> "الأيام" غرفة الأخبار:

​تتعمق الأزمة الإنسانية في اليمن يومًا بعد يوم، فى ظل استمرار الصراع الدائر منذ 10 سنوات، ليتسائل أبناء اليمن السعيد: كيف لبلد عاش فى الخير أن ينتظر الآن النداءات الدولية لتقديم المساعدات الإنسانية؟!.

وفى الوقت الذى تتوالى فيه النداءات الدولية لتقديم المساعدات الإنسانية للشعب اليمني، ويتهم محللون سياسيون خلال حديثهم لـ "المصري اليوم" الأمم المتحدة والمنظمات الدولية بفشل ذريع فى تقديم المساعدات بشكل فعال، بل ويزعمون تحويلها إلى تجارة مربحة.

ووفق أحدث تقرير للبنك الدولي زاد عدد الذين يعانون من الجوع فى البلاد بأكثر من 6 ملايين شخص منذ بداية الحرب، إذ ارتفع العدد من 10.6 مليون فى عام 2014 إلى 17 مليون شخص فى 2023 وأضاف التقرير الذى نُشر تحت عنوان «مكافحة انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية فى خضم تحدياتٍ متعددة»، أن انعدام الأمن الغذائي يمثل التحدى الأكثر إلحاحًا الذى يواجه اليمن فى وقته الحاضر فى ظل استمرار الحرب وتصاعد معدلات التضخم.

ولا تقتصر الأزمات فى اليمن على أزمة الجوع والفقر فقط، بل تعانى البلاد من تغير المناخ مما أدى إلى تعرضها لفيضانات كارثية استمرت لشهرين متواصلين من يونيو الماضى حتى أغسطس الجارى ودمرت مناطق واسعة فى اليمن، وتسببت بوفاة ما لا يقل عن 57 شخصًا وتضرر أكثر من 34.000 أسرة، مع وجود العديد من الأشخاص المفقودين أو المُصابين، حيث دمرت الأمطار الغزيرة مناطق مثل الحديدة وتعز ومأرب، وفقًا للتقرير الطارئ للفيضانات الصادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية الأوضاع الإنسانية الصعبة فى اليمن تستحق الدراسة والتحليل، فى محاولة لوضع سيناريوهات مختلفة حول مستقبل البلاد وحلول أزماته المختلفة.

اتهم محللون سياسيون وخبراء فى الشأن اليمنى الأمم المتحدة بتعميق الأزمة الإنسانية المتفاقمة فى البلاد، وقالوا، فى حديثهم لـ«المصرى اليوم»، إن الصراع الدائر والفساد المستشرى هما السببان الرئيسيان وراء تفاقم الأزمة.

من جانبه، قال أشرف عقل، سفير مصر الأسبق لدى اليمن، إن اليمن يشهد أكبر أزمة إنسانية فى العالم، إذ يحتاج حوالى 24 مليون شخص لمساعدة إنسانية، بمن فيهم حوالي 13 مليون طفل.

وتابع «عقل»، لـ«المصرى اليوم » أنه بعد حوالى 9 سنوات من النزاع، لا تزال النظم الاجتماعية والاقتصادية الوطنية فى اليمن على حافة الهاوية؛ وقد أضحت الأسر عرضة لانتشار الأمراض المعدية بسبب النزاع والتهجير واسع النطاق وتكرار الصدمات المناخية.

ونوه بأنه بنهاية عام 2022، كان أكثر من 18 مليون شخص، من بينهم 9 ملايين طفل، يفتقرون إلى المياه المأمونة وخدمات الصرف الصحي والنظافة الصحية، مضيفا أن البلاد تعاني من تفشي عدد من الأمراض منها الكوليرا والحصبة والخناق (الدفتيريا) وغيرها من الأمراض التى تتطلب للوقاية منها الكثير من اللقاحات.

وفيما يتعلق بتأثير الأزمة على أطفال اليمن، قال «عقل» إن آلاف الأطفال قتلوا، فيما تعرض الكثيرون للتشوية منذ بداية الصراع، كما تم تجنيد آلاف آخرين ليقاتلوا إلى جانب الميليشيات ضد أطراف آخرين.

ولفت إلى أن الأزمة الإنسانية المستمرة قد زادت من هشاشة الأطفال والنساء وتعرضهم إلى كل من الاستغلال والعنف وسوء المعاملة، وعمالة الأطفال، والقتل والتشويه، وتجنيد أطرف النزاع للأطفال جنودًا وفى مختلف أدوار الدعم، والعنف المنزلى والعنف الجنسى، وزواج الأطفال، والكرب النفسى الاجتماعى، مشيرا إلى أن هناك أكثر من 9 ملايين طفل يحتاجون إلى خدمات الحماية.

وأضاف فى هذا السياق أن الدمار والإغلاقات التى لحقت بالمدارس والمستشفيات؛ أدت إلى تعطيل الوصول إلى التعليم والخدمات الصحية، حيث هناك أكثر من مليونى طفل خارج المدرسة، مما يجعلهم أكثر عرضة للخطر.

وفى الوقت نفسه، تتأرجح أزمة الجوع الشديدة فى اليمن على حافة كارثة حقيقية فمنذ نهاية عام 2022، كان نحو 2 ونصف مليون طفل دون سن الخامسة يعانون من الهزال، منهم 500 ألف على الأقل يعانون من الهزال الحاد.

وتابع: فى أبريل ٢٠٢٢ وقعت السلطات فى صنعاء خطة عمل مع الأمم المتحدة لحماية الأطفال ومنع الانتهاكات الجسيمة ضدهم ضمن سياق النزاع المسلح فى اليمن، وفى أغسطس من نفس العام رحبت «اليونيسف» بإعلان أطراف النزاع اتفاقهم على مقترح الأمم المتحدة والذى يقضى بتجديد الهدنة لشهرين إضافيين آنذاك.

وعبر عن اعتقاده بأنه وفقا للظروف الراهنة، فإن الأزمة مرشحة للتفاقم، حيث يسوء الوضع يوما بعد يوم، مما يضع عقبات جديدة أمام المنظمات الدولية فى تقديم خدماتها.

وأضاف أن ما يتعرض له الموظفون الدوليون من انتهاكات جسيمة فى المناطق التى يسيطر عليها الحوثيون يسهم فى المطالبة بانتقال المنظمات إلى عدن حيث تسيطر الحكومة الشرعية.

وعن الموقف الدولى من المصالحة الوطنية، قال أشرف عقل إن المصالحة لها شروط والحوثى غير مستعد حاليًا لتقديم تنازلات من جانبه.

ووصف الوضع فى هذا الإطار بأن الأمور تراوح مكانها، مؤكدا على أنه لن يحدث اختراق فى هذا الملف إلا بمساعدة الأطراف الإقليمية والدولية.

وأشار فى هذا السياق إلى أن الخطوة من المتوقع أن تكون بعد الانتخابات الأمريكية ومجىء إدارة جديدة ترغب فى حلحلة هذا الملف ضمن ملفات أخرى عديدة.

وقال المحلل السياسى اليمنى، عبد الكريم الأنسى، إن الأزمة اليمنية بدأت منذ فترة طويلة، إذ دخلت عامها العاشر حيث لايزال اليمن تحت حصار برى وبحرى وجوى بإدخال اليمن فى البند السابع، وعدم تحمل هذا القرار تجاه الشعب اليمنى، على العكس فقد ساهمت الأمم المتحدة فى مضاعفة معاناة الشعب اليمنى من من عدة نواحى.

وأشار الأنسى لـ«المصرى اليوم» فى هذا السياق، إلى أن الأمم المتحدة أصبحت فى نظر اليمنيين بمثابة «كازينو»، لافتا إلى أن 30 مليار دولار أمريكى جمعت من أصدقاء اليمن لمساعدة الشعب اليمنى، خصصت نحو ٤٠٪ منها مصروفات لبعثات الأمم المتحدة من هذه المبالغ، فيما أنفقت بقية الأموال من الحكومة الشرعية أو ما سماها حكومة الفنادق فى إطار المكافآت والإكراميات، إضافة لتخصيص رواتب إلى شخصيات تعيش بالخارج وليست عندها أى معرفة بمعاناة الشعب اليمنى، والذى أنفق عليه جزء بسيط من هذه الأموال.

واعتبر أن المساعدات التى قدمت لليمن كانت قيمتها أكثر بنحو 4 أضعاف عن أسعارها الحقيقية، مشيرا إلى أن الأموال أهدرت فى أنشطة «فارغة» مقابل ما يعانيه الشعب اليمني مع فيروس كورونا وشلل الأطفال، من انعدام للقاحات.

وأضاف أنه لم يكن هناك تخطيط حقيقي أو جاد يخضع لمراقبة أو متابعة لأعمال تلك المنظمات، مدللا على ذلك بأنه كانت هناك منتجات تصل منتهية الصلاحية من مساعدات غذائية كالدقيق والأجبان.

وتابع أن الوضع تفاقم نظرا لنقل البنك المركزى من العاصمة صنعاء والذى كان يدفع الرواتب لليمنيين وتحوله إلى عدن، وبالتالى فقد الكثيرون رواتبهم، حيث أشار إلى أن مستوى دخل الفرد يبلغ 2 إلى 3 دولارات فى اليوم وبالتالى يعيش تحت خط الفقر.

كما أشار إلى تراجع المساعدات إلى الثلث، قائلا إنها تراجعت أكثر من ذلك بنحو 200 مليون دولار بالرغم من أن المطلوب كان فى حدود ٤٠٠ مليون دولار، معللا ذلك بفقدان الثقة بين الدول المانحة والجهات التى كانت تتعامل مع هذه المساعدات.

وأضاف أن عمليات جماعة الحوثى فى البحر الأحمر الخليج العربى ساهمت فى تراجع الدعم، لافتا إلى وجود إغراءات دولية لكى تتراجع الجماعة عن موقفها المساند لقطاع غزة.

وفيما يتعلق بتأثير عمليات الحوثى على الموقف الدولى بالنسبة للمصالحة الوطنية، اعتبر المحلل السياسى اليمنى أن المجتمع الدولى لاسيما الولايات المتحدة وبريطانيا يحاولون إنهاء حالة النزاع فى اليمن ليعم السلام، حيث وصلوا إلى قناعة بأن إنجاز المصالحة هو السبيل لاستقرار اليمن، مضيفا كما هو حال مواقف هذه الدول فيما يتعلق بقطاع غزة.

من جانبه، قال المحلل السياسى اليمنى، محمد شمسان إن الأوضاع الاقتصادية اليمنية ليست جيدة ولا مقبولة بالنسبة لغالبية اليمنيين فى مختلف المناطق اليمنية، نتيجة استمرار الصراع بين المكونات السياسية، ومع مرور الأيام تتعقد هذه الأوضاع وتزداد سوء.

وأضاف شمسان لـ«المصرى اليوم» أن هذا من شأنه التأثير بشكل كبير على الحياة المعيشية للمواطنين فى ظل انقطاع مرتبات الموظفين وانعدام فرص العمل وتدنى مستوى سعر الريال اليمنى أمام العملات الأجنبية والفارق الكبير بالصرف بين العملتين المتداولتين فى المحافظات اليمنية، حيث يرفض طرفا الصراع العمل على توحيدها بقيمة واحدة.

وتابع أنه بالرغم من توقف العمليات العسكرية، لكن إصرار سلطتى الأمر الواقع «طرفى الصراع» على عدم التوصل لاتفاق سلام ينهى كافة الأزمات العالقة بينهما، يمثل عائقا كبيرا فى تحسين الأوضاع الاقتصادية للبلاد والحياة المعيشية للمواطنين، بل ويشكل هذا الإصرار عاملا أساسيا فى تزايد انهيار الاقتصاد اليمنى وتدنى مستوى الحياة المعيشية للأسرة اليمنية.

وأضاف أن عوامل أخرى تساهم فى تفاقم الوضع تتمثل بالتدخلات الإقليمية والدولية فى الشؤون السياسية والاقتصادية اليمنية وإضعاف دور المؤسسات المختصة بل وتغييبها بشكل متعمد للإبقاء على هذه الأوضاع واستمرار عملية الصراع بين الأطراف اليمنية.

وبالنسبة للأعمال الإغاثية والإنسانية التى تقدمها المنظمات الدولية، قال شمسان إن الأمر لا يمثل أهمية كبيرة بالنسبة لغالبية المواطنين كون هذه الأعمال وعلى مدى السنوات الماضية لم تخفف من حجم معاناة المواطنين حتى بنسبة 5%، إذا ما قورنت بالاحتياجات الفعلية واليومية للمواطن.

لكنه اعتبر أن غيابها وانقطاعها فى هذه المرحلة، لا شك، فى أنه سيمثل معاناة إضافية كبيرة فى تردى الأحوال المعيشية لدى الكثير من الأسر اليمنية.

وعبر عن أمله فى أن تتسارع خطى عملية السلام ويتوصل الطرفان إلى اتفاق شامل ينهى كافة الأزمات ويقرب من وجهة نظر الأطراف السياسية للاتفاق على مشروع وطنى يعيد للحياة السياسية وللأوضاع الاقتصادية روحها ويذهب الجميع فى طريق التعايش والشراكة وبناء الدولة التى تتسع لجميع اليمنيين.

وقال عن مشاركة جماعة الحوثى وتأثير ذلك دوليا، لا شك أن جماعة أنصار الله الحوثيين قد شكلت موقفا عربيا شجاعا ومتقدما بدخولها فى مواجهة مباشرة مع الاحتلال الاسرائيلى، حيث يعد هذا الموقف مشرفا لكل اليمنيين، معبرا عن اعتقاده بأن التدخلات الدولية فى الشأن اليمنى وخصوصا من قبل الإدارة الأمريكية وبريطانيا، يمثل أحد العوامل المعيقة لعملية السلام وتحقيق الوفاق الوطنى بين الأطراف اليمنية، فهاتان الدولتان هما الداعمتان الرئيسيتان للاحتلال الإسرائيلى وبالتالى تريان فى موقف أنصار الله الحوثيين المساند للشعب الفلسطينى، موقفًا عدائيا لها باعتبارهما دولتين داعمتين لسياسة الاحتلال ولـ«الكيان الصهيونى الغاصب» منذ نشأة ما يسمى دولة إسرائيل.