اتفاق السلام باليمن وأزمة البحر الأحمر بين ضغوط واشنطن وحيرة صنعاء

> "الأيام" غرفة الأخبار:

> ​بدا المبعوث الأممي، هانس جروندبرج، في إحاطته، الخميس، أمام مجلس الأمن بشأن تطورات الوضع في اليمن، محبطاً بعض الشيء من إمكانية تحقيق خطوة للأمام في مسار التسوية والبدء بعملية سياسية؛ لكنه أكد أن الأمم المتحدة ماضية في وضع خريطة الطريق في صيغتها النهائية؛ وهي الخريطة التي سبق وأعلن عنها في ديسمبر، وتتعلق بمراحل وقف إطلاق النار والبدء باتجاه التسوية وطي صفحة الحرب التي توشك أن تدخل عامها العاشر.

إلا أن التوتر في البحر الأحمر نتيجة استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة زاد من تعقيد الوضع، بعد أن كان قاب قوسين أو أدنى من تحقيق خطوة متقدمة في مسار التسوية. وعلى الرغم من ذلك ما زال المبعوث الأممي الخاص لليمن جروندبرج، يمضي في جهوده ولقاءاته مع الفاعلين المحليين والإقليميين والدوليين باتجاه تحقيق اختراق في جدار الأزمة، والعودة إلى ما كانت عليه مشاورات الوساطة في نهاية العام الماضي.

فهل يستطيع المبعوث الأممي الخاص لليمن تحقيق اختراق وقطع خطوة للأمام في جهود الوساطة؟ وهل ثمة علاقة للموقف والضغط الأمريكي بهذا الأمر باعتباره يرجح كفة مصالح إسرائيل في المقام الأول على صعيد التوتر في البحر الأحمر واستمرار العدوان الإسرائيلي في قطاع غزة؟ ولو قارنا برنامج عمل غروندبرغ بالمبعوثين الثلاثة الذين سبقوه في المهمة… كيف نقيم تجربته وما حققه مقارنة بما حققه السابقون؟
  • حوافز إضافية
يقول أمين عام حزب التجمع الوحدوي اليمني، عبد الله عوبل، في تصريحات لـ"القدس العربي" إن «الإجابة على السؤال الأول تتطلب معرفة موقف الأطراف الأساسية، وهم المملكة العربية السعودية و«أنصار الله» والولايات المتحدة. لقد جرت مشاورات بين المملكة و«أنصار الله» وتوجت باتفاق كان جاهزًا للتوقيع عليه في يناير الماضي، إلا أن تلك الخطوة توقفت مع دخول «انصار الله» في حرب غزة، بإغلاق البحر الأحمر أمام السفن الإسرائيلية، ولاحقًا البريطانية والأمريكية تضامنًا مع غزة التي يواجه شعبها إبادة جماعية ممنهجة بدعم من أمريكا وبريطانيا وكل الغرب، بهدف الضغط من أجل السماح بدخول المساعدات إلى غزة ووقف حرب الإبادة ضد الفلسطينيين، وهو موقف مشرف ومقدر من قبل كل القوى المحبة للسلام في العالم، الأمر الذي دفع الأمريكان لممارسة ضغوط على المملكة للعودة إلى الحرب وتجميد الاتفاق».

وأضاف: «إذن تعثر الاتفاق بما يجري في البحر الأحمر وخليج عدن، والمملكة السعودية رفضت الضغوط الأمريكية بالعودة لمحاربة الحوثيين، وتفضل أن ينجز الاتفاق، ويتم التوقيع عليه للخروج من الحرب والتفرغ لمشروع 2030 م، و«أنصار الله» يريدون الاتفاق ويفصلون بين توقيع الاتفاق وما يجري في البحر الأحمر».

وذهب عوبل مؤكدا صعوبة مهمة جروندبرج في تحقيق اختراق في جدار الأزمة في ظل إصرار أمريكي على ربط مساري الاتفاق الناجز وما يحصل في البحر الأحمر.

وقال لـ«القدس العربي»: «في هذا السياق تسير جهود المبعوث الأممي، أي السعي لإحياء الاتفاق، ولكنه يطالب بتوقف أنصار الله عن إغلاق البحر الأحمر أمام سفن إسرائيل وحليفتاها. لذلك المبعوث الأممي غروندبرغ سيواجه صعوبة إن أراد أن يقنع أنصار الله بوقف استهداف السفن في البحر الأحمر، حتى لو قدم حوافز إضافية لهم.

من ناحية أخرى لا يمكن أن يفصل بين الاتفاق الناجز ومشكلة البحر الأحمر، إذا لم يستطع السعوديون إقناع الامريكان بفصل المسارين.

لذلك من الصعب في ظل هذه المعطيات أن يحقق المبعوث اختراقا في جلب الأطراف للتوقيع».

وفيما يتعلق بموقف ودور واشنطن يقول عوبل: «من المؤكد أن الولايات المتحدة هي من تعرقل التوقيع على الاتفاق المنجز بين أنصار الله والمملكة العربية السعودية – والذي ستوقع عليه حكومة الشرعية ـ وذلك بربطه بتوقف أنصار الله عن ضرب السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر؛ فأمريكا هي الداعم الأول لإسرائيل في حربها الاجرامية ضد الفلسطينيين».

أما ما يتعلق بمقارنة غروندبرغ بالمبعوثين السابقين له في ذات المهنة، يرى عبد الله عوبل أنه لا يوجد اختلاف، لكن الظروف هي التي تغيرت.
وقال: «كل منهم يختلف عن الآخر من حيث تجربة العمل في المنطقة، ومن حيث التجربة في مجال الأزمات والحروب، لكن لا يمكن لأي منهم أن يحقق اختراقا، إلا إذا كان يملك هامشا للحركة. وغروندبرغ كان لديه هذا الهامش، وفي نهاية المطاف فإن التغيرات في مواقف الأطراف هي التي تسمح بالتقدم سواء في الهدن أو انجاز الاتفاق الأخير بين السعودية وأنصار الله».

وأضاف: «الهدنة كانت مطلبًا سعوديًا وأمريكيًا حينها، وحتى لدى أنصار الله. فقد جاء غروندبرغ في وقت تعبت فيه أطراف الحرب جميعها.

كما أن قيادة المملكة العربية السعودية أرادت أن تتفرغ لمشاريعها الاقتصادية الكبيرة بعد ثمان سنوات من الحرب، ولذلك تحولت المملكة إلى وسيط يقدم الحوافز لأنصار الله، ويضغط على الشرعية لقبول الاتفاق. الشرعية التي فشلت في الحرب وحتى في إدارة المناطق المحررة وأوصلتها إلى الحضيض من فقر ومجاعة وارتفاع الأسعار. 
لا تملك أي أوراق تستطيع ان تكون طرفا فاعلا في أي اتفاق».

وأضاف: أي انجاز الآن في الدفع بالاتفاق نحو التوقيع فهو انجاز سعودي خالص، والمبعوث الأممي موكل إليه رعاية الاتفاق كممثل للأمين العام للأمم المتحدة.
  • ملف الوساطة
من جانبه، قال رئيس مركز مسارات للدراسات الاستراتيجية في عدن، باسم الشعبي، إن المبعوث الأممي قادر أن يحقق اختراقًا في جدار الأزمة «لكن الوضع قد لا يساعده خصوصًا مع ما يجري في البحر الأحمر وباب المندب في ظل الضغط الأمريكي باتجاه مختلف ولا يصب باتجاه حل الأزمة اليمنية».

وقال لـ«القدس العربي»: «غروندبرغ قطع شوطًا طويلًا، واستطاع أن يقدم خريطة طريق كان عليها شبه اتفاق مبدأي من جميع الأطراف، لكن تفجر الوضع في البحر الأحمر خلط الأوراق كلها، ونحن ندرك أن الحوثيين المشغولين حاليًا بهذه الحرب قد أجلوا كل الملفات الأخري، بما فيها ملف الوساطة والسلام في اليمن؛ في ذات الوقت لدى واشنطن موقف مختلف؛ إذ لن تسمح بتمرير عجلة التسوية في اليمن دون إيقاف الحوثيين لمعركة البحر الأحمر، حماية لمصالح إسرائيل».

وشاطر الشعبي رأي عوبل في موقف واشنطن من مسار الوساطة وتحقيق السلام في اليمن في الوقت الراهن. وقال: طبعًا الأمريكان لا يمكن أن يكونوا بعيدين عن ملف الوساطة والسلام في اليمن، وهم حاليًا متورطون بحرب غزة والبحر الأحمر؛ وبالتالي لا يمكن أن يسمحوا بنجاح أية وساطة طرفها الحوثي، الذي يقود حربا ضدهم في البحر الأحمر.

وضغط واشنطن واضح ولا يحتاج إلى توضيح؛ وموقفها هو رفض استمرار جهود الوساطة في حال استمرار إغلاق البحر الأحمر.
وأضاف: «لكن اليمن مقبل على انفراجة كبيرة بإذن الله سوف تتغير معها كل الموازين والتوقعات؛ وهذا ما نأمله؛ فالوضع في اليمن بلغ مستوى لم يعد معه حل سوى الاتجاه نحو الانفراجة».

ويرى الشعبي أن غروندبرغ يبدو أفضل من المبعوثين الأمميين السابقين، «لكنه يواجه عراقيل كثيرة من أطراف عديدة لا تريد الحل والسلام في البلد، لكن أتوقع أنه سوف ينجح في الأخير إذا حالفه الحظ بالاستمرار لشهور قادمة؛ فثمة مؤشرات تؤكد إمكانية المضي في جهود السلام والتسوية في اليمن إن تأخرت قليلا إلا أننا متفائلين إزاء ذلك».

وبعد
بلاشك إن الولايات المتحدة الأمريكية مصرّة على الربط بين مسار التسوية في اليمن ومسار انهاء معركة البحر الأحمر والسماح بمرور السفن باتجاه إسرائيل؛ وهي عملية صعبة في ظل إصرار الحوثيين على موقفهم تضامنا مع غزة، ومضيهم في التصعيد باتجاه المحيط الهندي؛ وهو ما يزيد من تعقيد مهمة واشنطن وتحالف «حارس الازدهار» علاوة على فتح الباب لمزيد من الاحتمالات، ما لم تحدث مفاجآت في غزة، يتوقف معها العدوان الإسرائيلي على القطاع؛ ويستقر معها الوضع في البحر الأحمر.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى