> سالم حيدرة صالح:

القطن طويل التيلة (الذهب الأبيض) واحدًا من أهم المحاصيل الاستراتيجية بدلتا أبين الخصيب، وبدأت زراعته في خمسينيات القرن الماضي كواحد من المحاصيل الزراعية ذات قيمة وفائدة لما له من أهمية كبيرة.

وفي السنوات الأخيرة، بدأ المزارعون في العزوف عن زراعة بذرة القطن لتدني قيمته الشرائية ولم يكن له أي مردود، إضافة إلى الظروف التي يمر بها أغلب المزارعين نتيجة عدم تقديم الدعم اللازم لهم من قبل وزارة الزراعة والري والسلطات المحلية. وأصبح هذا المحصول يتلاشى رغم جودته العالمية واشتهار مناطق دلتا أبين بزراعته، لكن الكثير من المزارعين اتجهوا إلى زراعة محاصيل أخرى.

"الأيام"، كعادتها، التقت ببعض المزارعين والخبراء الزراعيين وسألتهم عن الأسباب التي أدت إلى عزوف المزارعين عن زراعة محصول القطن طويل التيلة بدلتا أبين، وخرجت بالحصيلة التالية:

قال الصحفي محمد صالح الشحيري، وهو من أسرة مزارعة عاش وتربى في الحقل والمزرعة منذ نعومة أظافره، إن الأسباب التي أدت إلى عزوف المزارعين عن زراعة القطن في دلتا أبين هي أن المزارع عندما يقوم بتجهيز الأرض وزراعتها بمحصول القطن طويل التيلة، المعروف به مناطق دلتا أبين الخصيب منذ بداية الخمسينيات وافتتاح محلج القطن بمدينة الكود، فإن زراعة القطن أصبحت مكلفة على المزارع دون أن يستفيد من زراعة هذا المحصول شيئًا، بل يخسر ماديًا منذ بداية زراعته حتى توصيله إلى محلج القطن بالكود للبيع، لأن سعر رطل القطن أصبح قليلًا جدًا.

وأكد الشحيري في سياق حديثه لـ"الأيام" أنه لم يتم الجلوس من قبل السلطة المحلية، ممثلة بالمحافظ أبوبكر حسين سالم، وأصحاب الشأن بهذا الأمر لمعرفة لماذا لم يقم المزارعون بزراعة هذا المحصول، وهو القطن، بل ظل الأمر على هذا السكوت من قبلهم ومن قبل مكتب الزراعة والقائمين على محلج القطن بالكود.

وأضاف أن هذا الإهمال والخسارة من زراعة القطن جعل المزارعين يتجهون إلى الزراعة التي ترد عليهم بالفائدة، وهي زراعة الموز، حتى زراعة المحاصيل الصغيرة من الخضروات أصبحت كذلك متوقفة، لأنها لم تفِ بالغرض من زراعتها. وهذا ما نلاحظه من خلال أسعار الخضروات المستوردة من خارج المحافظة، حيث وصل سعر كيلو الطماطم إلى أربعة آلاف ريال.

وهذه مشكلة أخرى نواجهها في أبين، المحافظة الزراعية، التي لم يُناقش فيها هذه المسائل أو تُطرح حلول لها. والسبب في كل هذه المشاكل هو عدم دعم المزارع بأي شيء يساعده ويشجعه في زراعة هذه المحاصيل، وهذا يحتاج إلى وقفة جادة من قيادة السلطة المحلية ومكتب الزراعة والري بالمحافظة.

ولفت إلى أن أبين عُرفت بزراعتها لمحصول القطن طويل التيلة، كما عرفت محافظة لحج بزراعة القطن قصير التيلة منذ بداية الخمسينيات. ونظرًا لقيمة هذا المحصول في منطقة دلتا أبين، تشكلت حينها لجنة دلتا أبين (أبين بورد) لهذا الغرض، مع العلم أنها كانت تدعم المزارع من أجل أن يزرع القطن طويل التيلة في دلتا أبين، وقامت بتصدير أول محصول لقطن طويل التيلة إلى بريطانيا بعد افتتاح محلج القطن بالكود عام 1950 تقريبًا.

وتابع أن السلطان أحمد عبدالله الفضلي قال إنه تم إنتاج وتصدير محصول القطن من محلج القطن بالكود في الخمسينيات، ولبست أول فانلة (قميص داخلي) من قطن أبين طويل التيلة، حيث تم إحضارها لي من بريطانيا. هذه هي قيمة القطن طويل التيلة بدلتا أبين عندما كانت لجنة أبين تقدر المزارع من أجل أن يزرع القطن، لأنه ذو فائدة مادية كبيرة وبالعملة الصعبة.

وأشار إلى أن ما يحصل اليوم في دلتا أبين بالذات هو تحصيل حاصل من السلطة المحلية بالمحافظة والقائمين على الزراعة ومحلج القطن بالكود باستلام أي كمية من محصول القطن طويل التيلة من المزارعين والاستفادة من بيعه فقط دون وضع أي حلول مناسبة للمزارعين.

وأوضح أن هذا المحصول يمكن أن يحقق للمحافظة عائدًا ماليًا وفيرًا لدعم الزراعة والمزارعين لزراعة هذا المحصول (القطن) طويل التيلة وغيرها من المحاصيل الزراعية الأخرى، بدلًا من استيراد المنتجات لمحافظة زراعية كانت تعتبر السلة الغذائية للجنوب.

وقال الخبير الزراعي، عضو الجمعية الوطنية، المهندس عبدالقادر خضر السميطي، إن محصول القطن طويل التيلة يُعدّ من أهم المحاصيل الاستراتيجية والمحاصيل النقدية بدلتا أبين الخصيب ودلتا أحور.

وأشار السميطي في سياق حديثه لـ"الأيام" إلى أن محصول القطن كان يحتل أهمية كبيرة في حياة المزارعين أنفسهم، وكان هذا المحصول الجماعي يُشغل جزءًا كبيرًا من القوى العاملة، بل والعاطلة عن العمل، حيث كان يُشغِّل الكثير من النساء.

ولفت إلى أن محصول القطن كان من أهم المحاصيل التي يعتمد عليها الناس في معيشتهم، أفراحهم، وأحزانهم. إذا كان لديهم زواج، كانوا ينتظرون جني محصول القطن. كذلك الحال عند البناء أو شراء أي شيء، كانوا ينتظرون حصاد محصول القطن. ورغم سعره الزهيد، إلا أن العملة كانت في أيام دولة الجنوب لها قيمة كبيرة.

وأشار إلى أن محصول القطن طويل التيلة يُعتبر من أهم المحاصيل التي تُزرع على مستوى العالم، مثل مصر والسودان وأفريقيا. وكنا نحن من الدول المنتجة لهذا الصنف بالذات، لكن للأسف الشديد، في بلادنا، قضت عليه الحروب ودمرتنا الحروب والتغييرات المناخية والأزمات الاقتصادية.

وتابع: لهذا السبب، بدأ الناس يكرهون زراعة القطن، كون زراعته أصبحت مكلفة، بدءًا من المبيدات والوقاية والعمل، رغم أنه يُزرع على سيول الأمطار، حيث تكفي ريّة واحدة للأراضي الزراعية لمدة ستة أشهر. وهذه ميزة من ميزات زراعة القطن.

وأوضح أن التسويق للأسف الشديد غير موجود لهذا المحصول سوى عن طريق محلج القطن بمنطقة الكود، حيث يتم شراؤه بسعر 250 ريالًا للرطل الواحد، والمزارع غير مستفيد من هذا المحصول، مما أدى إلى عزوفه عن زراعته لأنه مُخسر.

وأضاف أن مجموعة من المزارعين في منطقة الطرية ومركز أبحاث الكود وبعض المناطق مثل عرشان والرواء لا زالوا يزرعون محصول القطن بدافع وطني للحفاظ على بذوره من الضياع. وهذا شيء جميل أن هناك مزارعين بمثل هذه الوطنية يحافظون على جهود بذلت منذ 60 عامًا.

وأشار إلى أن هذا الموسم تم زراعة مساحة لا تتجاوز 300 فدان بالقطن طويل التيلة مقارنة بالسنوات الماضية، لكن هذا يعتبر ضمن جهود الحفاظ على بذرة القطن الأصيلة. ونتمنى من وزارة الزراعة والري أن تقوم بدعم زراعة محصول القطن، وتعمل على وضع خطط وتحديد مساحات لزراعته، خاصة بالمزارعين، لما له من أهمية كبيرة.

من جانبه، قال المزارع أحمد هادي إنه يحرص على زراعة محصول القطن سنويًا في أرضه الزراعية بمنطقة الطرية، رغم تكلفته المادية وعدم الاستفادة منه. لكن هذا لم يمنعه من مواصلة زراعته.

وأشار إلى أن عملية مواصلة زراعة بذرة القطن هي بدافع وطني للحفاظ على هذه البذرة الأصيلة، رغم عدم الاستفادة منها، في حين أن هناك مزارعين عزفوا عن زراعة الذهب الأبيض الذي كان له قيمة سوقية في الأيام الخوالي.

وقال المزارع الشيخ خالد علي الدحبي إن عزوف المزارعين عن زراعة القطن طويل التيلة في مناطق دلتا أبين الخصيب، التي تشتهر بزراعة هذا المحصول، يرجع إلى قلة الدعم المقدم للمزارعين من قبل وزارة الزراعة والري.

وأشار إلى أن عدم زراعة هذا المحصول يعود إلى تنصل الجهات ذات العلاقة عن تقديم الدعم للمزارعين الذين لم يستفيدوا من زراعته نظرًا لضعف مردوده المادي من قبل الدولة.

ولفت إلى أن المحصول بعد جنيه يصل إلى محلج القطن بمنطقة الكود، حيث يتم شراؤه بمبالغ مالية زهيدة لا تعود بالفائدة والنفع على المزارعين، الأمر الذي أدى إلى عزوفهم عن زراعته.

من جانبه، قال المزارع أحمد صالح حسين إن القطن طويل التيلة، أو الذهب الأبيض، أصبح اليوم في خطر ومهددًا بالانقراض بسبب عوامل التعرية والتغييرات المناخية التي أصابت المزارعين في مقتل.

وأشار إلى أن محصول القطن كان المزارعون يتسابقون على زراعته في السابق، أما اليوم فحدث ولا حرج، حيث عزف الكثيرون عنه بسبب قلة الدعم والاهتمام.

وأضاف أن زراعة القطن تكلف ماديًا، فهناك مبيدات وأشياء كثيرة يحتاجها محصول القطن لكي يبقى على قيد الحياة إلى أن يتم جنيه.

وأشار إلى أن المزارعين ينتظرون تدخل وزارة الزراعة والري والسلطة المحلية بالمحافظة لتقديم الدعم اللازم، وتشغيل محلج القطن بمنطقة الكود، وتشجيع المزارعين على زراعة المحصول طويل التيلة وإحياء ما تبقى من محصول القطن بدلًا من انقراضه، خاصة أن المزارعين كانوا يعتمدون على هذا المحصول الذي كان يوفر لهم قوت عيشهم في جميع المناسبات.