تقرير: أصوات المتشددين تتعالى في الشرق الأوسط

> واشنطن "الأيام" العرب:

> ​تشير النقاط الساخنة المختلفة في الشرق الأوسط إلى أن المتشددين من كلا الأطراف هم الذين يتخذون القرارات في الوقت الحالي، فيما يقول مراقبون إنه يستحيل احتواء مختلف بؤر التوتر ومنعها من الخروج عن نطاق السيطرة مع تواصل القتال في غزة.

ويشير استطلاع أخير للرأي العام اللبناني إلى أن قدرة حزب الله على ضبط النفس محدودة في مواجهة إسرائيل وهو ما يحدد سبب شعور إيران الداعمة له بالجرأة مع تصاعد التوترات في الشرق الأوسط. ويقول الباحث في شؤون الشرق الأوسط جيمس دورسي أن نتائج الاستطلاع تعدّ مهمة مع تواصل الهجمات المتبادلة بين حزب الله وإسرائيل عبر الحدود، التي حاول الطرفان احتواءها، لكنها تهدد بالخروج عن نطاق السيطرة في أي لحظة.

ويضيف دورسي أن حزب الله أراد احتواء الأعمال العدائية لأن جل اللبنانيين يعارضون تورط بلادهم في حرب، خاصة مع تحذير رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من أن إسرائيل قد تحول بيروت إلى غزة أخرى. وأشار الاستطلاع، الذي أجراه معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى في أواخر نوفمبر ومطلع ديسمبر، إلى ارتفاع الدعم الشعبي للمتشددين المدعومين من إيران، لكن عددا من العوامل المختلفة قد تغير كل شيء.

وتشمل هذه الانتهاكات تصعيدا غير مقصود للأعمال العدائية الحدودية التي خلّفت عددا كبيرا من الضحايا المدنيين، وعمليات الاغتيال الإسرائيلية المتكررة على الأراضي اللبنانية لشخصيات بارزة في حزب الله وحماس، والحكم المحتمل الذي قد يصدر عن محكمة العدل الدولية ليؤكد أن الحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة تخاطر بالإبادة الجماعية، وتداعيات رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إنشاء دولة فلسطينية مستقلة وإصراره على أن تحتفظ إسرائيل بالسيطرة على الأراضي التي احتلتها في حرب 1967.

وقال نتنياهو “هذا شرط ضروري، وهو يتعارض مع فكرة السيادة الفلسطينية. ما العمل؟ أنا أقول هذه الحقيقة لأصدقائنا الأميركيين، وأنا أضع حدا لمحاولة فرض واقع علينا من شأنه أن يلحق الأذى بأمن إسرائيل". وأضاف "نواجه من كل منطقة نخليها إرهابا ضدنا. حدث ذلك في جنوب لبنان، في غزة، وكذلك في يهودا والسامرة (الضفة الغربية). أود أن أوضح أنه يتعين على إسرائيل تحت أي سيناريو مستقبلي السيطرة على المنطقة برمتها من النهر إلى البحر".

  • شعبية متنامية

أظهر الاستطلاع أن أغلبية ضئيلة فقط من اللبنانيين (53 في المئة) ترى أن الأولوية تكمن في معالجة الأزمة السياسية والاقتصادية في بلادها قبل التورط في "حرب أجنبية". وتشدد أغلبية ضئيلة مماثلة على أن حل الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني يتطلب مفاوضات وليس حلا عسكريا.

وترى الغالبية العظمى أن الضعف الإسرائيلي والانقسامات الداخلية تعني إمكانية هزيمة إسرائيل في نهاية المطاف. وفي نفس الوقت، أجمع 99 في المئة من اللبنانيين على رغبتهم في أن تقطع الدول العربية جميع العلاقات مع إسرائيل بسبب حرب غزة.

ومن المرجح أن يستمد حزب الله التشجيع من الزيادات الكبيرة في شعبيته بين الطوائف، حيث يمثل كل من المسلمين الشيعة والسنة والمسيحيين حوالي ثلث سكان لبنان. وتبنّى 89 في المئة من الشيعة وجهة نظر “إيجابية للغاية” تجاه حزب الله، وهو ما شكّل ارتفاعا من 66 في المئة خلال 2020.

وقفزت شعبيته بين السنة الذين يحملون موقفا “إيجابيا إلى حد ما” على الأقل تجاه الجماعة، حيث ارتفعت من 6 في المئة خلال 2020 إلى 34 في المئة. كما أبدى 29 في المئة من المسيحيين رأيا مماثلا مقارنة بـ16 في المئة خلال 2020. وبالمثل، فإن نظرة 79 في المئة من اللبنانيين إلى حماس إيجابية.

ويتناسب رفض نتنياهو العلني لدولة فلسطينية مع نمط طويل الأمد من سياسة الشرق الأوسط حيث يعزز المتشددون على جانبي الانقسامات المختلفة بعضهم البعض. وقد يعزز هذا نتنياهو نفسه.

وكان رفضه المتكرر لإقامة دولة فلسطينية يهدف إلى تهدئة شركائه في الائتلاف من القوميين والمحافظين المتطرفين مع تعطيل الجهود الأميركية لإقناع المملكة العربية السعودية بإقامة علاقات دبلوماسية مع تل أبيب تؤكد على حل الدولتين للصراع الإسرائيلي - الفلسطيني. وأكّد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في وقت سابق على وجود فرصة عميقة للأقلمة في الشرق الأوسط لم تتح من قبل. وأضاف أن “التحدي هو إدراك ذلك”.

وتحتاج الولايات المتحدة إلى الأقلمة لضمان قبول العرب لترتيبات ما بعد الحرب في غزة والضفة الغربية التي من غير المرجح أن تكون في المستقبل القريب مع غياب عملية سلام ذات مصداقية. ووصف الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ في حديثه في منتدى دافوس العلاقات مع المملكة العربية السعودية بأنها تغير قواعد اللعبة ورأى فيها مفتاحا لإنهاء حرب غزة، لكن هذا لا يزال حلما بعيد المنال مع الحكومة الإسرائيلية الحالية.

تكمن المشكلة في أن الحكومة الإسرائيلية الجديدة قد لا تكون لها الجرأة التي يتمتع بها القوميون والمحافظون المتطرفون في عهد نتنياهو ولكنها قد تكون غير راغبة بالمثل في تقديم نوع التنازلات المطلوبة لعملية سلام تكون ذات مصداقية. ويبدو أن رئيس المخابرات السعودية السابق والسفير لدى الولايات المتحدة وبريطانيا تركي الفيصل، الذي يُعتقد أنه مقرب من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، يحمل هذا الشعور.

وصرّح الفيصل لمذيعة “سي.أن.أن” كريستان أمانبور “يجب استبعاد القيادة الحالية لحماس ومنظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل من أي مشاركة في أي دور سياسي مستقبلي… عليهم أن يدفعوا ثمن ما فعلوه… كلهم فاشلون”. وأشار الرئيس الأميركي جو بايدن في ردّه، عن قصد أو عن غير قصد، على رفض نتنياهو إلى أن حل الدولتين يعني أشياء مختلفة لأشخاص مختلفين. وذكر أنه يمكن أن يشمل دولة فلسطينية منزوعة السلاح تكون مقبولة أكثر للمتشددين الإسرائيليين.

ولطالما كان هذا التعريف الإسرائيلي غير المعلن في الكثير من الأحيان عبر الطيف السياسي في البلاد مع استثناءات قليلة، وعززه هجوم حماس في السابع من أكتوبر. وتكمن المشكلة في أن المخاوف الأمنية الإسرائيلية بشأن الفلسطينيين تتطابق مع المخاوف الأمنية الفلسطينية بشأن إسرائيل بعد أكثر من نصف قرن من الاحتلال والمجزرة الحالية في غزة، مما يجعل نزع السلاح أمرا غير مرجح للفلسطينيين.

