الضربة المشتركة.. أضعفت الحوثي أم مكنته؟

> محمد فيصل الدوسري:

> ​لطالما تساءلنا كيف أخرجت إدارة جو بايدن حين تسلمت السلطة ميليشيا الحوثي الإرهابية من قوائم الإرهاب الأميركية، في قرار سريع يتسم بالثقة والمناكفة لقرار إدارة دونالد ترامب، دون الأخذ بالاعتبار ردة فعل شركاء واشنطن الإقليميين، لنجد اليوم على النقيض تماما قرارا مترددا بل قد يراجع مستقبلا، لإعادة الحوثيين إلى قائمة الإرهاب لدواعي الهجمات على الملاحة الدولية في البحر الأحمر.

وهنا نتساءل من جديد عن ماهية قرارات واشنطن، وإن كانت مزدوجة المعايير بحسب ارتباط الأحداث بأمن الإمارات والسعودية؟ أو أمن إسرائيل؟ أو حتى أمن الولايات المتحدة الاقتصادي؟ في كل الأحوال، ضبابية السياسة الأميركية خدمت ميليشيا الحوثي الباحثة عن نافذة تتسلق من خلالها مشهد محور المقاومة.

ترددت واشنطن لأسابيع قبل أن تجبر على الرد على استهداف الحوثيين للسفن، والتردد علامة ضعف استغلها الحوثي ليحصل على صفة موازية لميليشيا حزب الله، على الأقل من حيث الأهمية في محور المقاومة التابع لإيران، فنطاق سيطرة حزب الله برغم كونه أداة رئيسية للنظام الإيراني محدود جغرافيا، ومعروفة أضراره، بينما الحوثي يستطيع تقويض أمن أحد أهم الممرات المائية في العالم، وهو ما يجعله مصدر إزعاج للتجارة العالمية.

وهو ما يسلط الضوء على السياسة الغربية تجاه ملف اليمن، فطريقة الإدارة الحالية مكنت الحوثي من إزعاج الغرب، دون إعطاء الدور المناسب للحكومة الشرعية أو المكونات الفاعلة على الأرض متمثلة في المجلس الانتقالي، لتلعب دورها في إحداث التوازن، وعلى العكس مكنت سياسات واشنطن والغرب الحوثيين ليصبحوا أداة إيرانية مهمة، عبر السيطرة على مواقع حساسة في البحر الأحمر المؤدي إلى قناة السويس.

وكان لإصرار الغرب، وخصوصا بريطانيا، على إبقاء ميناء الحديدة تحت سيطرة الحوثي بموجب اتفاق ستوكهولم، الأثر السلبي في تهديد الملاحة التجارية العالمية، فأمن قناة السويس مرتبط بأمن باب المندب. واستمرار تهديدات الحوثيين تعني التفاف السفن بحثا عن مسارات بديلة عبر رأس الرجاء الصالح، ما يعني زيادة الوقت والتكلفة. ولهذا، لا بد من إعادة تقييم شاملة للملف اليمني بشكل عام والحوثيين بشكل خاص، فلا يمكن قبول وجود أدوات لإيران تسيطر على منفذ يمر منه نحو 10 في المئة من التجارة العالمية، وهو يختلف للغاية عن التواجد الإيراني في سوريا والعراق ولبنان، من حيث التأثير على المصالح العالمية.

هجمات الحوثيين على الناقلات البحرية في البحر الأحمر ليست بجديدة، فلقد بدأت تتصاعد منذ العام 2017، سواء كانت كنتيجة لتداعيات الشأن اليمني، أو حتى تزامنت مع مختلف مراحل التصعيد في الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، ما مكن الحوثيين من إبرازها وكأنها عمليات مرتبطة في محور المقاومة، إلا أن السردية الواقعية تتمثل في كونها رسائل إيرانية عبر أدواتها المسيطرة على صنعاء، تحاول عبرها توجيه رسالة إلى إسرائيل بعدم التعرض للداخل الإيراني، وإلى الولايات المتحدة بأن تبقى في سياسة التساهل مع إيران مع إبقاء قواتها العسكرية بعيدا عن المنطقة.

تحالف “حارس الازدهار” ليس بجديد، فقد شكلت الولايات المتحدة عدة تحالفات خلال السنوات الماضية، تهدف إلى حماية أمن الملاحة البحرية من القرصنة والتهديدات الإيرانية. وبالرغم من ذلك، أثبتت الحلول الضيقة أنها غير مجدية، والموقف الراهن يستدعي إعادة التحالفات والتوازنات في اليمن. فبسبب حالة التردد الأميركية، أصبحت واشنطن أمام خيارات محدودة في مواجهة هجمات الحوثيين، فإما استمرارية الضربات الأميركية – البريطانية بفعالية أكبر، والتي قد تسهم في توسيع نطاق عمليات أدوات إيران في المنطقة. أو الخيار الآخر وهو تقديم الدعم العسكري واللوجستي والاستخباري للمكونات اليمنية المعارضة لوجود الحوثي، ولعل المجلس الانتقالي هو الأبرز، وخصوصا لو علمنا أن القوات المرتبطة به تمكنت من دحر الحوثي من الأراضي الجنوبية، وآخرها تحرير محافظة شبوة في مدة قياسية.

لم تتمكن الولايات المتحدة خلال مختلف الإدارات السابقة من ضبط السلوك الإيراني، بل مكنته من أدواته لفرض الهيمنة على عدة عواصم عربية، برغم وجود عوامل قادرة على إيجاد التوازن الإقليمي، بوجود حلفاء تاريخيين لواشنطن مثل الإمارات والسعودية ومصر والأردن. ومن هذه الزاوية نجد نقطة التقاء في مصالح واشنطن وطهران، فالسياسة الأميركية تريد احتواء إيران دون إضعافها في مواجهة خصومها، حتى اقتربت المنطقة من واقع جديد بقرب وصول إيران إلى العتبة النووية، وأصبح الهم الأميركي مرتبطا فقط بملفات بسيطة، مثل الإفراج عن المحتجزين الأميركان مقابل تسهيلات، كالإفراج عن أموال إيرانية مجمدة.

وكأن تحديات منطقة الشرق الأوسط المرتبطة بتصاعد نفوذ إيران الإقليمي، بميليشياتها وصواريخها الباليستية وقرب وصولها إلى القنبلة النووية، هي مخاطر بعيدة عن أولويات واشنطن طالما لا تمس الاقتصاد الأميركي بشكل مباشر، ما يضع نقطة الالتقاء الأكثر عمقا في خانة أكثر وضوحا، فيبدو أن واشنطن وطهران تتفقان على إبقاء المنطقة في حالة الأزمات والفوضى، وإبعادها عن طريق التقدم والتنمية، في علاقة عمل تتفق بشكل غير رسمي على المصالح المشتركة، ولو كانت في الظاهر تتسم بالعدائية، ولعل الضبابية الأميركية من زاوية إيجابية كانت سببا بارزا في مراجعة الدول العربية المحورية سياساتها الأمنية والسياسية والاقتصادية، لتنتقل من ضفة سياسة المحاور والعلاقات المحيرة، إلى ضفة واضحة عنوانها تنوع الشراكات والاقتصادات في الشرق والغرب.

العرب اللندنية

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى