الذكر الحكيم

>
الناس مع القرآن

إن مَثَلَ القرآن، ومَثَلَ الناس في هذا الزمان، هو كثلاثة مسافرين تَاهُوا في الصحراء بليل مظلم! صحاري وظلمات لا أول لها، ولا آخر! فبينما هم كذلك إذ شاهدوا في السماء نجمًا مُذَنَّبًا لاَهِبًا، لم يزل يخرق ظلمات الأفق بنوره العظيم، حتى ارتطم بالأرض! فافترقوا ثلاثتهم إزاءه على ثلاثة مواقف:

فأما أحدهما فلم يُعِرْ لتلك الظاهرة اهتمامًا، بل رآها مجرد حركة من حركات الطبيعة العشوائية!

وأما الآخران فقد هرعا إلى موقع النَّيْزَكِ فالتقطا أحجاره المتناثرة هنا، وهناك.. وكانا في تعاملهما مع تلك الأحجار الكريمة على مذهبين: فأما أحدهما فقد أُعْجِبَ بالحجر؛ لِمَا وجد فيه من جمال، وألوان ذات بريق، وقال في نفسه: لعله يستأنس به في وحشة هذه الطريق المظلمة، ثم دسه في جرابه، وانتهى الأمر!

وأما الآخر فقد انبهر كصديقه بجمال الحجر الغريب! وجعل يقلبه في يده، ويقول في نفسه: لا بد أن يكون هذا المعدن النفيس القادم من عالم الغيب يحمل سِرًّا! لا يجوز أن يكون وقوعه على الأرض بهذه الصورة الرهيبة عبثًا! كلاَّ كلاَّ! لا بد أن في الأمر حكمةً ما! ثم جعل يفرك حجرًا منه بحجر، حتى تطاير من بين معادنه الشَّرَر! وانبهر الرجل لذلك؛ فازداد فركًا للحجر، فازداد بذلك تَوَهُّجُ الشَّرَرِ، وجعلت حرارة معدنه تشتد شيئًا، فشيئًا؛ حتى وجد ألم ذلك بين كفيه! بل جعلت الحرارة الشديدة تسري بكل أطراف جسمه، وجعل الألم يعتصر قلبَه، ويرفع من وتيرة نبضه! لكنه صبر، وصابر، فقد كان قلبه -رغم الإحساس بالألم، والمعاناة- يشعر بسعادة غامرة، ولذة روحية لا توصف! وما هي إلا لحظات حتى تحول الحجر الكريم بين يديه إلى مشكاة من نور عظيم! ثم امتد النور منها إلى ذاته، حتى صار كل جسمه سَبِيكَةً من نور، وكأنه ثريا حطت سُرُجَهَا، ومصابيحَها على الأرض! وجعل شعاع النور يفيض من قلبه الملتهب، فيعلو في الفضاء، ويعلو، ثم يعلو، حتى اتصل بالسماء! كان الرجل يتتبع ببصره المبهور حبل النور المتصاعد من ذاته نحو السماء، حتى إذا اتصل بالأفق الأعلى تراءت له خارطة الطريق في الصحراء! واضحة جلية، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك! ووقع في قلبه من الفرح الشديد ما جعله يصرخ، وينادي صاحبيه معًا: أخويَّ العزيزين! هَلُمَّا إِليَّ! إِليَّ! لقد وجدت خارطة الطريق! لقد من الله علينا بالفرج! أخويَّ العزيزين! اُنْظُرَا اُنْظُرَا! هذا مسلك الخروج من الظلمات إلى النور! شَاهِدُوا شُعَاعَ النورِ المتدفق من السماء، إنه يشير بوضوح إلى قبلة النجاة! فالنجاةَ النجاةَ!

أما الذي احتفظ بقطعة من الحجر في جرابه، فلم يتردد في اتباع صاحبه، والاقتداء بهديه؛ لأنه كان يؤمن بأن لهذا المعدن الكريم سِرًا! ولقد أبصر شعاعه ببصيرة صاحبه، لا ببصيرة نفسه!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى