تجربة القاضي بلانا في مكافحة الفساد

> للفساد آثار مدمرة على الأفراد والشعوب والمجتمعات، فالفساد يقوض مبادئ الحكم الرشيد ومؤسسات الدولة وأسس الدولة القانونية ويقلص القيم الأخلاقية ويعطل العدالة الجنائية والسياسية والاجتماعية ويضعف حكم القانون، ويؤدي إلى إهدار وسرقة الأموال العامة وموارد الدولة وتنتج عنه خدمات ضعيفة، ويعرض القوانين للخطر من خلال تعطيلها وعدم العمل بها، كما إنه يعرض التنمية المستدامة وسيادة القانون للخطر ويهدد الاستقرار السياسي والاقتصادي والقانوني للدول.

فالفساد يؤدي إلى فقدان أجهزة الدولة المعنى من وجودها الفعلي ويفرغها من محتواها، وتصبح كما يقال جسد بلا روح وهو بهذا يتجه إلى تحقيق المصالح الشخصية، وبناء منظومة فاسدة تعيش داخل المجتمعات تنخر في مقوماتها بما تطرحه من مشاكل ومخاطر تؤثر على الاستقرار والأمن الوطني لأي دولة كانت.

وفي هذه السطور نتناول بإذن الله تعالى تجربة ناجحة في مكافحة الفساد في إحدى الدول الأجنبية، حبذا لو يتم العمل بها في إحدى المصالح الحكومية في العاصمة المؤقتة عدن، على أن تعمم على كافة أجهزة ومصالح الدولة في العاصمة عدن، وتتمثل هذه التجربة في الآتي:

كانت الفلبين تعاني من استشراء الفساد فيها واحد من المفاصل التي عليها استهجان الجمهور، هو مكتب ضريبة الدخل لكثرة الفساد فيه حتى إن الشريحة المقبولة للفساد في هذا المفصل استدعت من الرئيس السابق ماركوس نفسه، وهو أحد رموز الفساد في العالم لأن يبدأ بحركة إصلاح، وقد أوكلت هذه المهمة للقاضي"بلانا" أحد القضاة في محاكم العدل في الفلبين. وأصبح رائدًا، وأحد رموز مكافحة الفساد في الفلبين وأنموذجًا يحتذى به في الكثير من ممارسات استئصال الفساد في العالم.

فمكتب الضرائب كان انتشار الرشوة فيه وحالات الإثراء غير المشروع والتحايل والتزوير في القوانين من الأمور الطبيعية في ممارسته اليومية، لذا استدعى لمكافحة الفساد وذلك من قبل القاضي بلانا استخدام الأسلوب القضائي لتطهير الأجهزة المذكورة، وتمثلت استراتيجية القاضي بلانا لتطهير الفساد في ثلاثة محاور رئيسية هي: 1 - وضع نظام جديد لتقييم الأداء. 2 - جمع المعلومات عن الفساد. 3 - معاقبة كبار الموظفين الفاسدين على وجه السرعة.

لذا قام بتجميع المعلومات عن الفساد من خلال فريق تحقيق من ضباط الاستخبارات، حيث تمكن هؤلاء بجمع الأدلة المباشرة وغير المباشرة على وجود الفساد، كما استخدم بعض المحققين كعملاء سريين، وعين بعض ضباط الاستخبارات كفاحصي ضرائب بين المجموعات المشبوهة جدًا، حتى يستطيعوا جمع المعلومات عن ممارسات الفاسدة أولًا بأول، وتولى بعض الضباط الآخرين جمع المعلومات بطريقة غير مباشرة عن نمط حياة كبار موظفي مكتب ضريبة الدخل المحلي، وفيما إذا كان هؤلاء يعيشون في مستوى يفوق ما كان يبدو معقولًا بالنسبة للرواتب الحكومية. وأضيفت معلومات جديدة مع تطور النظام فقد وجد أفراد البحث والتحري مزيدًا من المؤشرات غير المباشرة حول حدوث الفساد مثل (مستوى المعيشة العالي الذي يعيشه محصلو الضرائب والإسراف في استهلاك ولعب القمار، والتردد على النوادي الليلية، والبيوت المترفة، وتراكم الثروات والممتلكات، وعضوية نوادي خاصة). وبطبيعة الحال لم تكن مثل هذه البيانات متاحة دائمًا لقسم المراقبة المالية.

وكان العنصر الرئيسي في برنامج القاضي "بلانا" لمحاربة الفساد هو إنزال العقاب السريع ببعض كبار الموظفين الفاسدين.. حيث قام بطرد (34) من الموظفين، وطلب من (15) موظفًا تقديم الاستقالة، وأجريت تنقلات بين (39) آخرين، ومن بين الموظفين الذي تم طردهم مديرون إقليميون ومديرو مكاتب ضرائب الدخل في المقاطعات.

لذا فقد ضرب بلانا نفسه المثل للعاملين في المكتب فأمانته وعدم قابليته للإفساد والفساد، أصبحت أسطورة يعجب بها. فقد رفض حتى قبول الهدايا الصغيرة، وعندما كان يسافر كان يرفض أن يقوم أحد إجراء أي جهة برفع فاتورة عشائه.

هذه التجربة الناجحة نضعها بين يدي الرئيس القائد عيدروس الزبيدي، ومعالي دولة رئيس الوزراء د. أحمد عوض بن مبارك، وفضيلة القاضي رئيس الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، ورئيسة الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد، ووزير العدل، ورئيس مجلس القضاء الأعلى، وكل أساتذة القانون والمحامين والصحفيين، وكل من له علاقة بالشأن اليمني، وكل الشرفاء والخيرين من أبناء هذه البلد في الداخل والخارج، للعمل على استئصال ومكافحة هذا الداء العضال، فهذا يحتاج إلى تكاتف الجميع للخروج بالبلد من مستنقع الفساد والمفسدين، وأن نقول للفاسدين والعابثين بالمال العام، كفى ظلمًا وعبثًا وفسادًا بمقدرات وثروات هذا الشعب، ودعوا الشعب يستأثر بخيراته وثرواته، وأن يتولى زمام الأمور في إدارة شؤون هذا البلد من هم أهلًا وصلاحًا وخبرةً.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى