تنظيم القاعدة يتدخل لتخفيف الضغوط عن إيران ووكلائها

> هشام النجار:

> ​طرح تنظيم القاعدة بعض الخطط بهدف إثبات جدارته بالدعم الإيراني، وصرف النظر عن ساحات ضاغطة بشدة على محور المقاومة، قاصدا الإيحاء بأن ما لحق بحركة حماس في قطاع غزة ليس سببه تخاذل طهران أو أذرعها بل لعدم إشراك ساحات عربية محورية في الصراع.

ووجد التنظيم السني الذي ظلت دعايته بشأن القضية الفلسطينية الأكثر كثافة منذ نشأته، في الأزمة المركبة لحركات وجماعات ترعاها إيران حيال المعركة الدائرة في غزة فرصة لاستعادة زخمه وتعزيز دعايته بزعم أن مساره الجهادي وخططه الإستراتيجية أكثر فعالية.

ودعا منظر القاعدة مصطفى حامد، وهو صهر سيف العدل قائد التنظيم، الفصائل الفلسطينية المسلحة عبر مقال له أخيرا إلى تدمير بوابات معبر رفح وتحرير سكان القطاع مما أسماه “المعتقل الكئيب” بهدف حل أزمة الآلاف من الجوعى والمرضى بالقوة، مستدلا في مقال له بعنوان “أيها السادة: الكتائب والسرايا والفصائل المسلحة في غزة انسفوا بوابات رفح” بأثر روي عن الصحابي أبي ذر الغفاري حرّض من لا يجد قوت يومه على الخروج على الناس شاهرا سيفه.

وطرح حامد المقيم بإيران مع عدد من قادة الصف الأول للقاعدة تصورا مغايرا لخطة وحدة الساحات، حيث زعم أن النصر لن يتحقق على إسرائيل إلا بتوسيع مجال المواجهة عبر تموضع من أسماهم المجاهدين بمدن عربية وبمناطق إستراتيجية تمثل عمقا لهم وفي مقدمتها سيناء.

  • إنقاذ قوة حماس

تحقق دعوات قادة القاعدة المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي وعلى منصاتهم الإلكترونية بشأن تنفيذ انقلابات على السلطة بالدول العربية وإثارة الفوضى داخل مصر وإطلاق عناصر الإخوان من السجون وتوحيد رفح المصرية والفلسطينية وجعل سيناء عمقا لجهاديي غزة، هدف إيران خلال المرحلة الحالية المتمثل في إنقاذ ما بقي من قوة حماس والحفاظ على قوة ميليشياتها وحلفائها وعدم فتح جبهات جديدة مع إسرائيل.

وتتلاقى مصالح إيران والقاعدة دوما، فكلاهما يرغب في إضعاف وزعزعة أمن الدول التي لا تزال مستقرة وصامدة بالمنطقة، ويعتبران جميع الأنظمة العربية موالية للولايات المتحدة وتتبع نهجا مناهضا لرؤى وتصورات الثورية الإسلامية، ما يمنع تحقيق المشروع وفرض النفوذ.

وتطلب المأزق الذي وقعت فيه إيران ووكلاؤها على مختلف المحاور امتصاص الضربات وفتح مسارات أخرى للصراع داخل البلدان العربية والإسلامية لوضع حد للتصعيد مع إسرائيل والولايات المتحدة وحلفائهما في الغرب، وهو ما يتحقق من خلال جهود وكيل جهادي حرص على إبقاء إسرائيل بمنأى عن نشاطه العسكري المباشر مركزا على استهداف الدول العربية في إطار التمهيد لهدفه النهائي؛ تحرير الأقصى وفقا لمزاعمه.

ويزايد التنظيم السني الذي يكافح لتقنين تحالفه مع إيران واستعادة زخمه الجهادي على الفصائل الفلسطينية، مُذكرا إياها بإستراتيجيته القائمة على قتال الدول والجيوش العربية أولًا كتمهيد لا غنى عنه لمواجهة إسرائيل.

وألقى القاعدة مسؤولية المأزق الذي يمر به محور المقاومة على حماس لتبرئة طهران التي توفر الملاذ الآمن لقادته، بحجة أن الحركة الفلسطينية أخطأت عندما تخلت عن التنظيمات المسلحة في سيناء ولجأت إلى التنسيق مع الجيش المصري ما أدى إلى تمكينه من تفكيكها والقضاء عليها.

  • التوجه نحو سيناء

تخدم الخطة التي وضعها قادة القاعدة بشأن الدفع بعشرات الآلاف من الفلسطينيين بالقوة إلى داخل سيناء على وقع المعاناة المركبة التي يعيشونها أطماع التنظيم للعودة إلى هذه الساحة الحيوية وإعادة بناء خلاياه هناك بعد أن نجحت الأجهزة المصرية في إنهاء تمرده قبل سنوات.

ويستغل القاعدة الضغوط التي تُمارَس ضد مصر عبر أكثر من طرف لصناعة وضع أمني وإنساني ضاغط في غزة ورفح، بهدف إضعاف قدرة مصر على مجابهة مخطط نقل عدد كبير من الفلسطينيين إلى سيناء، ما يخدم العديد من الجهات ويوفر ملاذا للجهاديين ومهربا لهم من مقتلة غزة.

وأوقعت محاولة القاعدة إثبات جدوى رعاية إيران له عبر تخفيف الضغوط على وكلائها السنة والشيعة وفتح ساحات جديدة، في فخ أكبر نقطة ضعف أيديولوجية بالنسبة له، حيث يتعرض لهجوم جدلي مستمر من تنظيم داعش ومن منتسبين متشددين للقاعدة نفسه بسبب اعتماده على دولة شيعية وارتهانه لخدمة مصالحها وأهدافها.

واختار القاعدة للحفاظ على الدعم والاحتواء الإيراني وإقناع عناصره الرافضين لانخراطه في محور المقاومة الذي تتزعمه دولة شيعية أن يزيل العامل السني – الشيعي من الصورة، ويجعل طرح الخطط في ظل ما اعتبره مأزقا وجوديا للأمة الإسلامية مُقدما على الاعتبارات العقائدية.

ونجح التنظيم في السابق في أن يُسَوق تحالفه مع طالبان داخل الوسط السلفي الجهادي، على الرغم من الاختلافات الفقهية والمآخذ التي أبداها الجهاديون المتشددون حيال الحركة الأفغانية التي تتهاون في عدد من المسائل العقدية، عبر التقليل من أهمية أن يكون الحليف ذا عقيدة سلفية نقية وتتطابق الأيديولوجيتان مع التركيز على الخطط الإستراتيجية.

واعتمد القاعدة خلال هذه الفترة على التصورات التي طرحها أبومصعب السوري، وهو أهم مخططيه وابتكر تكثيف الرؤى والخطط في دراساته لتعويض الخلل العقائدي الكامن في التحالف مع قوى لا تتمتع بنفس درجة الصفاء في العقيدة، وفقًا لمفاهيم القاعدة وتنظيمات السلفية الجهادية.

ويلعب منظرو القاعدة المقيمون في إيران حاليا دورا مشابها لتعزيز تحالف تنظيمهم هذه المرة مع حليف شيعي، متجاوزا الخلافات المذهبية بين العالم الإسلامي السني وإيران، مركزا على العدو المشترك، إذ يتقمص مصطفى حامد شخصية أبومصعب السوري كمنظر إستراتيجي للتنظيمات الجهادية حول العالم، مدعيا الفهم العميق للسياسة الدولية وطبيعة النظام الدولي.

ويزعم العديد من عناصر القاعدة أنهم متفوقون من جهة التفكير الإستراتيجي بالمقارنة بنظرائهم الجهاديين والإسلاميين في داعش والإخوان، بالنظر لما طرحه منظرو القاعدة بشأن عدم إمكانية تحقيق التمكين في الوقت الحالي وصعوبة استمرار التيار الإسلامي في السلطة أو تأسيس دولة خلافة، وهو ما انطبق في الواقع على عزل الإخوان عن السلطة وتفكيك دولة داعش.

  • بصمة الحرس الثوري

رفض قادة تنظيم القاعدة نهج داعش الذي يفرض الخلافة من أعلى وتراجعوا عن شن هجمات على الغرب الذي ينتقم ويهدم كل ما بناه الجهاديون، داعين إلى البدء في بناء قاعدة شعبية محلية أولا.

ويرى منظرو القاعدة أن الواقع الذي يشهد تربص القوى العالمية بالتيار الإسلامي يتطلب الاحتماء بسلطة صديقة أو الانضواء داخل محور وليس تأسيس دولة وتصدر زعامة مشروع حكم (كما فعل الإخوان وداعش)، ما يفسر دخولهم تحت سلطة إمارة طالبان ومنح زعيمها البيعة، وانضواءهم داخل محور إيران وتحولهم إلى ركيزة أساسية لمشروع التوسع الإيراني.

وأتاحت الحركية الإستراتيجية للقاعدة التحول بمرونة إلى اللامركزية وتحويل مركز ثقل عملياته من أفغانستان إلى العراق ومنه إلى سوريا وليبيا وأفريقيا جنوب الصحراء.

ولم يكن قادة القاعدة أكثر حنكة فقط لعدم تعجلهم الإعلان عن تأسيس دولة خلافة، إنما أيضا للتحلي بالبراغماتية بعدم ترويع السكان المحليين وتعزيز الروابط مع المكونات المحلية والقبلية والعرقية، وتقديم أنفسهم كمحررين للشعوب من النفوذ الأجنبي وعملائه بالداخل، وكمدافعين عن نظام إسلامي أكثر عدالة.

ويُضاف تحالف القاعدة مع إيران في ظل واقع جهادي شديد التنافسية إلى قائمة الخطط الإستراتيجية لإبقاء التنظيم السني أكثر من غيره قدرة على الاستمرار ونيل الحماية والدعم.

وفي حين تتأسس دعاية داعش على عدائه الشديد لإيران وللشيعة يجد القاعدة أن انضواءه تحت راية محور المقاومة سوف يمكنه من مواصلة مساره الجهادي العالمي، ويعطي وجاهة لمزاعمه بشأن إسهامه في التصدي للتدخل الغربي في العالم الإسلامي والقيام بواجب الدفاع عن الإسلام ضد المعتدين والنضال من أجل قضية مقدسة.

وظهرت من خلال طبيعة الخطط التي نشرها منظرو القاعدة في بياناتهم وعلى منصاتهم على الإنترنت بصمة الحرس الثوري الإيراني والجهد الذي بذله قادة فيلق القدس لإعادة تأهيل وبرمجة أخطر تنظيم سني مسلح، ليصبح إحدى ركائز محور المقاومة وورقة يتم الدفع بها في توقيتات محددة لتخفيف الضغوط عن طهران ووكلائها.

العرب اللندنية

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى