أثار إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق جدلًا واسعًا وانتقادات من بعض الدول الغربية، وكشفت ردود الأفعال تلك المخاوف بشأن المعايير المزدوجة التي تطبقها بعض الدول الغربية عندما يتعلق الأمر بالقانون الدولي والمساءلة.

عندما أصدرت نفس المحكمة مذكرة اعتقال بحق الرئيس بوتين عبر الرئيس الأمريكي عن تأييده وموافقته على إجراء المحكمة وقال " أعتقد أن هذا مبرر، ويمثل نقطة قوية للغاية"، وذكر أن الرئيس الروسي "ارتكب جرائم حرب بشكل واضح"، لكن حين اتخذت المحكمة نفس الإجراء مع قادة إسرائيل كان رد فعله غاضبا وقال "أمر مثير للغضب، واسمحوا لي أن أكون واضحًا مرة أخرى: أيًّا كان ما قد تعنيه المحكمة الجنائية الدولية، فلا يوجد تكافؤ بين إسرائيل وحماس، وسنقف دائمًا مع إسرائيل ضد التهديدات لأمنها".

هذا الغضب الانتقائي الذي تمارسه الدول الغربية عندما تصدر المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق زعماء من دول غير غربية، مثل عمر البشير في السودان أو بوتين في روسيا، نجد نفس الدول الغربية تصفق وتحيي هذه الخطوة باعتبارها خطوة نحو المساءلة وإرساء العدالة، لكن، عندما تستهدف نفس المحكمة زعيم دولة مدعومة من الغرب مثل إسرائيل، تصبح هذه الدول فجأة منتقدة لتصرفات المحكمة الجنائية الدولية وتصبح قراراتها غير مقبولة.
هنا يتجلى النفاق السياسي خصوصًا عندما تتصدى هذه الدول الداعمة لإسرائيل وتتحدث عن السيادة الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وكأن قتل خمسين ألف غزي مجرد حدث داخلي لا يعنيها، لأن الأمر يتعلق بمصالحها الخاصة ومع ذلك لا تظهر نفس المواقف تجاه الدول الأخرى، وخاصة تلك الموجودة في الجنوب العالمي.

إن سياسة المعايير المزدوجة التي تمارسها دول الغرب على الحلفاء والأعداء بصور مختلفة ومتناقضة تؤكدها الحقائق التاريخية ، فالولايات المتحدة لها تاريخ طويل في حماية حلفائها من المساءلة عن جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان ولنا في دعمها للجنرال بينوشيه خير مثال وفي الوقت نفسه، كانت ولا زالت تمارس حروب العقوبات والمقاطعة تجاه الدول التي تعتبرها أعداء، مثل كوبا أو كوريا الشمالية، على تجاوزات أقل من جرائم إسرائيل ويتجلى هذا المعيار المزدوج في رد الولايات المتحدة على مذكرة المحكمة الجنائية الدولية ضد نتنياهو، حيث وصف بعض الساسة الأميركيين المحكمة بأنها "منحازة" و"معادية للسامية".
إن هذه المعايير المزدوجة تقوض نزاهة القانون الدولي ومبدأ المساءلة، مما يخلق تصورًا بأن بعض الدول فوق القانون بينما تخضع دول أخرى لمعايير مختلفة.