  • تطرف

ويشعر نتنياهو بالجرأة بسبب ضعف استطلاعات الرأي التي أبتلي بها بايدن في سنة الانتخابات، والدعم الجمهوري القوي لإسرائيل، وقدرته السابقة على مواجهة رئيس أميركي محليا في الولايات المتحدة. وعززت تصريحات نتنياهو في نفس الوقت مصداقية معارضة إيران لتطبيع الدول العربية للعلاقات مع إسرائيل. وحذّر المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي قبل أيام من هجوم حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر من أن “مقامرة التطبيع مع الكيان الصهيوني خسارة فادحة”.

وعززت الأحداث التي تبعت هجوم حماس شعور إيران بأن الرياح الجيوسياسية في الشرق الأوسط أصبحت لصالحها. وأثار سلوك إسرائيل في حرب غزة انتقادات من معظم المجتمع الدولي، باستثناء الولايات المتحدة والعديد من الدول الأوروبية. وقد يزيد صدور حكم محتمل من المحكمة الدولية من تعميق التراجع الذي فرضته الحرب للموقف الأخلاقي الإسرائيلي.

وقال ممثلو الادعاء في سويسرا إنهم يحققون في شكاوى جنائية غير محددة ضد هرتسوغ أثناء حضوره المنتدى الاقتصادي العالمي. ولم يتضح ما إذا كانت الشكوى تتعلق بتصريحاته في المنتدى أو بملاحظات أو إجراءات سابقة. واعتمدت تصريحات هرتسوغ في قضية المحكمة الدولية في جنوب أفريقيا واعتُبرت إشارة منه إلى أن جميع سكان غزة كانوا مسؤولين عن هجوم حماس في السابع من أكتوبر على إسرائيل. كما يعقّد حلفاء إيران من غير الدول مسار إسرائيل والولايات المتحدة.

ولم تحقق إسرائيل بعد أهدافها المتمثلة في تدمير حماس وتحرير الرهائن الـ139 المتبقين الذين تحتجزهم (بما في ذلك جثث أولئك الذين قتلوا في عزة خلال القصف) بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر على الحرب. وتعزز التوترات المتصاعدة في الضفة الغربية موقف إيران المتشدد، رغم أن الغارات والاشتباكات الإسرائيلية مع المقاتلين الفلسطينيين تهدد بالتحول إلى تمرد لا يشمل حلفاء إيران مباشرة.

وأجبر حزب الله 100 ألف إسرائيلي على إخلاء شمال إسرائيل وفرض الإبقاء على عدد كبير من القوات العسكرية على طول الحدود. وشنّ المتمردون الحوثيون اليمنيون المدعومون من إيران هجمات على الشحن الدولي في البحر الأحمر، مما تطلّب التدخل الأميركي. وتبرز الضربات الصاروخية الإيرانية في الأسبوع الماضي في العراق وسوريا وباكستان شعور إيران بتفوقها أكثر من نيتها في تصعيد التوترات الإقليمية. وتشير إلى استعداد طهران للدفاع عن نفسها، حتى لو كانت لا تريد أن ترى أزمة غزة تتحول إلى قتال إقليمي.

وردّت الضربات على هجمات على أهداف إيرانية، بما في ذلك على تفجيرات تبنتها الدولة الإسلامية في مدينة كرمان أسفرت عن مقتل 94 شخصا، وعلى اغتيال قائد كبير في الحرس الثوري في سوريا، وعلى هجوم جماعة جهادية مقرها باكستان على مركز للشرطة الإيرانية. وتشير النقاط الساخنة المختلفة إلى أن المتشددين هم الذين يتخذون القرارات في الوقت الحالي.

ويرى محللون أنه يستحيل احتواء مختلف بؤر التوتر ومنعها من الخروج عن نطاق السيطرة، مع تواصل القتال في غزة. وقال الباحث في السياسة الخارجية الأميركية كريستوفر إس شيفيسإن "ضبط النفس، وتجنب حرب إقليمية أوسع نطاقا، سيكون أصعب في وضع تتصاعد فيه المشاعر بسبب العنف الشنيع في غزة". وأضاف "الحرب الإقليمية الأوسع ستكون النتيجة الأسوأ بالنسبة للمصالح الأميركية".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى