حين بدا عهد البشرية يتكون عندي ويتشكل في معرفتي وإدراكي ونحالة جسدي وطفولة عقلي، في بلدتنا تلك حين طاف بنا الحب الملكي كل مساحات الأرض الحبية كنا أطفالا ملائكة من غير هدى اصطفينا في الابتدائية في الصف الأول فدخلت المعلمة نور في ثوب وردي وشعرها يتراقص بدلال على كتفيها وعلى شفتيها ضحكات أمن وسلام تتمخطر وسط الفصل وهناك أجواء كربيع خلاب والكل في صف أحباب لا غل أو حقد ولا هذا يشك من ذاك أو يرتاب.

ارتصصنا طابورا، فسالتنا معلمتنا ماذا تريد أن تكون حينما تكبر ولماذا؟

وهيب: جندي أحمي الوطن. كمال: طبيب أعالج ابناء الوطن. أنيس: مهندس أصلح خدمات الوطن. ناصر: مزارع أوفر الثمر والخضار لأبناء الوطن. إيناس: محامية أدافع عن أبناء الوطن. ابتهال: معلمة أعلم الطلاب، فوقفت أنا بعيدا في الطابور ولم أتحدث، فنظرت إليّ نظرة مليئة بالدهشة وقالت أنت لم تنطق لماذا واقف صامت؟ هيا تحدث.

قلت لها أريد تكوني بخير أنت وكل زملائي، وحين أكبر سأخبرك بأن لا أحد من هذ الفصل سيجد أمنياته، وسأكون أنا زعيم بحجم أوطانهم، وراعيا لكل أمنياتهم، وسأخبرك حينها من أين أتيت وكيف صرت وأين عشت وأين كنت.. فهل تقبلين إجابتي؟. ابتسمت وقالت حسنا.

فتفارقنا وكبرنا وذهبنا للإعدادي والثانوي والجامعة والمرفق والعمل أولادا وشبابا ورجالا وكهولا وعجزة، فذهبت أبحث عن أخبار معلمتي نور وزملائي في الفصل فعرفت عنهم معلمتي شاهدتها مشلولة في غرفة بردين للإيجار لا تقدر تذهب إلى بشائر طابور تحفيز الأوطان وقد منحوها ثلاثين ألف ريال.

وهيب في هولندا أستاذ علوم عسكرية وكمال رئيس أكبر مستشفى في كوبا وأنيس خبير تقني باليابان وناصر باحث زراعي في المكسيك وإيناس وابتهال موظفتان باليونسكو في بلجيكا.

رفضتهم أرضهم فوجدوا أوطانهم هناك، وبقيت أنا والقلم أسرد حكاية شعب ووطن ومناهج ومشاريع، فتعبت ونهضت صوب وطني أغتسل وأنام فلم أجد ماء ولا هواء ولا هوية ولا كهرباء ولا غازا ولا أمنيات سوى أوطان تافهة وزوامل هذه الأرض الثورية الثائرة.