في نقد الثورة الجنوبية

> من دون أدنى شك لا يمكن للسلبيات والمآخذ التي رافقت مسيرة الثورة الجنوبية والتي لم نتوان مع آخرين من نقدها وتفنيدها، أن تنال من عظمتها وشموخها سواءً في حراكها السلمي أو في مقاومتها للاحتلال اليمني أو حتى اليوم على طريق مواصلة نضال شعب الجنوب من أجل استكمال أهدافه.

لقد جرت ولا تزال كثيرًا من المحاولات المتجددة للأحزاب اليمنية واتباعها في الجنوب من المتيمننين سياسيًّا منذُ ظهور إرهاصات الرفض الجنوبي للاحتلال اليمني بعد غزو 1994 للتقليل من جدوى الثورة ورفض الوحدة مع اليمن، لكنها ظلت تسير في خط تصاعدي رغم فشل محاولات تشكيل جبهة وطنية جنوبية في فترات سابقة بسبب المؤامرات وعمليات الاختراق للحراك السلمي بالمال ورشاوي التعيينات في أحيان أخرى وكذلك بالإسقاط المظلي لعناصر اشتراكية وإخوانية من دعاة اليمننة في وسط الحراك، ومع كل ذلك لم يتمكنوا من النيل من الجسم الصلب للثورة الجنوبية المتمثل بالجماهير.

لقد صمدت الثورة الجنوبية وحققت إنجازات شاخصة للعيان لا يمكن تجاهلها ليس أقلها هزيمة الغزو الحوثوعفاشي وتحرير الجزء الأكبر من أرض الجنوب من الاحتلال اليمني في 2015، لذلك فإن كل محاولة للانتقاص من شأنها ليس إلا كلمة حق يراد بها باطلًا.

ومع ذلك علمتنا جدلية التاريخ أن الثورات والأحداث السياسية الكبيرة التي تحدث التغيير وتضع حدًّا فاصلًا بين ما قبلها وما بعدها لا يمكن أن يتم الإجماع والتوافق على نتائجها مهما كانت، لأن النتائج تصبح خاضعة لتقييم وجهات نظر أطراف القوى المتصارعة، ومن الطبيعي أن تخضع إنجازات الثورة الجنوبية لوجهات النظر المختلفة لكن كل ذلك لم يغير من الواقع شيئًا سوى أنها محاولات من البعض للتقليل من شأنها بمحاولة إبراز وتعظيم سلبياتها وإخفاء مميزاتها وتناسيها.

لكن من المهم أن يدرك الحريصون على مستقبل الجنوب أن معظم القوى الجنوبية لا خلاف بينها حول هدف الاستقلال والذي لا يمكن تجاوزه، مع التأكيد على أن الثورة الجنوبية كان لها الفضل الأكبر في تحرير الجنوب أقلها عسكريا من أسوأ احتلال يمني ومن تحت سطوة القمع العنصرية والتدمير الممنهج لكل ماله علاقة بالتاريخ والثقافة الجنوبية والإقصاء والتغوّل في يمننة الجنوب قل مثيله عبر التاريخ في جميع المجالات السياسية والاجتماعية والأمنية والتعليمية والإعلامية والمدنية وهذا أيضا أمرًا لا خلاف عليه، ومن الطبيعي أن يشوب هذا التحول الكبير خللًا هنا وآخر هناك مصدره تصرفات فردية أو توجهات فئوية أو حتى مناطقية لا تمت للتوجه العام للثورة الجنوبية بصلة، وكذلك العجز في فهم آلية ووسائل عمل تسيير العمل السياسي لدى قيادات جنوبية ليس من المنطق أن يتم ربط تقييم ثورة شعب متعطش للحرية والاستقلال قدم خلالها تضحيات جسامًا بإدارة فاشلة وقيادات تتسبب يوميًّا بفشل في الخدمات وتأخر في الرواتب لأننا فقط لا نستطيع محاسبة مسؤول إداري هنا أو فساد قيادات الأجهزة والمؤسسات المدينة والعسكرية هناك لكون القائمين عليها كانوا مناضلين أو من هذا الطرف أو ذاك.

إن مجرد تكلل الثورة الجنوبية بتحرير معظم الأراضي الجنوبية هو إنجاز تاريخي تحقق لشعب الجنوب، وما يظهر على السطحِ من نتوءآت واختلالات أمنية وفشل تسيير اقتصادي أو سياسي أما بسبب فساد أو حتى عنوة يقدم لنا إشارات تحذيرية عن المخاطر الكبيرة التي تحيط بأهداف هذا الشعب ولعله قد حان الوقت من أجل وضع الحلول وتصحيح الثورة نفسها وتحصين مسارها بإبعاد من تسلقوا على ظهر القضية الجنوبية وأصبحوا يتصرفون بنزوات صبيانية ستقود إلى النيل من أهداف ثورة الشعب الجنوبي وتعطيل سيره في سبيل تحقيق أهدافها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى