مسلمون حول العالم

>
المسلمون في كوسوفو

دخل الإسلام إلى كوسوفو قبل الفتح العثماني، وذلك عن طريق التجار والدبلوماسيين والدعاة، إلا أن ذلك كان على نطاق ضيق ومحدود، أما الانتشار الفعلي للإسلام في تلك البلاد فقد كان بعد مجيء العثمانيين، حيث دخلت شعوب منطقة البلقان في الإسلام أفواجًا

وقد تمكن الحكم العثماني في جزيرة البلقان بصورة نهائية بعد معركة كوسوفا أو قوصوة الشهيرة التي قاد فيها السلطان العثماني مراد الأول المسلمين بنفسه، وقبيل انتصار الجيش الإسلامي استشهد السلطان مراد، ثم تسلّم القيادة من بعده السلطان بايزيد الذي انتصر على الجيوش المتحالفة الأوربية وقتل الملك لازار الصربي وذلك سنة 1389م/ 791 هـ؛ فبعد هذه المعركة الحاسمة خضعت كوسوفو وصربيا للحكم العثماني ما عدا مدينة بلغراد، فإنها فتحت في عهد السلطان سليمان القانوني وذلك سنة 1521م/ 927هـ.

وتعود جذور الصراع بين الصرب والمسلمين في كوسوفو منذ هزيمة الصرب على أيدي المسلمين في الفتح الإسلامي عام 1389م، ومنذ ذلك اليوم عمل الصرب على إنهاء الوجود الإسلامي في البلقان، وقادوا تحالفًا مع بلغاريا والجبل الأسود واليونان لطرد الدولة العثمانية من البلقان، للانفراد بالمسلمين هناك.

كانت كوسوفو من نصيب المملكة الصربية آنذاك، ومن يومها بدأت المذابح الجماعية للمسلمين في البلقان عمومًا، وفي البوسنة وكوسوفو خصوصًا وتقول إحدى الإحصائيات بأن عدد قتلى المسلمين في كوسوفو وحدها قريب من ربع مليون نسمة، هذا غير المهاجرين من ديارهم فرارًا بدينهم وهم عشرات الألوف.

ومع كل هذا القمع الشديد استمر المسلمون في المطالبة بحقوقهم إلى بداية انهيار الشيوعية، التي آذنت بتفكك الاتحاد اليوغسلافي، وراحت كل جمهورية من جمهورياته تأخذ طريقها نحو الاستقلال التام عن يوغسلافيا الفيدرالية، فتوقع المسلمون أن أفول الظلام الماركسي، وظهور نظام جديد في أوروبا الشرقية سوف يسمح بالحريات لشعوب المنطقة، ويعطيها الحق في تقرير مصيرها.

وظل الصرب يمارسون إجراءاتهم القمعية ضد المسلمين في كوسوفو طوال الفترة الماضية، ولم يكن أمام الشعب المسلم خيار إلا المقاومة والانتفاضة أمام التجاوزات والتضييق، وسياسة الإفقار والتجهيل الممارسة ضده من طرف الصرب المهيمنين على مقاليد البلاد.

اشتد ضغط الصرب على مسلمي كوسوفو لإجبارهم على الهجرة، وشجعوا هجرة الصرب وسكان الجبل الأسود على استيطان كوسوفو، وزرعوا هذه العناصر في أهم مناطق الإقليم، الصناعية، والزراعية، وفصل الصرب 100 ألف عامل من المسلمين، وجلبوا فرق القتل والتنكيل للاستئصال الديني، والمستتر خلف العنصرية العرقية.

ويشغل الصرب المناصب الهامة في كوسوفو، فيتمتعون بالوظائف القيادية، في كل مجالات الحياة، ويسكنون أرقى الأحياء في مدن كوسوفو، بينما يشتغل المسلمون بالوظائف الشاقة في المناجم، والخدمات، وتتدنى دخولهم حتى درجة " الكفاف " ويعيشون بعيدًا عن أحياء الصرب الراقية في بيوت متواضعة أقرب إلى الأكواخ، "هذا التناقض الغريب"! علمًا بأن الألبان استوطنوا الإقليم قبل مجيء الصرب إلى البلقان، ولكنهم يعيشون في متاهات التخلف في أرضهم الغنية بالثروات المعدنية، فالإقليم ينتج 45 % من الزنك والرصاص من إنتاج يوغسلافيا " السابقة " وإلى جانب هذا فالإقليم غني بأراضيه الزراعية، التي تنتج القمح والشعير، والذرة، والكروم، والحمضيات، كما أنه غني بثروته الرعوية والغابية، ويتوافر به العديد من مصادر الرزق.

ويهيمن الصرب على الصناعة ففيه صناعة استخلاص المعادن وصناعات الأسمدة، والكبريت، وقطع غيار السيارات، والمنسوجات والصناعات الخشبية، ورغم كثرة موارد الرزق يعيش المسلمون في أدنى درجات التخلف، فحرمهم الصرب من أرزاق إقليمهم.

يوم 24 مارس بدأت قوات الناتو قصف أهداف عسكرية صربية في عملية "القوة المتحالفة" وأطلقت عليها أميركا "عملية سندان نوبل" بهدف إجبار ميلوسيفيتش على وقف المجازر بحق الألبان، ولإجبار بلغراد على الانسحاب من كوسوفو.

ردت القوات اليوغسلافية والصربية بطرد الألبان من كوسوفو، فشهدت المنطقة أكبر عملية نزوح لمئات الأشخاص إلى ألبانيا ومقدونيا والجبل الأسود.

استمرت حملة قصف الناتو 11 أسبوعا، وصلت إلى بلغراد، وتسببت بأضرار كبيرة في البنية التحتية بصربيا، وازدادت حدة القصف داخل الأراضي الصربية، مما أجبر ميلوسيفيتش على إعلان الانسحاب مقابل وقف ضربات الناتو.

تتميز كوسوفو بتنوعها الثقافي تاريخيًّا، فتكثر فيها الكنائس والمساجد على حد سواء، وتعبر كل منها عن الفترة الزمنية التي عاشتها البلاد سواء تحت الحكم الصربي أو الدولة العثمانية. ومن أهم الكنائس فيها كنيسة الأم تيريزا وكنيسة العذراء، ومن أبرز المساجد التي بنيت في القرن الـ15، مسجد شرشيا ومريتي (الفاتح) الموجودان في بريشتينا، علمًا أن الكثير من المواقع الإسلامية دمرت خلال الحرب الكوسوفية آخر القرن العشرين.

والاسم كوسوڤو أتى من الكلمة الصربية «كوس» (kos) التي تعني «الطائر الأسود». النطق الصربي هو كوسوڤو أما النطق باللغة الألبانية فهو كوسوڤا أما الاسم العثماني التاريخي لإقليم كوسوڤو فهو قوصوه (بالعثمانية: ولاية قوصوه وتُنطق: قوصوڤا)، أما اللاحقة "ova" فتعني: «سهل أو وادي».

والراجح في سبب التسمية هي أن الدولة العثمانية أطلقت على المنطقة اسم قوصوه في عهد السلطان العثماني مراد الثاني ومن ثم مع مرور الزمن تم تحريف الاسم إلى كوسوڤو بحكم اختلاف الألسن بين الشعوب.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى