> «الأيام» إندبندنت عربية:

​قلق في القاهرة من تنامي التعاون بين بكين وأديس أبابا
> تزامناً مع اشتعال حدة التوترات بين مصر وإثيوبيا على خلفية إعلان الأخيرة انتهاء الملء الخامس لسد النهضة في سبتمبر الماضي، اتفق رئيس الأركان العامة الإثيوبي المشير بيرهانو غولا والجنرال ليو تشنلي من اللجنة العسكرية المركزية الصينية، خلال الدورة الـ11 لمنتدى بكين شيانغشان، على زيادة تقارب البلدين، من حيث التعاون الدفاعي الثنائي لتحديث الجيش الإثيوبي.

ويثير التعاون المتنامي بين إثيوبيا والصين قلقاً متزايداً في القاهرة، التي سبق أن أكدت لبكين خطورة استمرار أزمتها مع إثيوبيا حول مشروع سد النهضة، فضلاً عن وضعها قضية الأمن المائي المصري والعربي، ووضع الأمن المائي في البلاد على رأس قائمة أولويات التعاون المستقبلي مع الصين.

ويشير تحليل في صحيفة "جنوب الصين" الصباحية (ساوث شينا مورنينغ بوست) إلى أن السد الإثيوبي "قد يعكّر" صفو مكانة الصين زعيماً عالمياً، مستنداً إلى آراء مراقبين يعتبرون النزاع الطويل الأمد حول سد النهضة الإثيوبي الكبير "قد يجبر" بكين على موقف مستحيل، فدعم مشروع السد والطموحات الاقتصادية لإثيوبيا يمثل "معضلة أفريقية" كبرى بالنسبة للصين.

ووفقاً للصحيفة، عملت الصين في السنوات الأخيرة بجد لوضع نفسها "زعيمة للدول النامية"، بخاصة من خلال منظمات مثل الأمم المتحدة ومجموعة بريكس. لكن الآن "يهدد سد إثيوبيا" بهز هذا القارب، مما يؤدي إلى زعزعة استقرار التوازن الجيوسياسي الدقيق لبكين.

وعليه، فإن دعوة مصر وإثيوبيا للانضمام إلى بريكس يضع الصين في موقف حرج. ففي حين لاحظ بعض المراقبين أن مكانة الصين صانع سلام ووسيط عالمي توسعت في الآونة الأخيرة، يقول آخرون إن بكين تواجه الآن مهمة شاقة تتمثل في محاولة التدخل في نزاع سد النهضة، مع الحفاظ على ثباتها على سياسة عدم التدخل في أفريقيا.
  • الصين تعمّق بصمتها في إثيوبيا
وقعت حكومة إثيوبيا اتفاقية تعاون عسكري معزز مع الصين، واتفق الجانبان في سبتمبر الماضي، على تعزيز التعاون العسكري والتركيز على مواجهة حروب الجيل الخامس ونقل التكنولوجيا والمعدات العسكرية وبناء القدرات. كما وقع الجانبان مذكرة تفاهم لإضفاء الطابع الرسمي على التزاماتهما.

موقع "ذا أفريكا ريبورت" يشير في تقرير إلى حساسية التوقيت الذي اختارت فيه بكين وأديس أبابا ترفيع تعاونهما العسكري، إذ جاء في وقت تواجه إثيوبيا انتقادات بشأن خططها لضم أجزاء من الصومال بعد اتفاق مع إقليم أرض الصومال الانفصالي، للحصول على 20 كيلومتراً مطلة على البحر الأحمر مقابل الاعتراف بها كدولة ذات سيادة، ما دفع الصومال إلى المسارعة بإبرام اتفاقيات عسكرية مع مصر وتركيا، الأمر الذي أدى إلى تفاقم التوترات في منطقة القرن الأفريقي، إذ تواجه إثيوبيا عدداً لا يحصى من التحديات الداخلية، مما يهدد بجر أقدام الصين إلى هذا المستنقع.

وفي دلالة على القلق من الدعم الصيني لإثيوبيا ولحضورها الواسع بالقرن الأفريقي، رفض الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود عرضاً للقاء رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في العاصمة الصينية بكين خلال وجودهما على هامش منتدى التعاون الصيني- الأفريقي في سبتمبر الماضي.

وعلى رغم أن الولايات المتحدة أكبر مصدر للمساعدات الخارجية لإثيوبيا، فإنه لسنوات متتالية حافظت الصين على صفتها أكبر شريك تجاري وأكبر مصدر للاستثمار لإثيوبيا، ونتيجة لتراجع فعالية سياسة إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن في أفريقيا، ووفقاً لإحصاءات مبادرة أبحاث الصين وأفريقيا في جامعة جونز هوبكنز، وقعت إثيوبيا اتفاقيات قروض مع مقرضين صينيين خلال الفترة من عام 2000 إلى عام 2018 بمبالغ تقدر بـ13.7 مليار دولار، وجرى استخدام نحو 3 مليارات دولار من ذلك المبلغ لتمويل مشروعات البنية التحتية للاتصالات.

وإضافة إلى الاستثمارات والمساعدات التقنية في السد والمشروعات الكهرومائية المرتبطة به، عززت الصين من استغلال الطاقة الكهربائية المتولدة من السد من خلال تركيز عديد من الشركات العاملة في مجال تعدين العملات المشفرة في إثيوبيا، كوسيلة للتغلب على حظر هذه الشركات كثيفة استهلاك الطاقة في الصين، فضلاً عن تعزيز التعاون الثقافي، فقد عُقدت في أوائل نوفمبر الجاري أول ندوة سنوية من نوعها حول تعليم اللغة الصينية في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، جرى خلالها تأكيد ضرورة النهوض بتعليم اللغة الصينية في جميع أنحاء الدولة الواقعة في شرق أفريقيا.

وتنظر الباحثة في الشؤون الأفريقية ريم أبو حسين، إلى تنامي التعاون الصيني- الإثيوبي في الآونة الأخيرة، على أنه يأتي أولاً ضمن "الإطار التاريخي" للعلاقات بين الدولتين وامتدادها على مر عقود، إذ توطدت تلك العلاقات منذ عام 1970، وأثمر التعاون بينهما على تقديم بكين مساعدات اقتصادية متنوعة لأديس أبابا، فقد قامت الصين ببناء المقر الرئيسي للاتحاد الأفريقي في العاصمة الإثيوبية، واستمر التعاون مع تغيّر الأنظمة الحاكمة في إثيوبيا ممتداً إلى المجال العسكري، إذ زودت بكين إثيوبيا بالمدفعية والمركبات المدرعة الخفيفة، كما عقدت دورات تدريبية للضباط الإثيوبيين في العاصمة بكين منذ عام 2005، كما يوجد ملحق عسكري في السفارة الصينية بأديس أبابا، الأمر غير الموجود بشكل كبير في أنحاء القارة الأفريقية.

وفي المقابل، توجد علاقات تاريخية بين الصين ومصر، وُصفت بالعلاقات الوطيدة بين رئيس وزراء الصين شو إن لاي والرئيس المصري جمال عبدالناصر منذ مؤتمر باوندونغ عام 1955، تلاها عقد عديد من الاتفاقيات والشراكات بين كل من الحكومتين المصرية والصينية ممتدة حتى وقتنا الحالي.

أما الإطار الثاني، وفق أبو حسين، فهو سياسة الصين التي انتهجتها منذ عقود في القارة الأفريقية، التي تركزت على تفعيل الشراكات مع الدول الأفريقية كل في مجال التنمية الاقتصادية من دون التدخل في شؤون البلاد الداخلية، والأخذ بمبدأ الحيادية في النزاعات الأفريقية على المستوى الإقليمي، للحفاظ على مصالحها في مناطق النزاع المنتشرة عبر القارة، وللاستفادة بموارد القارة المتنوعة مع الانتفاع منها سوقاً كبيرة للمنتجات الصينية.

وفي ضوء ذلك، تعتقد الباحثة أن الصين ستكون حريصة على علاقاتها بكل من مصر وإثيوبيا، و"لن تتورط" مباشرة في الخلافات بين الدولتين، "لكن ستسعى إلى تقريب وجهات النظر بينهما، إذا وجدت أن تلك الخلافات ستضر مصالحها مباشرة في كلتا الدولتين".

أما الإطار الثالث المحدد لتنامي نفوذ الصين في إثيوبيا، "هو الصراع مع القوى الأخرى، للسيطرة على موارد القارة الأفريقية، بخاصة مع الولايات المتحدة الأميركية، إذ نجد أن الصين استغلت الانسحاب الأميركي الاختياري من القارة، الذي أثر بشكل مباشر على النفوذ الأميركي، الأمر الذي تجسد أخيراً في مطالبة دولة النيجر بمغادرة القوات الأميركية أراضيها على سبيل المثال، لذا فالانسحاب الأميركي مع تقلص النفوذ الفرنسي في الغرب الأفريقي، وتراجع الوجود الأميركي في القرن الأفريقي في أعقاب الفشل في محاربة تنظيم "القاعدة" بدولة الصومال يجعل الطريق مفتوحاً لتنامي الدور الصيني في أنحاء القارة الأفريقية، إذ أصبحت أفريقيا سوقاً رائجة للسلع الصينية، منها المعدات العسكرية" بحسب المتحدثة نفسها.

على رغم تنامي المؤشرات على استمرار ترفيع العلاقات المصرية- الصينية إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة، وسط تقارير توقيع البلدين اتفاقاً بموجبه ستشتري مصر طائرات مقاتلة صينية من طراز "تشنغدو جيه-10 سي" من الجيل الرابع والنصف، فإن هناك عديداً من القضايا الخلافية في العلاقات القوية بين البلدين، وهنا يبرز مستوى التعاون الصيني مع خصوم مصر الإقليميين.

محمد فؤاد رشوان، الخبير بالدراسات الأفريقية بمركز رع للدراسات الاستراتيجية بالقاهرة، يرى أن الدعم الصيني لإثيوبيا أثار عديداً من التساؤلات حول تأثيره في علاقات بكين بالقاهرة، بخاصة في سياق أزمة سد النهضة، الذي يمثل تحدياً استراتيجياً كبيراً لمصر. فمن خلال الدعم المالي والتقني الذي تقدمه الصين لمشاريع التنمية والبنية التحتية في إثيوبيا، يتجلّى حرص الصين على تعزيز نفوذها في القارة الأفريقية واستغلال الفرص الاقتصادية الهائلة التي توفرها دول مثل إثيوبيا، صاحبة ثاني أكبر عدد من السكان في أفريقيا.

هذا الدعم، على رغم كونه اقتصادياً بالأساس، يُعتبر في مصر بمثابة "دعم غير مباشر للموقف الإثيوبي في ملف سد النهضة"، وفقاً لرشوان الذي يشير إلى أن الدعم الصيني "قد أدى إلى قلق مصري من احتمالية تأثيره في مواقف الصين السياسية في النزاع حول مياه النيل. إلا أن الصين، من جهتها، تحاول الحفاظ على موقف متوازن وعدم الانحياز لطرف معين، إذ تدرك أهمية علاقاتها مع مصر دولة رئيسة في المنطقة العربية والأفريقية. لافتاً إلى أن القاهرة تمثل أحد أهم شركاء الصين الاقتصاديين في شمال أفريقيا. بالتالي، يمكن القول إن الدعم الصيني لإثيوبيا "يمثل تحدياً دقيقاً للعلاقات المصرية- الصينية، وقد يدفع القاهرة إلى إعادة تقييم شراكتها مع الصين ومراقبة توجهاتها الأفريقية بحذر، لضمان عدم تأثير تلك العلاقات على أمنها المائي الاستراتيجي".

وخلال مايو الماضي، اتفقت القاهرة وبكين على أهمية حل أزمة السد الإثيوبي من خلال المفاوضات والحوار، حيث استخدم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي نبرة حادة في الحديث عن الأمن المائي المصري والعربي خلال افتتاحه الدورة العاشرة للمنتدى العربي- الصيني، مؤكداً أن بلاده "طالبت إثيوبيا بوجود اتفاق قانوني ملزم يؤمن لأجيال الحاضر والمستقبل، بالدول الثلاث، حقها في الحياة والتنمية".

وترى منى سليمان، الباحثة المتخصصة في العلوم السياسية، إن طرح وساطة صينية لأزمة سد النهضة الإثيوبي "كان خياراً متاحاً، لا سيما أن الموقف الصيني من الأزمة متوافق مع مقتضيات الأمن المائي المصري، لأن بكين تؤكد ضرورة الحفاظ على حصة دول المصب مصر والسودان من نهر النيل من دون إضرار، كما أنها ترى السد مشروعاً للتعاون الأفريقي".

ومنذ عامين أعلنت وزارة الخارجية الصينية دعمها لحل أزمة سد النهضة عن طريق الحوار بين إثيوبيا ومصر والسودان، وتعد الصين أكثر الدول المؤهلة للوساطة، نظراً لأنها نجحت كوسيط دولي في عدد من القضايا الشائكة السابقة، كما ترتبط بعلاقات متميزة مع أطراف الأزمة (القاهرة، والخرطوم، وأديس أبابا) ولديها استثمارات ضخمة في الدول الثلاث تسعى للحفاظ عليها ما يرشحها لإمكانية التوسط لحل القضية.