محللون: الضربات الغربية لا تردع الحوثي وتزيد شعبيته على حساب الشرعية

> واشنطن "الأيام" العرب:

>
​يشكك محللون في قدرة الضربات الغربية على ردع المتمردين الحوثيين الذين يهاجمون التجارة الدولية في البحر الأحمر وباب المندب، بل على العكس من ذلك تزيد الضربات من شعبيتهم على حساب الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا.

وفي 10 يناير صدر قرار مجلس الأمن رقم 2722 الذي يدين هجمات الحوثيين على الشحن عبر البحر الأحمر، فيما شنّت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة أكثر من 60 غارة على مجموعة واسعة من المواقع في جميع أنحاء اليمن خلال الليلة الفاصلة بين 11 و12 يناير. ولقي التحرك إدانة روسيا والصين اللتين امتنعتا عن التصويت على القرار، والأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الخاص إلى اليمن.

وعقد مجلس الأمن اجتماعا في 12 يناير وتضمن سلسلة من الإدانات. وقال المندوب الصيني إن “آخر شيء نحتاجه في هذه المرحلة هو المغامرة العسكرية المتهورة، وأول شيء نحتاجه هو الهدوء وضبط النفس”. كما أعربت المملكة العربية السعودية عن “قلقها الشديد” ودعت إلى “ضبط النفس وتجنب التصعيد”. 

وأدانت سلطنة عمان، التي شاركت بعمق في جهود الوساطة لإنهاء حرب اليمن، هذا الإجراء بشدة. ونأت الدول الأوروبية الكبرى بنفسها عن هذه الهجمات، قائلة إنها تصعّب الجهود الدبلوماسية أكثر.

وذكّر أحمد عوض بن مبارك وزير الخارجية اليمني المعترف به دوليا أيضا بريطانيا بـ”ضرورة وقف إطلاق النار في غزة والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع المحاصر دون أيّ شروط”. وحذر من أن العدوان المستمر وغير المبرر ضد المدنيين في غزة يهدد بتوسيع نطاق الصراع ويعرّض الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم للخطر”.

وشددت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة على ضرورة الهجمات وقالتا إنها متناسبة وتهدف إلى الحد من قدرة الحوثيين على تعطيل الشحن. 

وذكرتا أنها تندرج ضمن “الدفاع عن النفس”، مما أثار مسألة تعريف هذا المصطلح المعتمد عند مهاجمة مواقع على بعد آلاف الأميال من أراضي الطرف الذي يشنّ الضربة.

وتوقعت صحيفة “نيويورك تايمز” المزيد منها، لأنها لم تلحق أضرارا جسيمة بالقدرات العسكرية للحوثيين. وثبت ذلك خلال اليومين الماضيين حين أطلق الحوثيون المزيد من المقذوفات مما دلّ على أنهم توقعوا الضربات ونقلوا مواقع الإطلاق المتنقلة الخاصة التي يعتمدونها.

وأعلن الحوثيون أن أعمالهم تهدف لدعم الفلسطينيين وستتوقف بمجرد انتهاء الحرب والحصار المفروض على الإمدادات إلى غزة. 

وكانت هجماتهم موجهة حصرا إلى السفن التي تجمعها روابط بإسرائيل. وقال الحوثيون إن لكل السفن الأخرى الحق في المرور عبر البحر الأحمر، وأشاروا إلى أن هذا يبقى حلا منخفض التكلفة ولن يتطلب أيّ نفقات مالية لأيّ عمل تجاري، ولا يحتاج إلى عسكرة البحر الأحمر ولن يعرض الملاحة الدولية للخطر.

وانخفضت حركة المرور في البحر الأحمر، لكنها لا تزال كبيرة، فيما وسّع الحوثيون الآن قائمة أهدافهم لتشمل القوات البحرية الأميركية والبريطانية، بعد أن استهدفتهم. وقالت الباحثة هيلين لاكنر في تقرير نشره موقع “عرب دايجست” إن شعبية الحوثيين داخل اليمن وفي جميع أنحاء العالم ارتفعت بين الذين يعارضون الإبادة الجماعية في غزة، بما في ذلك الآلاف الذين لم يسمعوا عنهم من قبل.

وأضافت لاكنر أن المواقف المعادية لإسرائيل من روسيا والصين وإيران والعديد من الدول الأخرى تتعزز على نطاق واسع. وتدهورت سمعة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والغرب بعد أن صوّروا أنفسهم داعمين للقانون الدولي وحقوق الإنسان والقيم الأخلاقية.

وتؤكد هذه الهجمات المستوى الاستثنائي من “الخطاب المزدوج” الذي تمارسه الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في سياستهما الخارجية الحالية، حيث لم تندرج هجماتهما ضمن محاولة تهدئة الحالة في الشرق الأوسط، بل كانت  تصعيدا خطيرا.

وأصبح خطر حدوث المزيد من التصعيد مرتفعا على الصعيد الدولي، فيما يتساءل مراقبون : هل تعدّ الولايات المتحدة مستعدة لدخول “حرب لا نهاية لها” أخرى خلال “سنة الانتخابات”، بينما تنخفض فرص فوز الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن نتيجة لدعمه غير المحدود لإسرائيل في غزة؟ وأصدرت إيران حتى الآن دعما رسميا لأعمال الحوثيين، مما يعطي الانطباع بأنها مستعدة لمحاربة إسرائيل ودعم فلسطين "حتى آخر يمني".

ويبقى الإيرانيون حذرين من التورط المباشر مع تواصل الاتهامات الإعلامية والمنهجية بكونها داعمة أو راعية للحوثيين. ويشير مراقبون إلى أن أيديولوجية جماعة أنصارالله هي التي تحرّك أعمال الحوثيين، وليس علاقتها بإيران.

وسيكون التأثير الأكثر أهمية في منطقة البحر الأحمر هو التكاليف والتأخيرات التي تمر بها البضائع العابرة من آسيا إلى أوروبا، والتي تعتبر بسيطة من الناحية المالية (على الرغم من أهميتها) مقارنة بأيّ عدد من الأزمات الأخرى. كما سيعاني النظام المصري من تراجع الدخل من قناة السويس، وهو يشهد أزمة ديون هائلة. لكن الأوضاع تعدّ أكثر خطورة بالنسبة إلى اليمن واليمنيين.

وتأجّل التوقيع الاحتفالي المتوقع على انتهاء الأعمال العدائية بين المملكة العربية السعودية والحوثيين إلى أجل غير مسمى في أحسن الأحوال، بعدما كان سيأخذ شكل اتفاق بين الحكومة المعترف بها دوليا والحوثيين (بوساطة السعودية وربما عمان).

ويحاول المبعوث الخاص للأمم المتحدة المضي قدما في الاستعدادات والإجراءات اللازمة لإطلاق “خارطة الطريق” نحو السلام رغم هذه النكسة. وتعني زيادة قوة الحوثيين الناتجة عن التطورات الجديدة إضعاف الحكومة المعترف بها دوليا والمنقسمة بالفعل، مما يعني أن جهود الوساطة التي تبذلها الأمم المتحدة لن تساعد كثيرا في تغيير ميزان القوى بين الفصائل. وقد ينجح الحوثيون بذلك في توسيع حكمهم الاستبدادي والقمعي.

وأصبح الوضع الإنساني الكارثي في اليمن (والذي لا يمكن مقارنته بأهوال غزة) معرضا لخطر التدهور. وانخفض تمويل خطة الاستجابة الإنسانية للأمم المتحدة من 55 في المئة من المتطلبات سنة 2022 إلى 38 في المئة خلال 2023 ولم يُعلن عنها بخصوص 2024. لكنْ هناك نقطتان تثيران القلق. الأولى أن معظم واردات اليمن تأتي عبر ميناء الحديدة (تعتمد البلاد على الواردات في 90 في المئة من المواد الغذائية الأساسية). ويعني هذا أن ضرب الميناء المذكور وإخراجه عن الخدمة سيجعل العواقب وخيمة.

والثانية أن أكثر من 50 في المئة من التمويل يأتي من الولايات المتحدة خلال السنوات الأخيرة. وتعدّ المساعدات مطلوبة في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، مما يجعلهم معرضين لخطر الانتقام الأميركي عن طريق خفض جزء من المساعدات أو حتى قطعها. وستبقى التوقعات قاتمة لليمنيين في2024 إذا لم تتوقف حرب غزة. وسيكون هذا الاتجاه مماثلا في عدة مناطق أخرى حول العالم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى