كيف نقرأ تصريحات وزير الخارجية السعودي الأخيرة بشأن السلام في اليمن؟

> "الأيام" القدس العربي:

>
​من الطبيعي أن تثير التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، بشأن السلام في اليمن، اختلافًا وانقسامًا في الأوساط اليمنية، إذ صنعت الحرب طوائف ومصالح مرتبطة باستمرارها، وبالتالي فإن رفض هذه التصريحات هو نتاج طبيعي، فالحرب صارت مظلة اقتصادية لكثير ممن يرفعون شعار الحسم العسكري، متجاهلين الواقع الإنساني الذي يعيشه اليمنيون، وما يمكن أن تصنعه تسع سنوات أخرى من الحرب في بلد يعيش جراء سنوات الصراع التسع الماضية أسوأ مأساة إنسانية من صنع البشر، وفق الأمم المتحدة، وربما أن الواقع أسوأ من ذلك وفق تصنيف المواطن اليمني البسيط، الذي يحمل على كاهله تداعيات حرب توشك أن تدخل عامها العاشر.

وأكد وزير الخارجية السعودي، في مقابلة مع قناة فرانس 24، الإثنين، التزام المملكة بخارطة الطريق، التي اعتمدتها الأمم المتحدة في ديسمبر الماضي، بشأن السلام في اليمن، وأبدى دعمًا سعوديًا لتوقيع الحكومة وجماعة "أنصار الله" (الحوثيون) عليها في أقرب فرصة، موضحًا أنهم قد وصلوا فيها “إلى النقطة التي يقترب فيها هذا الانتهاء” على حد تعبيره، مؤكدًا: “سنستمر مع طريق السلام في اليمن”.

تمثل هذه التصريحات، في المقام الأول، نفيًا لتصريحات المبعوث الأمريكي لليمن، تيم ليندركينغ، التي قال فيها إن التوتر في البحر الأحمر أوقف مسار عملية السلام في اليمن، ونفيًا آخر لأي تأثير محتمل لقرار التصنيف الأمريكي للحوثيين على مسار الوساطة وجهود التسوية، إذ أكدت الرياض استمرارها في المضي بمسار السلام في اليمن كخيار يلقى دعمًا سعوديًا لا محدود، وهم بذلك (أي السعوديون) يؤكدون ما انتهجوه على مسار ردم فجوات الصراع في المنطقة، وهو المسار الذي أعلن عن نفسه بوضوح منذ التوقيع على اتفاق مع طهران لإعادة العلاقات الدبلوماسية في مارس 2023 بعد عقود من الخلاف الذي يمكن قراءته بوضوح فيما شهدته عدد من بلدان المنطقة ومنها اليمن، إذ أعلنت السياسة السعودية عن مرحلة جديدة في المنطقة، والدليل على ذلك ما تضمنته التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية السعودي بشأن إيران، إذ جاءت على قدر عال من الإيجابية، مما يؤكد التزامها بمسار واضح هو السلام وطي صفحة الصراع، باعتبار الاستقرار الطريق الأضمن لمضي الرياض صوب تحقيق رؤية 2030.

السؤال: كيف يمكن فهم هذا الموقف من السلام باليمن بعد كل ما شهده ويشهده البحر الأحمر من تصعيد صارت فيه واشنطن ولندن طرفًا في معركة ضد جماعة “أنصار الله”، الأمر الذي يمكن أن يذهب بالمنطقة والصراع إلى أبعد نقطة غير متوقعة؟

مراجعة مواقف الرياض مما شهده ويشهده البحر الأحمر منذ أكتوبر الماضي، تكشف بجلاء وضوح رؤيتها لما يجري، فقد التزمت بموقف نأت فيه بنفسها عن أي استقطاب، إذ رفضت أن تشارك في أي عملية عسكرية، كما لم تسمح باستخدام أراضيها منطلقًا لعملية عسكرية ضد اليمن، مع بعض الشائعات عن استخدام أجوائها، وهو أمر لم تؤكده مصادر رسمية سعودية.

كما أن تصريحاتها في المجمل في كل مرحلة من مراحل التصعيد في المنطقة تؤكد تغليبها مصالحها السياسية والاقتصادية، وهي المصالح التي باتت مرتبطة بدرجة أولى بالاستقرار بالمنطقة، إذ باتت الرياض موقنة أن لا نماء يمكن المراهنة عليه دون استقرار حقيقي.

في الجانب الآخر، التزمت الرياض بموقف سياسي واضح من الأزمة والحرب الإسرائيلية على غزة، إذ تؤكد دائمًا أن حل أزمة البحر الأحمر مرتبط بإيقاف العدوان الإسرائيلي على غزة، باعتبار المشكلة في غزة، وليست في البحر الأحمر.

العامل الثاني في قراءة هذه التصريحات، هو أن جهود سلطنة عمان استطاعت خلال العام الماضي أن تحقق اختراقًا حقيقيًا في جدران العلاقة بين الحوثيين والرياض، وصولاً إلى تبادل الزيارات وذوبان جليد نقاط الخلاف، وتعدد جولات المفاوضات، وصولاً إلى إطلاق خارطة طريق للسلام والتسوية في اليمن، وتسليم مسودة الخارطة للمبعوث الأممي هانس غروندبرغ، وإعلان الأخير توافق الأطراف اليمنية على بعض الترتيبات بشأنها، وكان يتوقع أن يتم الترتيب لحفل التوقيع عليها مستهل العام 2024.
كما ترتب على ذلك تطور في الخطاب السياسي لجماعة “أنصار الله” والرياض، يؤكده ما يصدر عن الناطق الرسمي باسم الجماعة، محمد عبد السلام، والتزامه بخطاب متزن وهادئ وإيجابي في حديثه عن الرياض، وهو ما لم يكن في خطاب الجماعة قبل ذلك منذ بدء الحرب عام 2015 وهو ذات الأمر في خطاب الرياض الدبلوماسي، وبالتالي فالرياض لن تنسف تلك الجهود، وتعود بكل ذلك إلى نقطة الصفر.

العامل الذي نذهب من خلاله لاعتبار تصريحات وزير الخارجية السعودي تتسق تمامًا مع موقف الرياض الرافض للحرب، وهو الموقف الذي التزمت من خلاله برفض قاطع لاستئناف الحرب، بدليل حادثة هجوم الحوثيين بمسيرات على موقع عسكري جنوب المملكة في سبتمبر 2023، إلا أن ذلك الحادث لم يدفع بالرياض إلى اتخاذ موقف منفعل تجاه الجماعة، بل استمرت الرياض في التزام رفضها لاستئناف الحرب، انطلاقًا من قناعتها أن الحرب لا يمكن لها أن تذهب باليمن إلى تحقيق أي نتائج إيجابية، إذ قد خاضت الرياض، على رأس تحالف، حربًا مدمرة لمدة ثماني سنوات في اليمن، ولم تحقق نتائج يكمن المراهنة عليها، بل كان الدمار هائلاً والخلاف بين اليمنيين واسعًا.

على صعيد جديد موقف الحوثيين من مسار السلام، نجد الجماعة متقاربة في وجهات النظر مع الرياض، إذ قال عضو المكتب الساسي للجماعة، حزام الأسد، في تصريحات صحافية، أمس الثلاثاء: “بالنسبة لمسارات التفاوض مع الجانب السعودي مستمرة، وهنالك خطوات إيجابية وملموسة، ونأمل أن يصل الوضع إلى اتفاق وشيك إن شاء الله”.

على صعيد ردود الفعل اليمنية، فمن الجانب المتفق مع التصريحات يعتبر رئيس المجلس الأعلى للحراك الثوري لتحرير واستقلال الجنوب، فؤاد راشد، أن السلام في اليمن وفق خارطة الطريق أمر مطلوب وملح. وقال: “في ظل انكماش عملية السلام في اليمن عقب الأحداث الاخيرة يأتي تصريح وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان اليوم مفاجئًا بكل المقاييس، إذ قال بوضوح إن اتفاق السلام في اليمن بات وشيكًا”.

وأضاف: “السلام وفق خارطة الطريق التي أعلنها المبعوث الدولي هو الخطوة الأولى نحو تهدئة الأوضاع، وهو أمر مطلوب وملح”.

بينما في الطرف الآخر أعرب الصحافي منير الماوري عن استغرابه قائلا: “الحوثيون يُصنفون إرهابيين، واليوم نسمع عن اتفاق وشيك بين الشرعية والحوثيين، والعمليات على الحدود والبحر الأحمر مستمرة، شيء يثير التعجب”.

على صعيد التوتر في البحر الأحمر، أصدرت هيئة الموانئ والمناطق الحرة في جيبوتي بيانًا أكدت فيه النجاح في إنقاذ طاقم السفينة البريطانية روبيمار التي تحمل علم بليز، وأعلن الحوثيون، أمس، استهدافها بصواريخ. وقال البيان إن “السفينة تعرضت لهجوم جنوب البحر الأحمر الساعة 10:45 مساءً (الأحد)، مما اضطر القبطان والطاقم إلى مغادرة السفينة لأسباب تتعلق بالسلامة”.

وقالت: “تمت مساعدة ما مجموعه 24 من أفراد الطاقم من خلال سفينة عابرة. وكان أفراد الطاقم: 11 سورياً، 6 مصريين، 3 هنود، و4 فلبينيين”.

وأشارت إلى “أن السفينة تحمل على متنها 21.999 طنًا متريًا من الأسمدة فئة أي إم دي جي 5.1(خطيرة جدًا). وهي الآن مهجورة في باب المندب. تم إيقاف نظام تحديد الهوية الآلي، ولا نعرف إحداثيات روبيمار”.

فيما أفاد بيان القيادة المركزية الأمريكية أنه “بين الساعة 9:30 والساعة 10:45 مساءً، يوم 18 فبراير، تم إطلاق صاروخين باليستيين مضادين للسفن من المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن، باتجاه سفينة إم في روبيمار، وهي ناقلة بضائع مملوكة للمملكة المتحدة وترفع علم بليز. وأصاب أحد الصواريخ السفينة مما أدى إلى وقوع أضرار. أصدرت السفينة نداء استغاثة واستجابت سفينة حربية تابعة للتحالف مع سفينة تجارية أخرى للنداء لمساعدة طاقم السفينة MV Rubymar. وتم نقل الطاقم إلى ميناء قريب بواسطة السفينة التجارية”.

إلى ذلك أعلنت جماعة “أنصار الله” (الحوثيون) أن “العدوان الأمريكي البريطاني
شن، غارة على مديرية الضحي بمحافظة الحديدة (غرب)”. وقالت وكالة الأنباء سبأ التي يديرها الحوثيون “إن العدوان استهدف بغارة مزرعة سردود في منطقة الكدن بمديرية الضحي”.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى