اليمنيون لأطراف الحرب: افتحوا الطرقات

> «الأيام» العربي الجديد:

> تسع سنوات من الحرب في اليمن ضاعفت حجم المعاناة التي يواجهها المدنيون في هذا البلد الذي يعاني من أكبر كارثة إنسانية في العالم. ويأتي قطع الطرق بين المحافظات والمدن اليمنية الرئيسية في مقدمة ما يعانيه اليمنيون، والذين يلجأون إلى طرق فرعية بديلة تمتاز بطول المسافة والخطورة وتضاعف التكاليف المالية للسفر عبرها. وطوال السنوات الماضية عجزت الأمم المتحدة عن التوصل إلى اتفاق بين أطراف الحرب في اليمن، ممثلة بالحكومة الشرعية المعترف بها دولياً وجماعة الحوثيين لفتح الطرقات أمام المسافرين.

اليمنيون وحملة "افتحوا الطرقات"

ومع اقتراب حلول شهر رمضان (يبدأ في الأسبوع الثاني من مارس/ آذار المقبل)، ينظم اليمنيون حملة واسعة في مواقع التواصل الاجتماعي لمناشدة أطراف الحرب المبادرة بفتح الطرقات أمام المواطنين للتخفيف من الأعباء التي يواجهونها في التنقل بين المحافظات والمدن.

ويتفاعل اليمنيون مع "هاشتاغات" (وسوم) عدة خاصة بالحملة المطالبة بفتح الطرقات، مثل (افتحوا الطرقات) و(افتحوا الطرق) و(الطريق حق إنساني)، وجميعها تطالب بفتح الطرقات من زاوية إنسانية بعيداً عن السياسة.

تعز الأكثر تضرراً

تعد محافظة تعز أكثر المحافظات اليمنية من حيث عدد السكان، حيث يقترب عدد سكانها من خمسة ملايين نسمة، وهي أيضاً أكثر المحافظات تضرراً من إغلاق الطرق. ويفرض الحوثيون حصاراً خانقاً على مدينة تعز من ثلاثة اتجاهات، وللمدينة منفذ وحيد مستحدث يربط تعز بمدينة عدن عبر طريق يمر جنوباً بمدينة التربة والذي يمتد لست ساعات، بعد أن كان الطريق الرسمي الواصل بين المدينتين يستغرق ساعتين فقط.

الحصار المفروض على مدينة تعز قيّد حرية تنقل المواطنين، وأعاق تدفق وصول السلع الأساسية والمواد الغذائية والأدوية، ووصول المساعدات الإنسانية إلى سكان المدينة، وأجبر المدنيين على استخدام طرق فرعية بديلة تمتاز بطولها ووعورتها وخطرها.

منذ تسع سنوات وأبناء تعز يطالبون بحرية التنقل لمنع مزيد من التدهور في الأزمة الإنسانية الخطيرة أصلاً في تعز، فالكثير من المرضى الذين يحتاجون للغسيل الكلوي بشكل دوري يضطرون للسفر لأكثر من سبع ساعات بهدف الوصول إلى المستشفى في قلب المدينة. ويضاعف ذلك التكاليف المالية لتنقلاتهم ويزيد تدهور حالاتهم الصحية نتيجة العبور في طرق طويلة ووعرة، وقد فقد عدد من المرضى حياتهم نتيجة هذه الصعوبات.  

ويقوم مسلحو جماعة الحوثيين بإغلاق الطريق الشمالي لمدينة تعز باتجاه منطقة الحوبان. هذا الطريق يربط تعز بعدد كبير من المحافظات، أبرزها صنعاء وإب وذمار وعدن، وكان الانتقال من وسط المدينة إلى منطقة الحوبان يستغرق 10 دقائق فقط، لكنه الآن يستغرق حوالي ست ساعات.

ويضطر الأهالي لعبور طريق التفافي عبر منطقة الأقروض جنوباً، والتوجه شرقاً ومن ثم إلى الحوبان. هذا الطريق غير مُعبّد في أجزاء منه، كما أنه ضيّق جداً في بعض المناطق، وهو طريق جبلي خطير، ما يتسبب بحصول حوادث بشكل دائم. يمتد الطريق البديل لأكثر من 60 كيلومتراً، كما أنه مليء بنقاط التفتيش التابعة للحكومة الشرعية والحوثيين.


يغلق الحوثيون أيضاً طريق تعز ـ عدن في منطقتي الحوبان والراهدة، ما جعل الأهالي يلجأون إلى طريق هيجة العبد، جنوب تعز، وهو طريق طويل وغير مُعبّد في أجزاء منه. وكانت الرحلة من تعز إلى عدن عبر هذا الطريق تستغرق ساعتين، لكنها الآن تستغرق ست أو سبع ساعات.

من هذا الطريق، تمرّ السيارات الخصوصية وسيارات النقل وشاحنات نقل البضائع. ولأن طريق هيجة العبد خطير جداً، يرتفع عدد الحوادث التي تحصل عليه بشكل شبه يومي، لكنه شريان الحياة الوحيد للمدينة.

ويقول المواطن مروان الشميري، لـ"العربي الجديد": "سافرت العام الماضي في عيد الفطر من صنعاء مع أسرتي لحضور عرس شقيقي في تعز، وهي أول رحلة سفر لتعز منذ بدء الحرب، وتعرضنا لمضايقات في نقاط التفتيش، وحين وصلت إلى الطريق الوعر في منطقة الأقروض انقلبت السيارة، وبرحمة الله لم تحدث إصابات خطيرة وتم رفع السيارة وسحبها، وكادت فرحة الأسرة تتحول إلى مأتم". ويضيف: "منذ ذلك الحين، قرّرت ألا أسافر إلى تعز إلا بعد فتح الطريق الرئيسي".

فتح طريق صنعاء ـ مأرب

وأعلنت الحكومة اليمنية، أمس الأول الخميس، فتح طريق مأرب ـ صنعاء المغلق منذ 9 سنوات، داعية الحوثيين إلى اتخاذ خطوة مماثلة لرفع المعاناة عن المواطنين. وأعلن عضو مجلس القيادة الرئاسي، محافظ مأرب، سلطان العرادة، أمس الأول الخميس، "فتح طريق مأرب ـ صنعاء"، آملاً "أن يقوم الطرف الآخر (جماعة الحوثي) بخطوة مماثلة لتسهيل تنقلات المواطنين". وأوضح العرادة أن إعلان فتح هذا الطريق "جاء بالتشاور مع القيادة السياسية والعسكرية. وأكد "أهمية فتح جميع الطرقات المغلقة في اليمن، من بينها الطريق المؤدي إلى مدينة تعز، من أجل رفع المعاناة عن المواطنين".

وفي أول تعليق من الحوثيين على الخطوة، اعتبر عضو المجلس السياسي الأعلى للجماعة محمد علي الحوثي، أنه "من الجيد إنهاء الحصار على صنعاء... بإعلان فتح طريق مأرب ـ صنعاء". لكنه دعا الطرف الآخر أولاً إلى "فتح المنافذ الأخرى وفك الحصار عن بقية الطرقات في جميع المحافظات وإزالة عسكرة الطرقات". وتابع: "ندعوهم كذلك إلى الإفراج عن المختطفين من الطرقات التي تم القبض عليهم فيها أثناء العبور وهم مسافرون، لتعزيز ثقتهم بجدية الخطوة في هذه الطرقات".

وكان إغلاق الطريق يضطر المدنيين لعبور طرق بديلة عبر الصحراء. ويبلغ طول الطريق الرسمي بين صنعاء ومأرب 170 كيلومتراً، ويمر من صنعاء إلى مفرق الجوف ثم منطقة الجدعان وصولاً إلى مأرب، ويتم قطعه بحوالي ثلاث ساعات. غير أن الطريق البديل يمتد لـ250 كيلومتراً، ويتم قطعه في سبع ساعات، حيث يمر من صنعاء إلى منطقة نهم ثم مفرق الجوف ثم الحزم وصحراء الجوف وصولاً إلى مأرب، وهو طريق أيضاً خطير يتعرض فيه المسافرون لخطر أن يتعرض لهم المسلّحون في الصحراء، وكذا الانقطاع داخل الصحراء وغرق عجلات السيارة وتعطلها.

كما أن الطريق الرئيسي من مأرب إلى مديرية الجوبة يمتد لـ48 كيلومتراً، وكان يتم قطعه في حوالي 40 دقيقة، غير أن إغلاقه أجبر المواطنين على استخدام طريق بديل بطول 445 كيلومتراً ويتم قطعه في 15 ساعة.

كما تم قطع طريق مأرب ـ البيضاء، وسط البلاد، من قبل السلطات نفسها، وهو ما يفاقم معاناة المسافرين الذين يضطرون للعبور في طرق فرعية بديلة. المواطن محمود الصلوي يقول لـ"العربي الجديد"، إنه خلال عودته من السعودية اضطر إلى عبور طريق فرعي يمرّ في صحراء الجوف، وفي الصحراء تعطلت السيارة، ما جعلهم ينتظرون يوماً ونصف اليوم، قبل أن تمر سيارة أخرى بالصدفة من المكان ذاته، ويساعدهم ركّابها في إصلاح السيارة".

تبادل اتهامات بين صنعاء والحكومة الشرعية

ويقول المتحدث باسم جماعة الحوثيين محمد عبد السلام، لـ"العربي الجديد"، إن الطرق المغلقة كانت نتيجة الحرب العدوانية التي استهدفت اليمن من قبل تحالف العدوان الأميركي السعودي الإماراتي البريطاني، بحسب تعبيره. ويلفت إلى أنه "خلال الهدنة (إبريل/ نيسان 2022)، تمّ نقاش فتح الطرق، وقد أكدنا عبر الوساطة الأممية على فتح الطرقات في عموم المحافظات اليمنية التي بها طرق مغلقة".

ويُضيف عبد السلام أن "هناك وساطات تقودها شخصيات اجتماعية وقبلية لفتح الطرق، ولا يوجد أي مانع لذلك من طرفنا، على أن تفتح الطرق دون انتقائية، أو للاستفادة منها بدوافع عسكرية، وإنما تفتح لدوافع إنسانية، وتسهيل حركة المرور والتنقل دون قيود، خصوصاً التي يحتاجها المواطنون للتنقل والحركة وتمثل أولوية، وكذلك دون أن تحدث إشكالات تؤثر على التهدئة العسكرية أو تسمح بعودة الاشتباك".

وعلى الرغم من أن هدنة إبريل 2022، والتي رعتها الأمم المتحدة، قد تضمنت بنداً لمبعوثها الخاص إلى اليمن هانس غروندبرغ، بدعوة "الأطراف إلى اجتماع للاتفاق على فتح طرق في تعز وغيرها من المحافظات لتيسير حركة المدنيين من رجال ونساء وأطفال"، إلا أنه لم يتم التوصل إلى اتفاق في هذا الخصوص حتى الآن.

وفي أعقاب المفاوضات التي جرت في عمّان في 3 يوليو/ تموز 2022، نشر مكتب المبعوث الخاص خططاً لإعادة فتح الطرق على مراحل في تعز للمساعدة في تخفيف معاناة المدنيين، لكن سلطات جماعة الحوثيين رفضت الاقتراح.

يقول المفاوض باسم الشرعية في ملف حصار تعز علي الأجعر، لـ"العربي الجديد"، إنّ "من يمنع فتح الطرقات هم الحوثيون الذين وقّعنا معهم أكثر من اتفاق، وهم يرفضون فتح طرقات تعز من منطلق استخدامها لتركيع وإذلال المواطنين في تعز، وهذه الحقيقة يجب أن تكون واضحة لدى كل الناس".

ويضيف الأجعر أنه حالياً "لا توجد مفاوضات بهذا الخصوص بعدما توقفت، وآخر لقاء كان بيننا وبين الحوثيين في عمّان، وكنا اتفقنا على أن يقرر المبعوث الأممي مقترح ثلاثة طرق، وأخذت موافقتنا كفريق السلطة الشرعية، وطلب الطرف الآخر أن ينتقلوا مع المبعوث إلى صنعاء حتى يتم التوقيع بصنعاء، وقبلنا بهذا المقترح أيضاً، وحين وصل المبعوث إلى صنعاء لم يوقع معه الحوثيون".

ويتابع الأجعر: "كان المزعج لنا أن المبعوث الأممي لم يقدم توضيحاً حول الجهة الرافضة للاتفاق، وظل صامتاً من منطلق الموقف الحيادي الذي لا يخدم الناس، ونحن نقدم مبادرات بشكل دائم". ويعرب عن اعتقاده بأن "الآن الوقت مناسب، على اعتبار أن ما يحصل من إضرار للملاحة الدولية في البحرين الأحمر والعربي يجب أن يحرّك قضية تعز، وعلى السلطة الشرعية أن تتحمل هذه المسؤولية وبالذات في طرح أن هناك مدينة محاصرة منذ تسعة أعوام، وقد تم الاتفاق مع الطرف الآخر في أكثر من مرة ووقعنا اتفاقيات لكنهم لم يحركوا ساكناً في قضية العمل الفعلي لتحويل الاتفاق إلى سلوك بفتح الطرقات".

ويشير الأجعر إلى أن "الظرف الموضوعي الآن أفضل من أي وقت، على اعتبار أن الدول التي كانت تغض الطرف عن سلوك الحوثيين بقضية حصار تعز تدفع اليوم الثمن، ويجب على الحكومة الشرعية أن تطرح قضية حصار تعز وتتبناها في المحافل الدولية".

وعلى الرغم من أن خريطة الطريق الأممية الخاصة بالمبعوث الأممي إلى اليمن تتضمن عدداً من الملفات، تبدأ بالملف الإنساني الهادف إلى تخفيف المعاناة عن الشعب اليمني، ويتضمن فتح الطرقات والمطارات والموانئ وتبادل الأسرى والمعتقلين والمختطفين، يلحقه الملف العسكري ثم السياسي، إلا أنه لم يتم فتح الطرقات حتى الآن، لتبقى هذه الأزمة معلقة إلى أجل غير مسمى.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى