> أحمد عليبه:
لا يجد محللو الدفاع الكثير الذي يمكن أن يقال حول الحملة الأمريكية في اليمن، وما يتعين مناقشته من نتائج، بحكم أن مؤشرات وتفاصيل الحملة العسكرية "Rough Rider" أو "الراكب الخشن" غامضة إلى حد كبير، حتى التقارير التي أفصح عنها الكونجرس الأمريكي في الدوائر الضيقة لم تكن مقنعة لكثيرين، خاصة مع مقارنتها بالتكاليف الهائلة التي أنفقت في الفترة المحدودة للحملة، والحشد العسكري والأسلحة والذخائر التي استهلكت خلال الحملة. والأسوأ في حسابات التكلفة هي الخسائر التي وقعت على هامش العمليات مثل فقدان طائرتي F -18.
ويجادل مراقبون في الولايات المتحدة بأن الحملة التي أطلقت في منتصف مارس 2025 كانت تهدف تكتيكيًا إلى استعراض القوة الأمريكية في مواجهة إيران، أي كـ"بروفة" لتعزيز الخيار العسكري ضد طهران، باعتباره أحد الخيارين الأمريكيين اللذين طرحا قبيل انطلاق المفاوضات الأمريكية-الإيرانية حول الملف النووي. ويأتي الجدل على خلفية أن ما تعرضت له القوة الأمريكية في اليمن ليس سوى جزء من العوائق التي قد تعترض الجيش الأمريكي إذا ما قرر خوض حرب في إيران. وتمتد مساحة الجدل إلى النتيجة السياسية التي خرجت بها الصفقة التى تم بها إنهاء الحملة، وهي استثناء الجانب الأمريكي حصريًا من التهديد الملاحي والمرور الآمن في البحر الأحمر.
في إيران، أعلن الحرس الثوري بالتوازي مع الحملة العسكرية الأمريكية في اليمن، عن وجود مدن سرية تحت الأرض، تحتوي على القدرات الصاروخية، والمسيرات، وإخفاء القدرات البحرية، وهي قدرات لحرب هجينة، إلا أنها شكلت استجابة لتحدٍ أكبر، يتعلق بفعالية منظومات الدفاع الجوي الإيراني. هذا البديل الاستراتيجي أثبت فعالية في الحالة اليمنية، وتقول تقارير إن الحرس الثوري نقل هذه الخبرة إلى اليمن، في حين أنه من المعروف أن اليمن كان لديه تلك الخبرة على سبيل المثال في فج عطان، منذ فترة طويلة، والواقع أن الحوثيين عملوا على تعزيزها مع توسيع فتحات في بعض المواقع الجبلية، لاستيعاب أكبر قدر ممكن من المخزون العسكري، لكن قد تكون الخبرة التي تم نقلها من الجانب الإيراني هي عملية تشغيل المنظومات من هذه الكهوف الحصينة.
النقطة الأخرى في السياق ذاته، تتعلق بتكلفة الحرب التي اقتربت من مليار دولار، وهي تكلفة مرتبطة بتقييم الأداء العسكري بشكل رئيسي، لأنها تشمل خسائر بلغت 210 مليون دولار جراء إسقاط الحوثيين سبعة طائرات من دون طيار MQ9 Reaper - خلال فترة الحملة فقط- وتبلغ كلفة الواحدة منها 30 مليون دولار. العبرة هنا بالتكنولوجيا المضادة التي استخدمت للسيطرة على هذه المسيرات وطريقة إسقاطها، وعدم القدرة على الاستجابة لهذا التحدي في الميدان.
يتعين النظر إلى أن الحرس الثوري كان قد استولى على طائرة من الطراز ذاته في نوفمبر 2018، وقال إنه أسقطها بواسطة المنظومة "خرداد-3"، في حين فسرت تقارير الدفاع الأمريكية الأمر بأن الاستيلاء على الطائرة جرى لكونها كانت على ارتفاع في مستوى الطيران التجاري. لكن في كل الأحوال، حدثت عملية استيلاء – ليست الأولى من نوعها من الجانب الإيراني- على الطائرة، وهو سبب كافٍ لعدم استخدامها في حملة عسكرية لإيران علاقة بها، وعلى الأرجح نقلت خبرة المضادات للتعامل معها، دلالة ذلك، أنه في العراق أيضًا تمكنت فصائل من إسقاط اثنتين منها في عمليتين منفصلتين ما بين عامي 2023 و2024.
وأشارت القيادة المركزية إلى إجراء تحقيقيات حول الحادثين. ومع ذلك، فإن المبررات والتفسيرات التي قدمت إلى جانب تحليل الصور يشكك في مستوى الاحترافية والمهارة وقدرات التشغيل. ويظل أن الجيوش التي تمتلك قدرات وخبرات أقل لم تتعرض لحوادث من هذا النوع، خاصة مع إضافة حادث ثالث للطائرة نفسها وقع في ديسمبر 2024 خلال حملة "حارس الازدهار" التي أطلقتها الإدارة الأمريكية السابقة، عندما تعرضت لنيران صديقة أطلقتها المدمرة "يو إس إس جيتيسبيرج"، وهي مدمرة صواريخ موجهة من مجموعة مرافقة لـ "ترومان".
1 - يشير إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن وقف الحرب بوساطة عمانية بالاتفاق على استثناء السفن الأمريكية من الهجمات الحوثية، إلى تحقيق "ردع جزئي"، وقد يكون خطوة تكتيكية في ملف آخر، يتعلق بالمفاوضات الإيرانية-الأمريكية، وورقة ضغط أمريكية على إسرائيل في ضوء التسريبات حول توتر العلاقة بين الجانبين في ضوء ما رشح في هذا الصدد من عدة تقارير أمريكية.
2 - لا تشير النتائج التي خرجت بها الحملة العسكرية إلى انتصار أو هزيمة، وهي سمة الحروب اللامتماثلة، لكن المؤشر الذي يتعين التوقف عنده هو أن الحوثيين استفادوا من الإخفاقات في عملية التشغيل والقدرة على الاستجابة بالإضافة إلى فجوة الثغرات الاستخبارية في اليمن ووضع قائمة أهداف حيوية، وقد لا تكون هذه القائمة متاحة في الأساس في حالة اليمن، فالأهداف الظاهرة ليست أكثر من بنية عسكرية واقتصادية محدودة. لكن الحملة عمّقت تدهور هذه البنية، بحيث يصعب إعادة ترميمها سريعًا، وقد يحتاج ذلك إلى قدرات وتمويل كبير.
3 - لا شك أن الحوثيين تعرضوا لخسائر واستنزاف في القدرات العسكرية، رغم ارتفاع تكلفة ذلك من الجانب الأمريكي، حتى وإن كان الحوثيون لا يزال لديهم القدرة على التهديد، لكن أيضاً هذا النمط من الحروب مُكلِّف في الخسائر المدنية أكثر من العسكرية. على سبيل المثال، استهداف موقع للاجئين الأفارقة وسقوط عشرات المدنيين ما بين قتلى وجرحى، في العديد من المواقع. لكن الخسائر في البنية التحتية في الساحل الغربي قد تكون أكثر تكلفة بالنسبة للحوثيين.
4 - استفاد الحوثيون أيضًا داخليًا من غياب اصطفاف الشرعية وبالتالي عدم استغلال الوضع لإزاحتهم من المشهد السياسي، رغم ما أثير حول رغبة الشرعية في إطلاق عملية برية، لكن لا يعتقد أنه كانت هناك جاهزية كافية لذلك، كما أن الخطاب الأمريكي كان يشير إلى الابتعاد عن الحسابات الداخلية، لكن نتيجة الحملة والصفقة الأمريكية هي إعادة تموضع الحوثيين في المشهد السياسي، وهي نقطة ستوظفها الجماعة لصالحها مستقبلًا، وبالتالي تستمر الأزمة السياسية اليمنية بلا تسوية متوقعة في الأفق.
5- يشير تحليل قوائم العقوبات التي فرضتها وزارة الخزانة الأمريكية إلى نقطتين هامتين: الأولى، قد يكون هذا الاجراء أكثر تأثيرًا على الحوثيين مقارنة بتأثير الحملة العسكرية الأمريكية، ومع تدهور البنية التحتية سيكون هناك طلب على الخدمات سيفرض تحديًا على الحوثيين، خاصة مع استمرار إدراجهم كحركة إرهابية دولية.
والثانية، أنها تسلط الضوء على لجوء الحوثيين إلى بدائل للموارد العسكرية بخلاف الدعم الإيراني حتى وإن قدمت طهران دعمًا لوجستيًا لهذا التوسع، فقد وسعت الجماعة من شبكة الموارد العسكرية من السوق السوداء، وتمويلها بالعملات المشفرة لإخفائها، وأيضًا إخفاء طرق الوصول إلى اليمن، وسيزيد ذلك من تحديات تتبع هذه الشبكات، إذا كان هناك في الأساس اتجاه لملاحقتها.
* باحث مصري في شؤون الأمن والدفاع
المصدر: مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية
ويجادل مراقبون في الولايات المتحدة بأن الحملة التي أطلقت في منتصف مارس 2025 كانت تهدف تكتيكيًا إلى استعراض القوة الأمريكية في مواجهة إيران، أي كـ"بروفة" لتعزيز الخيار العسكري ضد طهران، باعتباره أحد الخيارين الأمريكيين اللذين طرحا قبيل انطلاق المفاوضات الأمريكية-الإيرانية حول الملف النووي. ويأتي الجدل على خلفية أن ما تعرضت له القوة الأمريكية في اليمن ليس سوى جزء من العوائق التي قد تعترض الجيش الأمريكي إذا ما قرر خوض حرب في إيران. وتمتد مساحة الجدل إلى النتيجة السياسية التي خرجت بها الصفقة التى تم بها إنهاء الحملة، وهي استثناء الجانب الأمريكي حصريًا من التهديد الملاحي والمرور الآمن في البحر الأحمر.
- استخبارات الحرب
في إيران، أعلن الحرس الثوري بالتوازي مع الحملة العسكرية الأمريكية في اليمن، عن وجود مدن سرية تحت الأرض، تحتوي على القدرات الصاروخية، والمسيرات، وإخفاء القدرات البحرية، وهي قدرات لحرب هجينة، إلا أنها شكلت استجابة لتحدٍ أكبر، يتعلق بفعالية منظومات الدفاع الجوي الإيراني. هذا البديل الاستراتيجي أثبت فعالية في الحالة اليمنية، وتقول تقارير إن الحرس الثوري نقل هذه الخبرة إلى اليمن، في حين أنه من المعروف أن اليمن كان لديه تلك الخبرة على سبيل المثال في فج عطان، منذ فترة طويلة، والواقع أن الحوثيين عملوا على تعزيزها مع توسيع فتحات في بعض المواقع الجبلية، لاستيعاب أكبر قدر ممكن من المخزون العسكري، لكن قد تكون الخبرة التي تم نقلها من الجانب الإيراني هي عملية تشغيل المنظومات من هذه الكهوف الحصينة.
النقطة الأخرى في السياق ذاته، تتعلق بتكلفة الحرب التي اقتربت من مليار دولار، وهي تكلفة مرتبطة بتقييم الأداء العسكري بشكل رئيسي، لأنها تشمل خسائر بلغت 210 مليون دولار جراء إسقاط الحوثيين سبعة طائرات من دون طيار MQ9 Reaper - خلال فترة الحملة فقط- وتبلغ كلفة الواحدة منها 30 مليون دولار. العبرة هنا بالتكنولوجيا المضادة التي استخدمت للسيطرة على هذه المسيرات وطريقة إسقاطها، وعدم القدرة على الاستجابة لهذا التحدي في الميدان.
يتعين النظر إلى أن الحرس الثوري كان قد استولى على طائرة من الطراز ذاته في نوفمبر 2018، وقال إنه أسقطها بواسطة المنظومة "خرداد-3"، في حين فسرت تقارير الدفاع الأمريكية الأمر بأن الاستيلاء على الطائرة جرى لكونها كانت على ارتفاع في مستوى الطيران التجاري. لكن في كل الأحوال، حدثت عملية استيلاء – ليست الأولى من نوعها من الجانب الإيراني- على الطائرة، وهو سبب كافٍ لعدم استخدامها في حملة عسكرية لإيران علاقة بها، وعلى الأرجح نقلت خبرة المضادات للتعامل معها، دلالة ذلك، أنه في العراق أيضًا تمكنت فصائل من إسقاط اثنتين منها في عمليتين منفصلتين ما بين عامي 2023 و2024.
- كفاءة التشغيل والاستجابة للطوارئ
وأشارت القيادة المركزية إلى إجراء تحقيقيات حول الحادثين. ومع ذلك، فإن المبررات والتفسيرات التي قدمت إلى جانب تحليل الصور يشكك في مستوى الاحترافية والمهارة وقدرات التشغيل. ويظل أن الجيوش التي تمتلك قدرات وخبرات أقل لم تتعرض لحوادث من هذا النوع، خاصة مع إضافة حادث ثالث للطائرة نفسها وقع في ديسمبر 2024 خلال حملة "حارس الازدهار" التي أطلقتها الإدارة الأمريكية السابقة، عندما تعرضت لنيران صديقة أطلقتها المدمرة "يو إس إس جيتيسبيرج"، وهي مدمرة صواريخ موجهة من مجموعة مرافقة لـ "ترومان".
- استنتاجات أوّلية
1 - يشير إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن وقف الحرب بوساطة عمانية بالاتفاق على استثناء السفن الأمريكية من الهجمات الحوثية، إلى تحقيق "ردع جزئي"، وقد يكون خطوة تكتيكية في ملف آخر، يتعلق بالمفاوضات الإيرانية-الأمريكية، وورقة ضغط أمريكية على إسرائيل في ضوء التسريبات حول توتر العلاقة بين الجانبين في ضوء ما رشح في هذا الصدد من عدة تقارير أمريكية.
2 - لا تشير النتائج التي خرجت بها الحملة العسكرية إلى انتصار أو هزيمة، وهي سمة الحروب اللامتماثلة، لكن المؤشر الذي يتعين التوقف عنده هو أن الحوثيين استفادوا من الإخفاقات في عملية التشغيل والقدرة على الاستجابة بالإضافة إلى فجوة الثغرات الاستخبارية في اليمن ووضع قائمة أهداف حيوية، وقد لا تكون هذه القائمة متاحة في الأساس في حالة اليمن، فالأهداف الظاهرة ليست أكثر من بنية عسكرية واقتصادية محدودة. لكن الحملة عمّقت تدهور هذه البنية، بحيث يصعب إعادة ترميمها سريعًا، وقد يحتاج ذلك إلى قدرات وتمويل كبير.
3 - لا شك أن الحوثيين تعرضوا لخسائر واستنزاف في القدرات العسكرية، رغم ارتفاع تكلفة ذلك من الجانب الأمريكي، حتى وإن كان الحوثيون لا يزال لديهم القدرة على التهديد، لكن أيضاً هذا النمط من الحروب مُكلِّف في الخسائر المدنية أكثر من العسكرية. على سبيل المثال، استهداف موقع للاجئين الأفارقة وسقوط عشرات المدنيين ما بين قتلى وجرحى، في العديد من المواقع. لكن الخسائر في البنية التحتية في الساحل الغربي قد تكون أكثر تكلفة بالنسبة للحوثيين.
4 - استفاد الحوثيون أيضًا داخليًا من غياب اصطفاف الشرعية وبالتالي عدم استغلال الوضع لإزاحتهم من المشهد السياسي، رغم ما أثير حول رغبة الشرعية في إطلاق عملية برية، لكن لا يعتقد أنه كانت هناك جاهزية كافية لذلك، كما أن الخطاب الأمريكي كان يشير إلى الابتعاد عن الحسابات الداخلية، لكن نتيجة الحملة والصفقة الأمريكية هي إعادة تموضع الحوثيين في المشهد السياسي، وهي نقطة ستوظفها الجماعة لصالحها مستقبلًا، وبالتالي تستمر الأزمة السياسية اليمنية بلا تسوية متوقعة في الأفق.
5- يشير تحليل قوائم العقوبات التي فرضتها وزارة الخزانة الأمريكية إلى نقطتين هامتين: الأولى، قد يكون هذا الاجراء أكثر تأثيرًا على الحوثيين مقارنة بتأثير الحملة العسكرية الأمريكية، ومع تدهور البنية التحتية سيكون هناك طلب على الخدمات سيفرض تحديًا على الحوثيين، خاصة مع استمرار إدراجهم كحركة إرهابية دولية.
والثانية، أنها تسلط الضوء على لجوء الحوثيين إلى بدائل للموارد العسكرية بخلاف الدعم الإيراني حتى وإن قدمت طهران دعمًا لوجستيًا لهذا التوسع، فقد وسعت الجماعة من شبكة الموارد العسكرية من السوق السوداء، وتمويلها بالعملات المشفرة لإخفائها، وأيضًا إخفاء طرق الوصول إلى اليمن، وسيزيد ذلك من تحديات تتبع هذه الشبكات، إذا كان هناك في الأساس اتجاه لملاحقتها.
* باحث مصري في شؤون الأمن والدفاع
المصدر: مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية