سوريا التي كانت مهدًا للحضارات وواحة للسلام مرت بخمسين عامًا من حكم عائلي طائفي استنزف مقدراتها وشوه هويتها الوطنية إنه نظام الأسد الذي ورث الحكم بين الأب والابن، جسد نموذجًا مأساويًا لتحويل دولة بأكملها إلى مزرعة عائلية، حيث طغى القمع والتهميش على كل مظاهر الحياة العامة، واليوم مع سقوط هذا النظام تفتح صفحة جديدة، لكنها مليئة بالتحديات لكتابة مستقبل مختلف للشعب السوري.

درس سقوط نظام الأسد يتجاوز حدود سوريا، فهو يحمل رسائل عميقة لكل الأنظمة التي تعتمد على القهر وتهميش شعوبها، لقد أظهر أن الاستبداد مهما طال أمده ومهما استند إلى التحالفات الإقليمية والدولية، فإن نهايته حتمية، فالشعوب قد تصبر طويلًا، لكنها لا تنسى، وستأتي اللحظة التي تنتفض فيها لتسترد حقوقها المسلوبة.

خلال العقود الخمسة الماضية، لم يكن نظام الأسد يمثل دولة حديثة بمفهومها المؤسسي، بل كان كيانًا طائفيًا يستخدم السلطة لتمزيق النسيج الاجتماعي السوري، وتعميق الطائفية، وتحويل الشعب إلى أدوات لخدمة بقاء النظام. هذه السياسات أنتجت حروبًا أهلية، ودمارًا شاملًا، وتدخلات أجنبية أنهكت الدولة والمجتمع معًا.

إن نهاية هذا الحكم لا تعني فقط سقوط نظام، بل بداية مرحلة جديدة تتطلب إعادة بناء الدولة السورية على أسس مختلفة كليًا.. مرحلة تقوم على تحقيق العدالة الانتقالية، واستعادة الثقة بين مكونات الشعب السوري، ووضع دستور يضمن حقوق الجميع دون تمييز.

سقوط النظام السوري يعيد للأذهان حقيقة تاريخية ثابتة: لا نظام يستطيع البقاء إذا حكم بالحديد والنار فقط.. الاستقرار الحقيقي لا ينبع من القمع، بل من بناء دولة قائمة على العدل والمساواة. سوريا الجديدة تحتاج إلى تجاوز إرث الاستبداد والطائفية، والبدء بحوار وطني شامل يُعيد للوطن كرامته، وللشعب سيادته على مقدراته.

ختامًا، إن ما حدث في سوريا ليس نهاية المطاف، بل بداية لمرحلة أصعب، مرحلة إعادة البناء المادي والمعنوي. الشعب السوري، الذي دفع أثمانًا باهظة، يستحق أن يعيش في وطن حرّ، يحتضن الجميع دون خوف أو تمييز، وهل يتعلم الآخرون من هذا الدرس قبل أن يلحق بهم نفس المصير؟ الأيام وحدها كفيلة بالإجابة.