فمن أعظم أسباب هجر التدبر:

أولًا: الإصرار على الذُّنوب

إصرار العبد على الذَّنب، وارتكابه إيَّاه من أعظم الأسباب التي تحول دون تدبُّر القرآن، وفَهْمِ معانيه، فينبغي لمن أراد تدبُّرَ القرآن أن يبتعد عن الذُّنوب، والمعاصي، ولا سيَّما التي لها اتِّصال مباشر بأدوات، ووسائل التَّدبُّر، وهي: القلب، والسَّمع، واللِّسان، والبصر، فانهماك هذه الجوارح في الحرام يُعطِّلها عن تدبُّر القرآن، والانتفاع به، تأمَّل ماذا قال الكفار: وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ [فصلت: 5].

فالإصرار على الذُّنوب من أعظم ما يصدُّ عن اتِّعاظ القلب، وانشراح الصدر لمواعظ القرآن، وحِكَمه، وأحكامه، والله تعالى يقول: سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ [الأعراف: 146].

ثانيًا: انشغال القلب

القلب المشغول عن القرآن بغيره لا يتأثَّر به؛ لتشعُّبه في أودية الدُّنيا، وغفلته عن تدبُّر كتاب الله، وكيف يحصل له ذلك، وهو قلب غائب ليس بحاضر.

إذًا؛ فحضور القلب، وعدم انشغاله شرط في الانتفاع، والتَّذكُّر بالقرآن الكريم، وفي ذلك قال ابن القيِّم -رحمه الله- أيضًا: “فإذا حصل المؤثِّر: وهو القرآن. والمَحَلُّ القابل: وهو القلبُ الحي. وَوُجِدَ الشَّرط: وهو الإصغاء. وانتفى المانع: وهو اشتغالُ القلب، وذهولُه عن معنى الخطاب، وانصرافُه عنه إلى شيءٍ آخَرَ؛ حَصَلَ الأَثَرُ: وهو الانتفاعُ، والتَّذكُّر".

ثالثًا: الجهل باللُّغة العربيَّة

أنزل الله -عز وجل- القرآن العظيم بلسان عربيٍّ مبين، كما قال -جلَّ جلالُه-: وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ۝ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ ۝ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ ۝ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشعراء: 192-195] وسبب تنزُّله باللُّغة العربيَّة: هو أنَّها “أفصح اللُّغات، وأبينُها، وأوسعُها، وأكثرُها تأديةً للمعاني التي تقوم بالنُّفوس؛ فلهذا أنزل أشرف الكتب بأشرف اللُّغات".

وإذا كان القارئ لا يعرف شيئًا عن لغة العرب، ولا يدرك أساليب كلامهم، فأنَّى له أن يتدبَّر القرآن، ويعقل عن الله تعالى الخطاب، وهو سبحانه يقول: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [يوسف: 2]. ويقول تعالى: كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [فصلت: 3].

والمقصود الأعظم من تعلُّم اللُّغة العربيَّة: هو معرفة كلامِ الله تعالى، وكلامِ رسوله ﷺ ومَنْ فاته تحقيق هذا المقصد، فقد أمضى عمره في غير ما طائل، بل ربَّما كان تعلُّمه حجَّة عليه، كحال الذين يتعلَّمون العربيَّة للطَّعن في القرآن، وعلوم الشَّريعة من المستشرقين، وأذنابهم.