الذكر الحكيم

>
الناس مع القرآن

وأما الأول الذي لم ير في النجم الواقع على الأرض شيئًا ذا بال؛ فإنه رغم نداء صاحبه له لم يبصر شيئًا من أمر الشعاع المتدفق بالهدى! لقد كان محجوبًا باعتقاده الفاسد، فلم تَعْكِسْ مِرْآةُ قلبِه الصَّدِئَةُ نورًا! ولذلك لم يصدق من نداء صاحب النور شيئًا من كلامه، بل اتهمه بالجنون، والهذيان! ومضى وحده يخبط في الصحراء، ضاربًا في تيه الظلمات وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ [النور من الآية: 40].

ثم انطلق الرجلان المهتديان يسيران في طريق النور، وإنما هما تابع، ومتبوع، فالمتبوع داعية يرى بنور الله، ويسير على بصيرة من ربه؛ بما كابد من نار الحجر، وشاهد من نوره! والثاني مؤمن بالنور مصدق بدعوة صاحبه، يسير على خطاه، وهديه، ولكنه يكابد في سيره عثرات من حين لآخر، وهَنَاتٍ، وذلك بسبب ما يلقي إليه الشيطان من وساوس، ومخاوف! وليس لديه ما يدفع به كيد الشيطان إلا ما يتلقى عن صاحبه! وبينما هما كذلك يسيران مطمئنين في طريقهما، إذْ سأل الرجلُ التابعُ صاحبَه المتبوع، فقال: أناشدك الله أن تخبرني كيف اكتشفت سر النور في هذا الحجر الكريم! لكن صاحب النور وجد أن اللغة عاجزة عن بيان حقيقة النور لصاحبه، فما كان منه إلا أن دس قطعة من الحجر الذي كان بين يديه في كف السائل؛ فصرخ الرجل من شدة حر الحجر الكريم، والتهابه! وجعل يقلبه بين يديه، ثم ألقاه بسرعة في كفه صاحبه! لكن صاحب النور قبض عليه بيد ثابتة مطمئنة! فعجب منه رفيقه، وقال: إنما أنت قابض على الجمر!

قال: نعم، هو كذلك! إنه القبض على الجمر! لكن لذة الروح بما يشاهد القلب من نور، وبما يجد من سعادة غامرة؛ ترفع عن الجسد الشعور بالألم، وتمنع حدوث الاحتراق! وإن نار الشوق، والإيمان لهي أقوى ألف مرة ومرة من نار الكفر والفسوق والعصيان! ولو وقعت الأولى على الثانية؛ لجعلتها سلامًا، وأمانًا على قلب العبد المؤمن قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ * قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلاَمًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأَخْسَرِينَ [الأنبياء: 68-70].

نعم يا رفيقي في طريق النور! إن مكابدة القرآن في زمان الفتن، والصبر على جمره اللاَّهِبِ في ظلمات المحن؛ تلقيًّا، وتزكيةً، وتدارسًا، وسيرًا به إلى الله في خلوات الليل؛ هو وحده الكفيل بإشعال مشكاته، واكتشاف أسرار وحيه، والارتواء من جداول روحه، والتطهر بشلال نوره، النور المتدفق بالحياة على قلوب المحبين، فيضًا ربانيًا نازلًا من هناك، من عند الرحمن، الملك الكريم الوهاب.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى