كي لا يقود الفشل السياسي إلى العصبيات

> شعبُ الجنوبِ العربيِ، مثل كلِ شعوبِ المنطقةِ بكلِ تنوعهِ الثقافيِ والاجتماعيِ بلْ يمكنُ القولُ إنهُ أكثرها تجانسًا مذهبيًا وعرقيًا، ولذلكَ لا تحملُ ثقافتهُ وتاريخهُ أيْ بذور لصراعاتٍ عرقيةٍ أوْ دينيةٍ، ومعَ ذلكَ، يواجهَ الجنوبُ اليومَ كغيره تحدياتٍ كبيرةً، لعلَ أهمها هيمنةُ الفشلِ وإعطاءُ الفرصِ وتركِ الفاشلينَ يعبثونَ بالنسيجِ الاجتماعيِ الجنوبيِ، لأنهمْ يستطيعونَ تحقيق المكاسبِ الشخصيةِ وحمايتها منْ خلالِ إثارةِ النعراتِ والعصبياتِ الجاهليةِ ولذا؛ تجدهمْ أكثرَ الناسِ حرصًا على إثارةِ التوتراتِ الثانويةِ التي لا تلقي بالخطرِ على منطقةٍ دونَ غيرها بلْ على كلِ الجنوبِ.

هؤلاءِ بأفعالهمْ يخدمونَ أعداء الجنوبِ ويقدمونَ مادةً إعلاميةً للآخرينَ بينَ فترةٍ وأخرى، الذينَ بدورهمْ يقومونَ بتضخيمِ تاريخِ الصراعاتِ في الجنوبِ، وكأنْ هذا العالم وجميع شعوبهِ ودياناتهِ لمْ يعرفْ تاريخها الصراعاتِ وهيَ التي عرفتْ حروبًا داميةً استمرتْ لعقودٍ بل مئويةٍ، فقد تقاتل صحابةُ رسولَ اللهِ - صلى اللهُ عليهِ وسلمَ - في معركتي الجملَ وصفينِ وتناسلتْ منْ تلكَ الحروبِ صراعات وآلاف الحروبِ لا زلنا نشهدها حتى اليومَ وندفع أثمانها.

منْ دونِ أدنى شكٍ، عندَ حصولِ الصراعاتِ في أيِ بلدٍ يرتفعُ منسوب الاختلافاتِ البينيةِ على كيفيةِ معالجتها وإدارتها، لكنَ هذهِ الاختلافاتُ ليستْ أعلى قيمةً ولا مكانةً بالمطلقِ منْ قضيةِ الوطنِ الجنوبيِ، ونحنُ اليومَ في الجنوبِ لمْ نجمعْ على أمرٍ كما نحنُ مجمعونَ على رفضِ الاحتلالِ اليمنيِ، والتخلصِ منْ اليمننة السياسية بعد نكبةِ التوحدِ معَ اليمنِ، أما ما دونَ ذلكَ يمكنُ التفاهمُ حولهُ والاتفاقِ عليهِ، وخصوصًا أنهُ يجبُ أنْ يبقى الاختلافُ السياسيُ بعيدًا عنْ محاولاتِ تمزيقِ المجتمعِ الجنوبيِ أوْ خلقِ انقساماتٍ بينَ مكوناتهِ. الدعوةُ هنا ليستْ فقطْ للفئاتِ الشعبيةِ التي تتأثرُ بسرعةِ وتصدقُ، ما يقولهُ بعضُ المثقفينَ الشعبويينَ الذينَ تخلوا عنْ دورهمْ أنْ يكونوا قدوةً في المجتمعِ، بلْ هيَ دعوةٌ لهؤلاءِ المثقفينَ الذينَ يشكلونَ الوعي العام وتوجيه أفكارِ الناسِ والذينَ يشاركونَ أعداءُ الجنوبِ في النيلِ منْ ذوي الأصواتِ الصادقةِ، ومحاولات قتلهمْ معنويًا، وهوَ ما يعكسُ انعدامَ المسؤوليةِ الوطنيةِ الاجتماعيةِ والأخلاقيةِ حتى لا نقول إنها خيانةٌ للوطنِ.

ندركُ جيدًا أنهُ كلما حل الفشل ترتفعُ مستويات العصبياتِ والتمييزِ، وخصوصًا عندما يحلُ الفشلُ السياسيُ نجدُ أنَ كثيرًا منْ السياسيينَ الفاشلينَ يلجئونَ إلى استحضارِ تلكَ العصبياتِ لتبريرِ فشلهمْ وحمايةِ مصالحهمْ المكتسبةِ ويظهرونَ أنفسهمْ مستهدفينَ فقطْ لكونهمْ منْ تلكَ المنطقةِ أوْ الفئة، بدلًا منْ مواجهةِ حقيقةِ عجزهمْ وفشلهمْ. إن الالتزامَ برعايةِ التنوعِ في الآراءِ ونقدِ السلبياتِ منْ أيِ فاعلٍ كانَ، سيقطعُ الطريقَ على كلِ أشكالِ العصبيةِ والتمييزِ، ولا يسمحُ بظهورِ أوْ تعزيزِ أيِ اتجاهٍ شموليٍ تحتَ أيِ مسمى، سواءً تحتَ شعاراتِ القائدِ الضرورةِ أوْ لا صوت يعلو فوقَ صوتِ الجماعةِ.

هذا الدور الكبير في بناءِ الوعيِ الجمعيِ الذي يجمعُ ولا يفرقُ ينبغي للمثقفينَ والنخبةِ في المجتمعِ الجنوبيِ أنْ يتحملوا مسؤولياتهُ اجتماعيًا وأخلاقيًا والقيامِ بهِ، وأنْ يقدموا النموذج ليسَ بالكلمةِ فقطْ ولكنْ بالممارسةِ والفعلِ وتعظيمِ التسامحِ والسلوكِ المدنيِ في أوساطِ المجتمعِ.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى