> توفيق الشنواح:
عقب مرور نحو 10 أعوام على إغلاق جماعة الحوثي الطريق الرئيس إلى مدينة تعز (غرب اليمن) وفرض حصار خانق تسبب في أزمة إنسانية وصحية متفاقمة عاناها ملايين السكان، شرعت الميليشيات الموالية لإيران، السبت، في إزالة السواتر والحواجز التي خنقتها وسط استبشار الأهالي بعودة الحياة للمدينة.
وأعلن الحوثيون على لسان القائم بأعمال محافظ تعز التابع لهم أحمد المساوى، واللجنة العسكرية عن فتح طريقين إلى مدينة تعز ابتداء من اليوم، فيما ذكرت السلطة المحلية التابعة للحكومة الشرعية في محافظة تعز اليوم أن الطريق جاهزة (جولة القصر – الكمب) من جانبها، مؤكدة أنها مستعدة لاستقبال المواطنين الوافدين من المناطق الشرقية للمدينة.
- اختبار الصدق
وأضاف أن "تعز اليوم تفخر بأنها استطاعت بعد تسع سنوات من النضال والضغط والمطالبة فتح هذه الطريق التي هي ثمرة من ثمار اللجنة الحكومية وأبناء تعز والقيادة السياسية والحكومة والمنظمات الدولية للضغط على ميليشيات الحوثي التي استجابت الجمعة، ونتمنى أن تكون صادقة وجادة".
وأمس، أكد رئيس اللجنة الحكومية للتفاوض لفتح الطرقات بتعز عبدالكريم شيبان أن جميع الطرقات في تعز مفتوحة من قبل الجانب الحكومي، وطالب الميليشيات الحوثية بإزالة الألغام المزروعة في الطرقات محملاً إياها مسؤولية سلامة المواطنين عن تعرضهم لأي إصابات نتيجة نتيجتها.
ويعاني ملايين اليمنيين جراء غلق هذا الشريان المهم، فبدلًا من قطع المسافة من منطقة الحوبان، المنفذ الشرقي لمدينة تعز إلى وسطها خلال 15 دقيقة، يحتاج أبناء المحافظة إلى نحو ثماني ساعات للوصول إلى الوجهة نفسها في المدينة الكبيرة، مما أثّر بصورة كبيرة في المواطنين، خصوصاً المرضى.
وخلال فصل الصيف ومواسم الأمطار تتضاعف المدة بسبب ظروف الطقس والمناخ التي تؤدي إلى كثير من الحوادث المرورية المروعة، فضلاً عن الخسائر المادية التي يتكبدها المسافرون، إذ يدفعون أجرة نقل أعلى بستة أضعاف مقارنة بما كانوا يدفعونه قبل الحصار.
وحوّل هذا الحصار المدينة إلى سجن كبير تسبب في مأساة إنسانية حقيقية بعدما ساءت الأوضاع المعيشية والصحية التي ضاعفت منها مأساة انقطاع المرتبات والخدمات العامة، خصوصاً مع منع دخول المساعدات الإغاثية والإنسانية إلى المناطق المكتظة بمئات آلاف الفقراء والمعدمين، على رغم نجاح القوات الحكومية في أغسطس 2016، في كسر الحصار جزئيًا من الجهة الجنوبية الغربية وتأمين الطرق التي تربط تعز بالمحافظات الجنوبية بما فيها العاصمة الموقتة عدن.
وفيما قلل مراقبون من المزاعم الحوثية، تساءل آخرون عن نية الجماعة من وراء هذه الخطوة المفاجئة وهل هي حقيقة أو أنها لمجرد المزايدات الإعلامية التي اعتادت عليها.
وقال الناشط السياسي محمد الأحمدي إنه "على رغم استغرابنا للمبادرة الحوثية لأن الجماعة كانت متشددة حيال رفض فك الحصار واتخذوا منه وسيلة للتكسب سياسيًا، إلا أنها خطوة إيجابية سترفع معاناة كبيرة عن كاهل ملايين السكان".
وأضاف الأحمدي المقيم في محافظة تعز أن هذا الإجراء جاء "بعد أعوام من الضغوط الإعلامية والسياسية التي زادت وتيرتها خلال الفترة الاخيرة وانكشافها أمام الرأي العام المحلي والدولي بادعائها مناصرة أبناء غزة في حين تحاصر أبناء جلدتها في تعز".
- العناد ينتهي بمبادرة وأمل
ووفقًا للأحمدي "لا يمكن النظر إلى هذه الخطوة بمعزل عن المستجدات الأخيرة التي تضمنت سلسلة إجراءات حكومية قضت بمحاصرة الحوثيين اقتصاديًا من خلال وقف البنوك التي تعمل في المناطق الخاضعة لسيطرتهم وسحب العملات التي حصروا التعامل بها، إضافة إلى قرار نقل شركات الاتصالات وغيرها من التدابير وهي ضربات ستصيبهم في مقتل".
- الرد على عصا الشرعية
يقول الباحث السياسي عبدالوهاب بحيبح إن مبادرة الحوثيين التي "أطلقت بصورة مفاجئة بخصوص الطرقات، وبدأت بإعلان فتح طريق مأرب-البيضاء وكذلك فتح طرقات في تعز، تأتي بالتزامن مع خطوات قامت بها الشرعية تشمل قرارات البنك المركزي اليمني، ونقل الحسابات المالية والمركز الرئيس لطيران اليمنية والاتصالات إلى العاصمة عدن".
ويرى بحيبح أن هذه الإجراءات "جاءت بضوء أخضر من المجتمع الدولي، وبخاصة الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا، الساعون إلى زيادة الضغط على الحركة الحوثية في مناطق سيطرتها وفرض واقع جديد عليها بضغط كبير يخضعها".
وفي قراءة لاتخاذ فتح الطرق رداً على الضغط الحكومي من قبلهم، يوضح أن "الحوثيين يستخدمون ملف الطرق ورقة ضغط في أية مفاوضات وحضرت هذه القضية في كل المفاوضات السابقة، وقدمت الشرعية تنازلات كبيرة مثل فتح مطار صنعاء ورفع الحظر عن ميناء الحديدة في مقابل فتح طرق تعز ورفع الحصار عنها، وهو ما لم تفِ به الميليشيات". لذا فخطوة الجماعة لفتح شرايين الطرق تأتي "في سياق المناورة السياسية بهدف تخفيف الضغط الدولي الداعم للشرعية، وإظهار حسن النوايا كرسالة للقوى الضاغطة في الخارج". وفق بحيبح.
- عودة الضغط
ولكن قضية حصار المدينة التي تعدّ حاضرة الثقافة والفكر في اليمن عادت للواجهة أخيرًا كواحدة من أهم القضايا التي شغلت الرأي العام متبوعة بحراك دولي ومحلي يهدف إلى فك الحصار المفروض، إذ تنص الهدنة التي أعلنتها الأمم المتحدة لمدة شهرين قابلة للتمديد في أبريل 2023 وسط ترحيب من قبل أطراف الصراع، على وقف إطلاق النار وإعادة تشغيل الرحلات التجارية عبر مطار صنعاء الخاضع لسيطرة الحوثيين وفتح الطرق في مدينة تعز وكذلك إدخال 18 سفينة نفطية إلى ميناء الحديدة.
وعلى رغم فتح مطار صنعاء الدولي وتدفق الوقود إلى ميناء الحديدة، لم يتم رفع الحصار عن تعز حتى اليوم، وسط تحركات شعبية متكررة رافضة للحصار من بينها وقفات احتجاجية طالبت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لإزالة حواجز الإغلاق.
وحينها قال وزير الإعلام والثقافة والسياحة معمر الإرياني في بيان إن "ميليشيات الحوثي تواصل بإيعاز إيراني تقويض جهود التهدئة ووضع العقبات والعراقيل أمام تنفيذ بنود الهدنة بخرق وقف إطلاق النار واختلاق الأعذار للتنصل من التزاماتها في رفع الحصار عن تعز".
وشهدت الطرق الرئيسة إغلاقاً كاملاً داخل مدينة تعز منذ اندلاع الحرب بين الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي عام 2015.
- هل تنتهي عذابات السنين؟
ونتيجة لانقطاع شرايين التواصل البري بين المحافظات اليمنية مترامية الأطراف بفعل آلة الحرب، يضطر الأهالي والقائمون على وسائل النقل إلى اتخاذ طرق بديلة تتسم بالوعورة والبعد المكاني والزمني الشديد، فضلًا عما تضيفه النقاط الأمنية التابعة لطرفي الصراع المنتشرة بكثافة على امتداد الطرق الرابطة بين المناطق من انتهاكات إنسانية ومكابدات إضافية جعلت السفر داخل اليمن قطعة من العذاب ألّا مقطوع.
وعلى رغم نجاح اليمنيين في تعبيد طرق بديلة تتيح استمرار التنقل ونقل حاجاته الضرورية ومنها استخدام الحمير التي يسهل عليها التنقل بين الجبال، فإن المواطن يواجه ارتفاعَا كبيرًا في تكاليف النقل وانعكاس ذلك على أسعار السلع والخدمات الأساسية، مما ضاعف من أجور النقل البري الداخلي إلى نحو 350 في المئة، سواء في نقل الركاب أو السلع التموينية والمواد الغذائية وغيرها، مع الإقبال المستمر والمتزايد على خدمات النقل خصوصًا بعد توقف حركة الملاحة الجوية بين المطارات اليمنية الداخلية.
ففي تعز، اضطر الأهالي في أحيان كثيرة إلى استخدام الحمير والجمال لنقل المواد الغذائية والطبية ونقل الجرحى والمرضى من وإلى قراهم بسبب قطع الحصار الحوثي المفروض كما هي الحال بما فعله الأهالي في منطقة مشرعة وحدنان جنوب مدينة تعز.
ولهذا ازدهرت تجارة النقل بالحمير والجمال وأضحت مصدر رزق لكثير من الأسر التي تضررت أحوالها المعيشية جراء الحرب بالتزامن مع ارتفاع تكاليف النقل والسفر بسبب أزمة المشتقات النفطية ووعورة الطرق البديلة.
اندبندنت عربية