> عدن «الأيام» خاص:

في باحة مدرسة الميناء بمديرية التواهي، حيث اعتاد الطلاب على تلقي دروسهم، اجتمع، مساء أمس الاثنين، عشرات المعلمين، ليس لتحضير الدروس أو تنظيم الحصص، بل من أجل الحصول على وجبة إفطار قدمتها إحدى المنظمات الخيرية، وكانت الوجبة، التي لم تتعدَّ "نفر رز وربع دجاجة وحبتين من الرغيف"، كافية لرسم صورة قاتمة عن أوضاع مربي الأجيال في عدن واليمن عمومًا، في ظل أزمة اقتصادية خانقة دفعتهم إلى حافة الجوع.

لم يكن المشهد مجرد نشاط خيري عابر، بل كان انعكاسًا لحالة من الفقر المدقع الذي ضرب قطاع التعليم، وجعل من المعلمين المستحقين للراتب متلقين للمعونات، إذ تدافع العشرات للحصول على الطعام، في مشهد يعكس قسوة الواقع الذي أصبح المعلمون يواجهونه يوميًا، وهم الذين اعتادوا أن يكونوا مصدر إلهام ومعرفة لا متلقين للصدقات.


يقول أحد المعلمين المشاركين في هذا المشهد المؤلم، وهو يحدق في الوجبة أمامه بحسرة: "كنا نطالب بزيادة رواتبنا، ففوجئنا بوجبة عشاء.. يا له من إذلال!". كلمات قليلة، لكنها تختزل حجم المأساة التي يعيشها هؤلاء الذين أفنوا أعمارهم في تعليم الأجيال، ليجدوا أنفسهم اليوم في طابور انتظار المساعدات.

لم تكن هذه الصورة المعاناة الوحيدة التي يعيشها المعلمون، بل هي جزء من أزمة أعمق، إذ يخوض معلمو عدن منذ شهور إضرابًا شاملًا احتجاجًا على تدني رواتبهم التي لم تعد تكفي حتى لأسبوع واحد من الاحتياجات الأساسية في ظل انهيار العملة وارتفاع الأسعار، في بلدٍ بات فيه راتب المعلم لا يتجاوز 27 دولارًا شهريًا، أصبحت أبسط مقومات الحياة رفاهية لا يقدر عليها الكثيرون.

الإضراب، الذي شل العملية التعليمية في العاصمة عدن والمحافظات المجاورة وأثَّر على آلاف الطلاب، لم يكن خيارًا سهلًا بالنسبة للمعلمين، لكنه جاء بعد سنوات من التجاهل والوعود التي لم تتحقق.

"كيف يمكننا أن نُدرِّس ونحن لا نستطيع إطعام أطفالنا؟"، يتساءل معلم آخر وهو ينظر إلى زملائه الذين لم يعد لديهم خيار سوى الاحتجاج، رغم معرفتهم أن التعليم هو الضحية الأولى.

تُظهر هذه الأزمة الوجه القاتم لواقع التعليم في عدن وبقية محافظات الجنوب واليمن بشكل عام، حيث تحولت مهنة التعليم من رسالة سامية إلى معاناة يومية، فالسلطات بدلًا من الاستجابة لمطالب المعلمين المشروعة، تركتهم لمواجهة الفقر بمفردهم، حتى بات البعض يضطر للعمل في مهن أخرى، أو حتى مغادرة القطاع التعليمي بحثًا عن مصدر دخل يؤمن له الحد الأدنى من الحياة الكريمة.