن أن يمر بمسار مليء بالعوائق، الذي هو في هذه الأثناء غير قابل للاجتياز.

في كل مكان هبط فيه حتى الآن، سمع بلينكن نفس الرسالة تقريباً؛ أن على الولايات المتحدة الضغط على إسرائيل لوقف إطلاق النار، ليس وقفاً مؤقتاً إنسانياً أو وقفاً يستهدف إجراء صفقة تبادل للمخطوفين والأسرى، بل وقف كامل لإطلاق نار تبدأ في أعقابه مفاوضات سياسية. ولكن يبدو أن هذا المسار، الذي حوله اتفاق بين زعماء الدول العربية وتركيا، يتضمن علامات استفهام لا إجابة لهؤلاء الزعماء عليها. مفاوضات مع من وعلى ماذا؟

أوضح بلينكن للرئيس التركي أردوغان، بأن حماس “إلى الخارج”. هذه منظمة لن يكون لها دور، سواء في المفاوضات السياسية أو في حل “اليوم التالي”. ولكنه عرض على أردوغان المشاركة في دعم جسم فلسطيني آخر يوافق على تحمل المسؤولية عن إدارة قطاع غزة. وحسب دبلوماسي تركي تحدث مع “هآرتس”، طلب بلينكن من أردوغان إبعاد أعضاء حماس الذين هم في تركيا، وأن يقيم علاقات وطيدة مع السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس، وحتى إنه فحص ما إذا كانت تركيا مستعدة لتكون جزءاً من تحالف الدول التي ستعمل على إعادة إعمار غزة بعد الحرب.

 حسب المصدر التركي، تساءل أردوغان إذا كان في جيب بلينكن موافقة إسرائيلية على جسم فلسطيني معين، يدير القطاع. وإذا كان الجواب لا، فماذا تنوي واشنطن فعله كي تفرض على إسرائيل الموافقة على إدارة فلسطينية لغزة. كان هذا سؤالاً يشبه السؤال الذي سمعه بلينكن من نظيره الأردني أيمن الصفدي، وبعد ذلك الملك عبد الله الثاني، وهو الزعيم العربي الأكثر قلقاً في هذه الأثناء، والذي كرس الكثير من وقته للتحدث عن الوضع في الضفة الغربية، والخشية من طموح إسرائيل إلى ترحيل الفلسطينيين إلى الأردن.

حتى قبل عقد اللقاء بين بلينكن وزعماء قطر والإمارات والسعودية ومصر، يمكن التقدير أن هذا السؤال سيقف في مركز المحادثات في اللقاءات. لأنه حتى لو أراد زعماء هذه الدول، لكن هم لا يريدون، المشاركة في إدارة غزة أو الاستثمار في إعادة الإعمار، قبل التوصل إلى موافقة إسرائيل على الطريقة التي ستدار بها غزة، وما دامت الولايات المتحدة لا تستطيع أو لا تريد استخدام الضغط على إسرائيل، فليس هناك ما يمكن التحدث بشأنه.

في ظل غياب التعاون مع الحكومة الإسرائيلية حول الحكم المستقبلي في غزة، وحقيقة أن هذه الحكومة ترفض النقاش في الأمر، فيمكن لواشنطن على الأكثر إدارة سياسة إطفاء الحرائق. وقد أرسلت مع أصدقائها في المنطقة تحذيرات، وحتى تهديدات، لإيران كي لا تسمح للمواجهة بين إسرائيل و”حزب الله” بالتدهور إلى حرب شاملة، وهي تستخدم قوة محسوبة، بالأساس قوة رد، أمام الحوثيين في البحر الأحمر، قامت بلي ذراع إسرائيل كي تسمح الأخيرة بإدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع بحجم أكبر، الذي ما زال بعيداً عن توفير احتياجات 2 مليون شخص من المهجرين في القطاع، وهي تطلب من إسرائيل العمل “بجدية” ضد المستوطنين الذين يتعرضون للفلسطينيين في الضفة الغربية.

 النتيجة أن الدولة العظمى الأقوى في العالم تعمل كشرطي محلي يعالج كل قطاع على حدة، لبنان، غزة، والبحر الأحمر، بدلاً من مواجهة المهمة الاستراتيجية التي يمكنها ويجب عليها القيام بها. لذلك، ثمة تداعيات خطيرة: أولاً، التسبب بوجود شعور لدى إسرائيل من غياب إلحاحية التخطيط لمرحلة ما بعد الحرب، ولو ظاهرياً، كما أنها تبعد الحاجة لتحديد ما الذي سيعتبر إنجازاً لأهداف الحرب، ليس فقط كشعار مثل “تصفية حماس” و”إزالة التهديد الأمني الذي يواجه سكان الغلاف” أو إعادة المخطوفين، الهدف الذي يبدو الآن بعيداً جداً، من ناحية الدول العربية التي تريد التجند لتطبيق الحل، فالولايات المتحدة تعطي إسرائيل تصريحاً بإدارة وضع ثابت من الحرب التي تراكم تهديداً آخذاً في الازدياد، والذي يجبي منها أثماناً اقتصادية كبيرة، إضافة إلى الخوف من انفجار مدني من قد يضعضع استقرار الأنظمة فيها.

 ثانياً، مكانة الولايات المتحدة في المنطقة. في المقال، حذر ابن صقر من أنه “يجب على واشنطن الاعتراف بأنها ليست هي اللاعب الوحيد في المنطقة، وأن مصالحها لا تقتصر على أمن إسرائيل. وعليها الحفاظ على علاقاتها مع السعودية ودول الخليج في إطار المصالح المشتركة والشراكة المجدية. وعليها معرفة أن دول المنطقة تعرف مصالحها، وتستطيع الدفاع عنها، ويمكنها العمل بالتعاون مع كل القوى في العالم”.

 ابن صقر، الذي يعكس موقف القيادة في السعودية، أوضح بأن دولاً أخرى مثل الصين وروسيا وإيران تشارك في المنافسة الإقليمية، وكل منها تسعى لترسيخ وتعميق مكانتها الاستراتيجية في المنطقة. وأوضحت السعودية من قبل، أن الولايات المتحدة ليس لها الحصرية على شبكة العلاقات بين الدولتين. الصين التي توسطت بين الرياض وطهران وحققت استئناف العلاقات الدبلوماسية بينها تعد لاعباً ذا وزن ثقيل. وعلاقات الإمارات والسعودية وتركيا مع روسيا ليست في الحقيقة بمستوى الشراكة الاستراتيجية، لكنها تعلمت استخدام هذه الورقة في المساومة التي تديرها مع الولايات المتحدة.

عندما تخفق واشنطن في صياغة أي حل تكتيكي للحرب في قطاع غزة، فهي ترجح في الوقت نفسه كفة الإنجازات لصالح إيران، التي أصبحت دولة محور حيوية لسيطرتها على خطوات “حزب الله” والمليشيات الشيعية في العراق والحوثيين في اليمن. حسب رؤية دول المنطقة وبفضل قدرة إيران على تشكيل تحالف من تنظيمات – وكلاء يعملون بشكل منسق، فإنها تملي أيضاً سياسة الدول التي تعمل فيها هذه التنظيمات. في المقابل، لم تنجح الولايات المتحدة حتى الآن في تشكيل تحالف لضمان حرية الملاحة في البحر الأحمر، ولا موقف قريباً لها من موقف إيران في كل ما يتعلق بمعالجة الجبهة اللبنانية، أما وجودها في العراق فمتعلق بنية حسنة للحكومة التي ترتبط بكل الطرق مع القيادة في إيران.

 في ظل التنافس على المكانة الإقليمية، ثم الدولية، تحتاج واشنطن إلى صورة نصر أكثر من إسرائيل. ومن حيث طبيعتها، فإن ضرورة إنتاج مثل هذه الصورة جعلها تعتمد على تحركات إسرائيل العسكرية والسياسية. أمام بلينكن الآن مهمة رئيسية واحدة، وهي كبح أن يحيل هذا الاعتماد واشنطن على الانخراط مباشرة في الساحة الإقليمية، لكن ليس مؤكداً أن حقيبته محملة بالبضاعة اللازمة لتحقيق هذا الهدف.

تسفي برئيل/ هآرتس

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى