تزاحم المجالس الجنوبية.. يخدم أم يهدم الجنوب

> «الأيام» غرفة الأخبار:

>
  • قوى محلية ودولية تدفع الجنوب صوب الأقلمة
  • خلط للأوراق وتحجيم للقضية الجنوبية في التسوية
> السرعة الكبيرة في تجسيد فكرة الإقليم الشرقي على أرض الواقع تظهر قوة الدفع السياسي التي تقف وراء المشروع والمتمثّلة في القوى اليمنية الساعية إلى تأمين مواقعها في عملية التسوية السياسية الجاري عليها العمل في اليمن، بالإضافة إلى المملكة العربية السعودية الباحثة عن صيغ تسهّل الدفع بالعملية السلمية جنبًا إلى جنب الحفاظ على مصالحها في البلد.

وأُعلن، الثلاثاء في مدينة سيئون بمحافظة حضرموت شرقي اليمن، عن إنشاء لجنة منبثقة عن الهيئة التأسيسية لإشهار المجلس الموحد للمحافظات الأربع المشكّلة للإقليم؛ شبوة وحضرموت والمهرة وسقطرى، يناط بها “استكمال اللوائح والنظام الأساسي وإجراءات تشكيل الهيئات القيادية ورسم السياسات والأهداف العامة”.

وجاء ذلك في بيان تلاه رئيس اللجنة عبدالهادي التميمي في اجتماع اختار منظموه عقده في سيئون مركز منطقة وادي حضرموت الواقعة عمليًا تحت سيطرة القوى المطالبة بالبقاء ضمن دولة يمنية فيدرالية، والمناوئة بالنتيجة للمجلس الانتقالي الجنوبي المطالب باستعادة دولة الجنوب المستقلّة.

كما جاء الإعلان عن إنشاء اللجنة أياما قليلة بعد إصدار أكثر من مئتين وثلاثين شخصية من السياسيين ورجال القبائل أطلقوا على أنفسهم تسمية “أبناء الإقليم الشرقي” بيانًا خاطبوا فيه سلطنة عمان والمملكة العربية السعودية والمبعوث الأممي إلى اليمن هانس جروندنبرج لضمان “حضور متوازن وعادل وندي لأبناء الإقليم الشرقي”، ضمن مسار السلام الجاري العمل على إطلاقه في اليمن.

وبحسب التقرير المنشور بصحيفة "العرب" اللندنية، يبدو من خلال ذلك وجود إرادة سياسية قوية تقف وراء إنشاء الإقليم المذكور، لا تقتصر فقط على القوى الساعية لتأمين موقع لها في مرحلة ما بعد التسوية السياسية المرتقبة للصراع اليمني، من قيادات حزب التجمع اليمني للإصلاح فرع جماعة الإخوان المسلمين في اليمن، وكذلك قيادات حزب المؤتمر الشعبي العام المنضوية تحت لواء السلطة المعترف بها دوليا، بل تتعداها إلى المملكة العربية السعودية التي تجد في فكرة “الأقلمة” مساعدا لها على تسهيل تمرير التسوية التي تحرص على إطلاقها.

ويعني تشكيل الإقليم المنشود من المحافظات الأربع المذكورة حرمان الانتقالي الجنوبي من المجال الأكثر حيوية لإقامة الدولة الجنوبية المستقلة، كما يعني أيضا الحدّ من توسّع النفوذ الكبير لسلطنة عمان في محافظة المهرة التي تقول مصادر يمنية إنها تحوّلت على مدى السنوات الماضية إلى مدار صراع شرس بين مسقط والرياض.

وأشار التميمي في البيان إلى السعودية التي خصّها بالشكر والتحية لـ ”دعمها لأي حركة نضالية لنيل حقوق أبناء الإقليم على مستوى كل محافظة والمحافظات الأربع مجتمعة”.

وقال في البيان إنّ مشروع تشكيل الهيئة التأسيسية للمجلس الموحد للمحافظات الشرقية جاء تتويجًا لهذه النضالات لأبناء المحافظات الشرقية منذ مقاومة الاستعمارين البرتغالي والبريطاني مرورًا بمختلف المحطات وحتى اللحظة الراهنة.

وبيّن أن المجلس يسعى إلى توحيد الجهود في كيان واحد للتصدي لمراكز النفوذ التي تسعى للسيطرة على مقدرات هذه المحافظات وسلب قرارها مرة أخرى، مؤكدا أنه سيكون مشروعًا سياسيًّا ومجتمعيًّا فاعلًا ورافعة للإقليم الواعد، ومصدر إلهام لبقية المحافظات والأقاليم في الجمهورية اليمنية.
  • إحياء الأقلمة
وتضمّنت الإشارة الأخيرة دعوة ضمنية لإحياء مشروع الأقاليم الستّة الذي كان قد انبثق مطلع سنة 2014 عن مؤتمر الحوار الوطني ونصّ على تحويل اليمن إلى دولة اتّحادية من ستة أقاليم هي: إقليم آزال الذي يضم محافظات صنعاء وعمران وصعدة وذمار، وإقليم سبأ الذي يشمل البيضاء ومأرب والجوف، وإقليم الجَنَد الذي يضم تعز وإب، وإقليم تهامة الذي يضم الحديدة وريمة والمحويت وحجة، وإقليم عدن الذي يضم عدن ولحج وأبين والضالع، وإقليم حضرموت الذي يضم حضرموت وشبوة والمهرة وجزيرة سقطرى.

وتبدي القيادات الإخوانية اليمنية المشاركة في السلطة الشرعية وتحتفظ لها بقوات عسكرية عاملة تحت لواء الجيش الوطني اهتمامًا استثنائيًّا بقضية الأقاليم التي تتيح لها مواصلة الاحتفاظ بالشراكة في السلطة التي تمتّعت بها دائمًا ضمن نظام الجمهورية اليمنية.

وكان القيادي في حزب الإصلاح صلاح باتيس أول من بادر في منتصف نوفمبر الماضي بالدعوة لإنشاء الإقليم الشرقي قائلًا في منشور على منصّة إكس “مع هذا الحراك السياسي المتصاعد بخصوص الملف اليمني، أدعو أهلي في المحافظات الشرقية، حضرموت والمهرة وشبوة وسقطرى إلى التكاتف والتماسك والتمسك أكثر من أي وقت مضى بالاستحقاق الذي تحقق في مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل”، مضيفا قوله “يجب أن نكون إقليمًا كاملًا قويًّا كبيرًا لا يتبع أي إقليم آخر ضمن دولة اتحادية على أسس الشراكة والعدالة والندية والحكم الرشيد”.

وصدر آخر الأسبوع الماضي بيان في شكل مذكّرة موقّعة باسم “أبناء الإقليم الشرقي” عرّفوا فيه الإقليم المنشود بأنّه “لا يتبع للشمال ولا للجنوب” ولا يخرج عن نطاق “الدولة اليمنية الاتحادية”.
  • التقاء مصالح
وأظهرت قائمة الشخصيات الموقّعة على البيان التقاء مصلحة طيف واسع من القوى المتباعدة فكريًّا وأيديولوجيًّا لكنّها مجتمعة على مواجهة الحراك القوي للمجلس الانتقالي والحفاظ على مظلّة الدولة الاتحادية التي تكفل لها مصالحها في مرحلة ما بعد التسوية السياسية الجاري التمهيد لإطلاقها في اليمن من قبل الأمم المتّحدة وقوى إقليمية.

وأشاد التميمي في بيان اللجنة التحضيرية “بالمذكرة الصادرة عن أكثر من مئتين وثلاثين شخصية سياسية وقبلية واجتماعية وأكاديمية وعسكرية وقيادات نسوية وشبابية من المحافظات الشرقية، والتي شددت على ضرورة حضور عادل وندي في أي تسوية سياسية”.

وقال إن المذكرة تعزز من فكرة المشروع، وتجعل هذه الشخصيات أمام مسؤولية كبيرة في تحقيق أهداف نضالات أبناء المحافظات الشرقية.

وبشأن التفاصيل العملية للجنة، قال إنّها ستوزع إلى أربعة فرق عمل هي “الفريق الفني والذي سيتولى إعداد اللوائح والنظام الأساسي والوثائق الحاكمة للمجلس، فيما فريق الاتصال والعلاقات سيقوم بالتواصل مع كل المكونات والشخصيات الفاعلة في الداخل والخارج من أبناء المحافظات الشرقية على مبدأ الاصطفاف والتلاحم والنضال والتعاون وعدم الإقصاء أو تجاوز الآخرين”.

وأضاف أن الفريق الإعلامي سيسهم في نشر الفكرة وتعزيز الوعي بها كقضية رأي عام واستحقاق لا تنازل عنه، كما سيقوم بتصميم الشعار والهوية البصرية للمجلس الموحد للمحافظات الشرقية، بالإضافة إلى تأسيس المنصات والمواقع الإلكترونية للمجلس، بينما فريق تنمية الموارد سيهتم بحشد الموارد المادية والبشرية.

وكشف أن اللجنة التحضيرية البالغ قوامها سبعة وأربعين عضوًا ستعقد اجتماعها خلال أسبوعين من تاريخ إعلان إشهارها واستمرار فرقها الأربعة في العمل لمدة أقصاها خمسة وأربعون يومًا، يعقبها عقد الهيئة التأسيسية اجتماعها التأسيسي لإشهار رئاسة المجلس من رئيس ونواب وأمانة عامة وفقًا لأجندة وجدول أعمال اللجنة التحضيرية، وتمهيدًا لإقرارها في المؤتمر العام للهيئة التأسيسية.
  • مخططات تمزيق الجنوب
إلى ذلك، قال تقرير نشره موقع "العين الإخبارية" الإماراتي، يوم أمس، إن إخوان اليمن وجدوا أنفسهم خارج المشهد السياسي فلجأوا لحيل مكشوفة باستحداث مجالس في مسعى بائس لإبقاء سطوة نفوذهم لا سيما في المحافظات الشرقية، حيث منابع النفط والغاز والثروة.

ويعد المجلس الموحد أحدث مخططات إخوان اليمن، حيث يقف خلف هندسته القيادي الإخواني البارز صلاح باتيس إلى جانب رجل الظل الإخواني المعروف علي محسن الأحمر، الذي يتحرك من أجل إبقاء نفوذه شرقي اليمن.

ويستهدف المجلس خلط الأوراق في محافظات حضرموت وشبوة وسقطرى والمهرة وتفتيت القضية الجنوبية التي يمثلها المجلس الانتقالي، إلى جانب تشطير الجنوب إلى نصفين بهدف تحجيم تمثيله في أي تسويات مقبلة.

ويزعم المجلس الموحد أن له لجنة تحضيرية تتألف من 47 شخصًا على أن يتم إشهار المجلس في الشهرين المقبلين، وقد جاء بناء على بيان أصدرته 200 شخصية موالية للإخوان فيما يسمى "الإقليم الشرقي" رافعًا لافتة "التمثيل العادل"، بحسب زعمهم.
  • خلط أوراق
ويسعى المجلس الموحد للمحافظات الشرقية للحفاظ على مراكز نفوذ الإخوان والسيطرة على مقدرات هذه المحافظات وسلب قرارها بغطاء العمل السياسي والمجتمعي، وفق مراقبين.

وقال الناشط السياسي في حضرموت محمد بامزعب، إن "مشروع الإقليم الشرقي للإخوان هو مجرد محاولة لخلط الأوراق من قبل شخصيات لم يعد لها وزن سياسي ولا حتى حاضنة شعبية في المحافظات الشرقية".

وأضاف في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن "الإخوان ومن خلفهم يتحركون من أجل الضغط على المجلس الانتقالي بهدف إجباره على تقديم تنازلات من أجل تمرير اتفاق سلام منقوص مع مليشيات الحوثي وهذا لن يتحقق لهم".

وأوضح أن "السلام في اليمن لن يتحقق دون حل عادل للقضية الجنوبية وستبقى هذه المشاريع الصغيرة مجرد محاولة وسيكون مصيرها الفشل كسابقاتها من المجالس التي أعلنها الإخوان مؤخرا في حضرموت وحتى تعز ومأرب".

وأكد: "قدم الجنوبيون دماء غالية من أجل تحصين قضيتهم وهم اليوم أكثر وعيا لمخططات الإخوان ولن يسمحوا لهم بتمرير أجنداتهم على حساب المشروع الجنوبي".

من جهته، قال السياسي الجنوبي أحمد عمر بن فريد إن "الجنوب قضية واحدة متماسكة لا تقبل القسمة على اثنين، قضية دولة وليست قضية أقليات ولا هويات محلية".

وأكد أنه من "مصلحة الجميع أن تبقى هذه القضية كما هي، ومحاولة تفتيتها إلى قضايا متعددة هي ضرب في المصلحة الوطنية للجنوب وللجميع بلا استثناء".

"لم يهندس الإخوان الإقليم الشرقي من أجل أهل شبوة وحضرموت والمهرة وسقطرى وإنما لخطف القرار والثروة والسلطة".. هكا يرى الناشط السياسي اليمني حسن خالد بو زيدان.

واستغرب بو زيدان، من "مسمى الإقليم الشرقي الذي ينتقص من اسم حضرموت الذي يعود لما قبل 5000 سنة حيث يجب الإشارة لهذا المسمّى الذي لم يرد حتى في وثائق الحوار الوطني اليمني".

وأضاف أن "المجلس الموحد محاولة شكل مستحدث وجاء كرد فعل وإعادة تموضع للقوى المناهضة لمشاريع التحرر الوطني وهي قوى معروفة شكلًا و حجمًا و ملبسًا"، في إشارة للإخوان.

وأشار إلى أن فكرة إنشاء ما يُسمى "المجلس الوطني الحضرمي" جاءت بعد انعقاد دورة الجمعية العمومية للمجلس الانتقالي في مدينة المكلا بحضرموت، فيما المجلس الموحد للمحافظات الشرقية جاء بعد انعقاد مجلس العموم الجنوبي الذي حظي بوجود عدد هائل من المحافظات الجنوبية كافة".

وكان حزب الإصلاح ذراع تنظيم الإخوان في اليمن أول من بادر بالدعوة لإنشاء الإقليم الشرقي على لسان صلاح باتيس الذي دعا منتصف نوفمبر الماضي المحافظات الشرقية، إلى التكاتف والتماسك بزعم المطالبة باستحقاقاتها.
  • ردّ على خطوات الانتقالي
بذات السياق، أعربت مصادر سياسية تحدثت مع "العربي الجديد" عن اعتقادها بأن الإعلان عن تأسيس المجلس الموحَّد لأبناء المحافظات الشرقية، وتقديم هذا الكيان كمؤيد للوحدة اليمنية من خلال الدولة الاتحادية وفق بياناته وأدبياته، يأتي ردًّا على خطوات "المجلس الانتقالي"، فكلما خطا الأخير خطوة نحو الأمام، خطا القائمون على المجلس الموحد خطى بعده مباشرة، ولا سيما أن إعلان إشهار اللجنة التحضيرية للمجلس الموحد جاء بعد أيام من إعلان "الانتقالي" عن مجلس العموم الذي ضمّ تحت لوائه هيئة رئاسة "المجلس الانتقالي" والقيادة التنفيذية العليا للمجلس والجمعية الوطنية العمومية للمجلس ومجلس مستشاري المجلس.

وما يعزز هذا الطرح وفق نظرة البعض أن المجلس الموحَّد يتبنى فكرة البعد عما يسميه أي نفوذ جنوبي (يعني الانتقالي) وأي نفوذ شمالي (يعني الحوثيين) في الوقت الذي يتمسك فيه بوحدة الأراضي اليمنية، وهو ما يرفضه "الانتقالي". ونشر المجلس الموحَّد قبيل الإعلان عنه بيانًا قال إنه لشخصيات سياسية واجتماعية وأكاديمية تمثل "الإقليم الشرقي اليمني"، أكدت فيه هذه الشخصيات ضرورة التمثيل العادل لأبناء المحافظات الشرقية، بما يضمن لهم الشراكة والندية، وبما يتناسب مع مكانة هذه المحافظات الاقتصادية والاجتماعية والتاريخية ومساحتها الجغرافية، وعدد السكان في الداخل والمهجر وإسهامها في دعم موارد الدولة المختلفة.

وخاطبت هذه الشخصيات في بيانها رئيس مجلس القيادة الرئاسي وأعضاءه، والسعودية وسلطنة عمان، والمبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لدى اليمن، هانس جروندبرج بالقول: نتابع باهتمام بالغ نحن أبناء الإقليم الشرقي التطورات في الملف السياسي اليمني والجهود التي تبذلها الأطراف الإقليمية والدولية وجهود الوسطاء من دولتي السعودية وعمان بهدف التوصل إلى حل سياسي شامل ينهي حالة الحرب في اليمن، ويسهم في بناء الدولة اليمنية الاتحادية وبسط نفوذها وحضورها على كامل التراب اليمني، وبما يسهم في إنقاذ اليمنيين من مخاطر الحرب وويلاتها.

وأكدت هذه الشخصيات "أهمية السلام الشامل والعادل والمستدام القائم على احترام إرادة اليمنيين وحقهم في إدارة شؤون بلدهم وفق معايير التشاركية السياسية والمجتمعية الضامنة لنزع فتيل الخلافات مستقبلًا وبناء دولتهم الاتحادية بنظامها الجمهوري التعددي على أسس الشراكة والعدالة والحكم الرشيد". وباركت شخصيات المحافظات الشرقية "كل الجهود الإقليمية والدولية الهادفة إلى وضع حدّ لمأساة اليمنيين من خلال حوارٍ يمني لا يستثني أحدًا، ويفضي إلى سلام دائم وفق المرجعيات الثلاث" (المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، والقرارات الأممية ذات الصلة وفي مقدمتها القرار 2216).

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى