تضاعف التحديات الاقتصادية يستنزف قدرة اليمن على حماية الريال

> "الأيام" العرب:

> يواصل الريال اليمني التدهور أمام العملات الأجنبية، وسط عجز حكومي ملحوظ عن وقف هذا التدهور، الذي سبب ارتفاعا في الأسعار وفاقم من سوء الحالة المعيشية للمواطنين.

وخلال الأيام الماضية، اقترب سعر الدولار في مناطق سيطرة الشرعية من 1700 ريال، بعد أن كان سعر العملة الأميركية قبل اندلاع الحرب 215 ريالا فقط، بينما لا يزال السعر في مناطق سيطرة الحوثيين عند 600 ريال.

وتشهد العملة المحلية أعلى تراجع لها منذ نهاية العام 2021، وسط مطالب شعبية متكررة بضرورة الحفاظ على العملة لحماية ما تبقى من معيشة لليمنيين الذين يعيشون في أغلبهم تحت حظ الفقر.

ومنذ تشكيل مجلس القيادة الرئاسي في أبريل 2022، فقد الريال قرابة نصف قيمته، حيث كان سعر الدولار حينها ما دون ألف ريال، قبل أن يشهد سلسلة من التراجع، نتيجة شح النقد الأجنبي في البلاد التي تعاني واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية والاقتصادية بالعالم.

ويعاني البلد من تأثيرات حرب مستمرة منذ تسع سنوات، فيما يرى البنك الدولي أن العام 2024 يحمل المزيد من عدم اليقين بشأن الاقتصاد اليمني بسبب القيود المفروضة على صادرات النفط، الذي تعتمد عليه الحكومة في توفير النقد الأجنبي وتسليم الرواتب.

وتوقف تصدير الخام منذ نحو عام ونصف العام، بعد هجمات شنها الحوثيون على موانئ نفطية تابعة للحكومة، وشددت الجماعة مرارا على أنها ستستمر في تقويض هذه الصناعة، إلا إذا تم الاتفاق على تقاسم العائدات المالية من هذه الثروة.

وبحسب البنك الدولي، أدى ذلك إلى خفض متوسط الإنتاج اليومي من النفط من 61.6 إلى 51.4 ألف برميل.

ويرى الباحث الاقتصادي وفيق صالح أن عجز الحكومة عن وقف تدهور قيمة العملة يعود إلى عوامل عديدة يشهدها الاقتصاد بشكل عام، منها بقاء الاختلالات السابقة في المالية العامة للدولة واتساع الفجوة في عجز ميزان المدفوعات.

وأشار إلى أن الاختلالات في الجهاز النقدي والمالي للدولة لها دور في هذه الأزمة، فضلا عن الانقسام الذي أحدثته ميليشيات الحوثي في المؤسسات المالية والاقتصادية، مثل الانقسام النقدي والازدواج الجمركي، وتشتت الموارد المحلية.

وقال صالح لوكالة الأنباء الألمانية إن الاقتصاد “طرأت عليه تحديات أخرى، تمثلت في توقف المصادر المستدامة من النقد الأجنبي، نتيجة توقف تصدير النفط، وتراجع الموارد المحلية بعد توجه مسار سفن الحاويات إلى ميناء الحديدة”.

ولفت إلى أن “غياب برامج الإصلاح المالي والاقتصادي، واستمرار تعطيل العديد من المؤسسات الإنتاجية في البلاد، ساهما أيضا في ضرب قيمة الريال”.

وأوضح أن التحديات تتضاعف مع ارتفاع تكلفة فاتورة الاستيراد وتوقف الصادرات، إضافة إلى أن ارتفاع تكلفة الشحن البحري يؤدي إلى زيادة الطلب على العملة الصعبة، في ظل شح شديد تعاني منه الأسواق، وبالتالي هذا يساهم في تدهور قيمة الريال.

ويبدو أن حصول البنك المركزي في عدن على الدفعة الثانية من الدعم السعودي للموازنة العامة للدولة بقيمة 250 مليون دولار، لم يفلح في تحقيق الاستقرار المصرفي والحفاظ على قيمة الريال، وفق صالح.

وسعى المركزي إلى زيادة مبالغ المزادات الأسبوعية لتوفير جزء من احتياجات السوق من العملة الصعبة اللازمة للاستيراد، إلى جانب الدعم السعودي، لكن دون جدوى تذكر.

ويشير عدم استجابة أسواق الصرف إيجابيا لهذه الخطوة، إلى مدى الاختلالات التي تسود القطاع المصرفي الرسمي والجهاز النقدي والمالي للدولة في ظل استمرار الانقسام النقدي وازدواج السياسات النقدية.

وعلاوة على ذلك تبرز مشكلة اتساع الفجوة بين احتياجات السوق إلى النقد الأجنبي وبين قدرات البنك المركزي على التدخل بهذا الجانب.

ويشدد صالح على أن مع تضخم فاتورة الاستيراد نتيجة ارتفاع الشحن البحري وزيادة الطلب على العملة الصعبة في السوق السوداء، نتيجة توقف المصادر المستدامة للبنك وتراجع تحويلات المغتربين، تصبح الاحتياجات أكبر من التدخلات الخجولة للبنك المركزي.

وقال “يعني ذلك أن أي محاولات لتهدئة السوق تتطلب خطوات نوعية تلامس لب المشكلة الحقيقية التي أسهمت في تدهور قيمة العملة المحلية”.

وتعاني المناطق الواقعة تحت سلطة الحكومة من حالة انقسام بين المكونات المناهضة للحوثيين، ما أدى إلى انعكاسات سلبية في مختلف نواحي الحياة، بما في ذلك عدم وحدة القرار وضعف الضبط الاقتصادي والمالي.

ويرى الباحث اليمني جلال المسلمي أن الحكومة كانت تعتمد بشكل رئيسي على تصدير النفط الذي يرفد خزينة الدولة بالعملة الصعبة، وأن توقفه أثر بشكل كبير على الوضع المالي للبلاد ما أدى إلى انعكاسات سلبية على واقع العملة المحلية التي تواصل التدهور.

وأوضح لوكالة الأنباء الألمانية أن هناك أسبابا أخرى أدت إلى تدهور العملة بينها استمرار هجمات الحوثيين على الممرات الدولية في البحر الأحمر، وعدم وجود ضابط حازم للمضاربة بالعملات.

وشدد على أن استقرار العملة مرهون بوجود إرادة وطنية لحسم وإنهاء الخلافات الداخلية في مناطق الحكومة الشرعية، وتفعيل دور الرقابة والمحاسبة وفتح الموانئ والمطارات وتصدير النفط عبر شخصيات كفؤة ونزيهة.

وتراجع العملة أصبح من أهم القضايا والهموم التي يعاني منها اليمنيون منذ بدء الحرب، لما لذلك من انعكاسات سلبية على حياتهم المعيشية جراء ارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق في تاريخ البلاد.

ويقول المواطن سالم عبدالرقيب، من سكان مدينة تعز جنوب غربي اليمن، إن “غلاء المعيشة نتيجة تدهور العملة بات يقتل حياة معظم اليمنيين الذين لا حول لهم ولا قوة”.

وأضاف أن “تدهور الريال أدى إلى اشتعال الأسعار في مختلف أنحاء البلاد، ما تسبب في صعوبة شراء العديد من أساسيات الحياة”. ولفت إلى أن لا حلول لمأساة تدهور العملة إلا بإنهاء الحرب وعودة السلام، والعمل تحت سلطات موحدة تهتم بمعاناة مواطنيها.

وتوقع عبدالرقيب استمرار تدهور العملة إذا لم يحصل أي توافق سياسي بين الأطراف المتصارعة، ما سيدفع إلى تدهور أكبر للأوضاع الإنسانية في اليمن.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى