المفاوضات

> د. صالح حسين الوالي:

>
ما هي النتائج المتوقعة والمترتبة على المفاوضات بين حكومتي الرياض وصنعاء؟ وهل يمكن أن يتفاوض أنصار الله مع الشرعية اليمنية/ المجلس الانتقالي؟ وماهي النتائج المترتبة عن تلك المفاوضات على استعادة دولة ( ج ي د ش)؟

في البدء إنه لمن الصعوبة بمكان الوقوف على مآلات الحرب في اليمن" حرب تلد حربًا" 1990م/ 2024م، لكن سنتطرق باقتضاب عن المفاوضات بين الرياض وصنعاء من جهة، ورفض صنعاء التفاوض مع الشرعية اليمنية من جهة أخرى، وما هي نتائج المتفاوضين على دولة (ج ي د ش)؟

اختصارًا نستعمل مصطلح "الشرعية" لتعريف الشرعية اليمنية والمجلس الانتقالي بعد انضمام الانتقالي للشرعية اليمنية.

بعد انتهاء الحرب اليمنية/ اليمنية الأولى سنة 1972م بين جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية بدأت المفاوضات بينهما ( 1972/ 1990م) تكللت بالإعلان عن قيام الجمهورية اليمنية في 22 مايو 1990م.

ونتج عن تلك الوحدة فشل المرحلة الانتقالية بإعلان الرئيس علي عبدالله صالح الحرب في 27 أبريل 1994م على شريكه بالوحدة، أطلق عليها "حرب الردة والانفصال" وإصدار فتوى تكفير شعب الجنوب وتم تصفية دولة "ج ي د ش".

ونتيجة لثورة 11 فبراير 2011م فشلت المفاوضات بين النظام الحاكم وأحزاب اللقاء المشترك، وطلبا تدخل مجلس التعاون الخليجي وقدم المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية.

وبموجبهما فشل مؤتمر الحوار الوطني، وتفاوض الرئيس عبدربه منصور هادي وصالح الصماد رئيس اللجنة الثورية لأنصار الله، ووقعا اتفاق السلم والشراكة الوطنية في 21 سبتمبر 2014م، لكن الاتفاق فشل باستقالة الرئيس هادي وهروبه إلى عدن وتراجع عن استقالته.

وبتاريخ 24 مارس 2015م بعث الرئيس هادي رسائل إلى مجلس الأمن الدولي ودول مجلس التعاون الخليجي، وجامعة الدول العربية، يطلب التدخل عسكريًا.

وبتاريخ 26 مارس 2015م/ 2024م انطلقت عاصفة الحزم أتت على الأخضر واليابس. ونتيجة لفشل عودة الشرعية عسكريًا إلى صنعاء، تجري المفاوضات منذ ثلاث سنوات بين الرياض وأنصار الله بواسطة سلطنة عمان وبسرية تامة.

والجدير بالذكر عندما يبدأ التفاوض بين طرفين أو أكثر يسبق ذلك الاعتراف المتبادل بين المتفاوضين بمعنى أن الرياض عندما بدأت التفاوض مع أنصار الله، سحبت اعترافها من الحكومة الشرعية المعترف بها دوليًا، مثال عندما قررت بريطانيا منح  الجنوب العربي الاستقلال سحبت اعترافها من اتحاد الجنوب العربي التي أنشأته في 11 فبراير 1959م، وتفاوضت مع الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل، ومثال آخر عندما عقد مؤتمر مدريد للسلام عام 1991م، اعترفت منظمة التحرير الفلسطينية بإسرائيل قبل التفاوض.

وفي ضوء ذلك يبرز السؤال ماهية المفاوضات المستمرة بين الرياض وصنعاء بدون مشاركة  الشرعية أو معرفتها بفحوى المفاوضات؟
 وفي هذا الصدد يصرح أنصار الله بأن المفاوضات ليست حول رفع الحصار عن مطار صنعاء وميناء الحديدة ودفع مرتبات الموظفين والخ..، لأنها مسائل إنسانية لا يمكن التفاوض حولها لأنها حقوق للشعب اليمني، وتقدم لهم التسهيلات المطلوبة وبالمقابل يتشدد الحصار على المحافظات الجنوبية المحررة بعد كل جولة مفاوضات بين أنصار الله والرياض، أبرزه تفشي الفساد الرهيب في جهاز الدولة، ونهب المال العام، وانهيار العملة، وقطع الرواتب، والكهرباء، والمياه، وإفقار شعب الجنوب العربي، وتشجيع النزوح من المناطق الشمالية التي تنعم بالسكينة والأمن إلى الجنوب، وتفشي الفوضى الأمنية الخلاقة وغيرها من الموبقات والخ...

والملاحظ أن أنصار الله في كل جولة مفاوضات يضاعفون من اشتراطاتهم، وهذا ما يفسر فشل التوصل إلى اتفاق نهائي لوقف الحرب وإنما هدن متمددة" لعل ليس آخرها إعلان صنعاء بالسماح بتصدير النفط من الموانئ الواقعة تحت سلطة الشرعية مشترطة وضع آليات متفق عليها، بما يضمن ضخ العوائد للصالح العام في عموم البلاد".(1)
وبمعنى أوضح أن المتفاوضين اتفقا بأن تحول عائدات النفط والغاز من حضرموت وشبوة إلى البنك المركزي بصنعاء أولًا، وبعد موافقة أنصار الله سيتم توزيع العائدات النفطية والغازية تحت إشرافهم .

وبرغم المفاوضات يوصف أنصار الله عاصفة الحزم " بالعدوان" على اليمن، والعدوان في تعريف القانون الدولي بأنه "استعمال القوة المسلحة من قِبل دولة ضد سيادة دولة أخرى أو سلامتها الإقليمية أو استقلالها السياسي، أو أي وجه آخر لا يتفق مع ميثاق الأمم المتحدة" ولا علاقة للعدوان بمسألة الاعتراف بالدولة، بحكومة الشرعية المعترف بها دوليًا..

وهذا التوصيف أمر بالغ الصعوبة والدلالة لأن الاعتراف بالعدوان على اليمن سيحمل التحالف المسؤولية الدولية الجنائية ودفع كافة التعويضات الناتجة عن الحرب.

والجدير بالإشارة أن مشروع أنصار الله ينص بأن تشكل الأمم المتحدة لجنة دولية لتعويض اليمن، جراء الحرب على غرار لجنة العقوبات الدولية على العراق، وهذا ما يصعب على مجلس الأمن إصداره لتناقضه مع القرار رقم 2216 (2015).(2)

وفيما يتعلق هل يقبل أنصار الله بالتفاوض مع الشرعية اليمنية/ المجلس الانتقالي؟
في تقديرنا الأمر ربما يصعب التفاوض مع الشرعية، بعد أن أحالت حكومة أنصار الله أكثر من ألفين من قيادات الشرعية إلى المحكمة الجزائية بصنعاء، للمثول أمامها تحت تهمة "الخيانة"، وبالفعل أصدرت المحكمة أحكامها على بعض قيادات الشرعية.

ومن جانب آخر لا نعتقد بأن أنصار الله يمكن أن يقبلوا بخارطة طريق ممثلي الأمين العام للأمم المتحدة، بأن يجلس اليمنيون على طاولة واحدة لحل مشاكلهم بدون تدخل خارجي، لأنهم يعتقدون بأن الرئيس هادي سيتراجع عن قراره بإعفاء نفسه من رئاسة الجمهورية في 7 أبريل 2023م، كما تراجع عن استقالته في العام 2015م. وبالنتيجة 

يكون تلقائيًا رئيسًا للجمهورية اليمنية بموجب اتفاق السلام والشراكة الوطنية، فهذا أمر لا ينطلي على أنصار الله، لأنهم يعتبرون أنهم استعادوا دولتهم التاريخية، وبالتالي على ماذا سيتفاوضون ومع من "الشرعية"؟

وفيما إذا قبل أنصار الله التفاوض مع الشرعية سيصبح حزبًا سياسيًا أو جزءًا من الشرعية كما المجلس الانتقالي، الذي كان يطالب باستعادة دولة الجنوب وأصبح جزءًا من الشرعية بعد توقيعه اتفاق الرياض ومشاورات الرياض.

وفيما يتعلق بمصير استعادة "ج ي د ش" من المفاوضات بين الرياض وأنصار الله، ظهرت المشكلة عندما أعلنت بريطانيا في العام 1962م انسحابها من المنطقة ومنح الجنوب العربي الاستقلال في 9 يناير 1968م،

حينها سارعت القوى الإقليمية وربما الدولية المناهضة لبريطانيا بتشكيل الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل في العام 1963م، وذلك باختيار القيادات الجنوبية مقابل دعمها لها ماليًا وعسكريًا ولوجستيًا، ولأهمية موقع الجنوب العربي الاستراتيجي، ومن هنا بدأت المشكلة، لأن الجنوب العربي لم يكن للحظة ما أو رمشة عين في التاريخ جزءًا أو تابعًا للإمامة أو للمملكة المتوكلية الهاشمية.

وفي مفاوضات الاستقلال في جنيف أصر وفد الجبهة القومية أن تسلمه بريطانيا وثيقة الاستقلال باسم الجنوب اليمني، لكن الوفد البريطاني رفض وقال بريطانيا استعمرت الجنوب العربي قبل 80 سنة من إعلان قيام المملكة المتوكلية اليمنية، بل إن بريطانيا اعترفت بالإمام ملكًا للمملكة المتوكلية اليمنية في العام 1934م. (3)

وفي 30 نوفمبر 1967م أعلنت الجبهة القومية قيام جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية، ثم عدلت التسمية إلى الديمقراطية بدلًا عن الجنوبية، لتمحو أي إثارة لتسمية الجنوب العربي.
وفي 22 مايو1990م أعلن قيام الجمهورية اليمنية، وبذلك ألغى الحزب الاشتراكي اليمني دولة (ج ي د ش) وهذا ما أكدته نتائج حرب 1994م، بأنه لا يوجد شيء اسمه دولة الجنوب، وإنما قضية جنوبية مظلومية جبر الضرر للتعويض وانتهى الأمر وبذلك تم إلغاء دولة "ج ي د ش" وضمها إلى اللادولة واللانظام، أي إلى نظام القبيلة بصنعاء. (4)

ونتيجة لما سبق ذكره أصبحت "ج ي د ش " عبارة عن أرض بثرواتها وموقعها للمقايضة بين المتفاوضين بسبب قياداته الموالية للخارج منذ العام 1963م.

أما المجلس الانتقالي وليد الجبهة القومية والحزب الاشتراكي اليمني، فإن مهمة تشكيله لانتقال الجنوب إلى باب اليمن، ويؤكد ذلك توقيعه اتفاق الرياض ومشاورات الرياض، بل وتناشد قيادة الانتقالي أنصار الله الاعتراف بقضية الجنوب وبمرحلة انتقالية؟

وبالطبع ممثل الجنوب د. رشاد محمد العليمي رئيس مجلس القيادة الرئاسي، وقد أصاب د. علي المعشني عندما قال إن " مصر لن تكون مع العرب وهي موقعة اتفاقية كامب ديفيد، ولن يكون الأردن مع العرب وهو موقع اتفاقية وادي عربة، ولن تكون منظمة التحرير الفلسطينية مع فلسطين وهي موقعة اتفاقية أوسلو" ونحن نقول لن يكون المجلس الانتقالي مع استعادة دولة (ج ي د ش ) وهو موقع اتفاق الرياض ومشاورات الرياض، مع الفارق الكبير أن هؤلاء وقعوا اتفاقيات مع إسرائيل فقط،، لكن الانتقالي لم يوقع اتفاقات مع الشرعية فحسب، وإنما انضم إلى مجلسي الرئاسة والحكومة اليمنية، التي تصرح بأن النظام اليمني احتل "ج ي د ش" في  حرب 1994م.

والجدير بالذكر أن بريطانيا قبل انسحابها سلمت الجبهة القومية أرض وخرائط الجنوب العربي بمساحة تقدر( 365،000) كيلومتر، ومساحة البحر بأكثر من 2400 كيلومتر تقريبًا، ولم تتنازل بريطانيا عن شبر واحد لدول الجوار، بل ظلت مدافعة عنه طيلة استعمارها للجنوب العربي 129 سنة وعشرة أشهر وستة أيام، كما تنازلت الجبهة القومية بعد حرب 1972م عن جزيرة كمران للجمهورية العربية اليمنية المعتدية والمنهزمة في الحرب، ليس هذا فحسب فبعد قيام الوحدة المباركة تنازلت الجمهورية اليمنية عن أرض شاسعة بمحافظة المهرة، اسألوا أبناء المهرة وعن الحدود البحرية أيضًا.

وفي العام 1995م وقبل أن تكون أريتريا دولة معترف بها دوليًا، احتلت عددًا من جزر حنيش في البحر الأحمر التي تتبع  "ج ي د ش" وحصلت على نصيبها بفضل يقظة النظام القبلي للجمهورية اليمنية الفتية.

وبعد حرب 2015/ 2024م يسير الجنوب وبوتيرة عالية نحو التفتيت والتقاسم بين القوى المسيطرة عليه، من خلال ارتهان القيادات الجنوبية للخارج أو بعودته إلى باب اليمن.

وقبل الأخير يبرز السؤال أين أرض دولة الجنوب العربي الذي تسلمته الجبهة القومية من بريطانيا في 30 نوفمبر 1967م، أيها الرفاق المناضلون، وإنجازكم الوحيد الذي حققتموه، أنكم ألغيتم دولة الجنوب العربي وحاولتم مسح تاريخه، وهدمتم بنيته الاجتماعية ومسخ بنيته الثقافية والأخلاقية، ولهذا يجب أن يحاكمكم شعب الجنوب العربي؟

والخلاصة إذا أراد شعب الجنوب العربي أن يستعيد دولته وكرامته وثرواته وموقعه ومكانته الدولية، عليه أن يختار قياداته الوطنية بنفسه، مشروطة بعدم ارتباط تلك القيادات بالخارج بأي شكل من الأشكال، أو أي اعتبارات سياسية، أو اقتصادية مهما كانت.

ويكون الهدف الوحيد أمام القيادة الوطنية استعادة دولة "ج ي د ش " وفقًا للقانون الدولي، التي ألغاها الحزب الاشتراكي اليمني في وحدة غير متكافئة وغير قانونية وباطلة، بل وأبطلتها قانونًا حرب 1994م وما تلاها من ممارسات وحرب 2015/ 2024م.

والله ولي التوفيق.
د. صالح الوالي    

1. "الأيام" 7 مارس 2024م.
 2. بـ"الأيام" (!) راجع مقالنا ما مدى مشروعية قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216 (2015).
3. معاهدة الصداقة والتعاون المتبادل بين اليمن وبريطانيا 11 فبراير 1934م.
4 راجع مقالنا القضية الجنوبية من منظور يمني ودولي الأيام.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى