> رندة جباعي:

في 6 مايو، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب وقف الهجمات على مواقع الحوثيين، بعد تعهدهم بوقف استهداف السفن الأميركية في البحر الأحمر. سلطنة عمان لعبت دور الوسيط، ليظهر الاتفاق كخطوة أولى نحو تهدئة إقليمية. لكن سرعان ما أكد كبير مفاوضي الحوثيين محمد عبدالسلام أن "الاتفاق لا يشمل إسرائيل"، مشدداً على الطابع الدفاعي لهجماتهم.

وراء هذا التراجع الحوثي تكمن مؤشرات ضغوط عسكرية أميركية وتحولات في موقف إيران، التي تبدو منشغلة بتفاهمات جديدة مع واشنطن، مما جعل الحوثيين يشعرون بالقلق من التخلي عنهم، كما أشار ديفيد ديس روش، أستاذ بجامعة الدفاع الوطني الأميركية.

يقول الخبراء إن الاتفاق مؤقت ولن يسمح للحوثيين بعد اليوم بشن هجمات بحرية أو استهداف إسرائيل، خصوصاً في ظل محادثات إيرانية أميركية قد تُعيد رسم خريطة التحالفات.

منذ 2014، يقود الحوثيون حرباً داخلية مدمّرة في اليمن، قبل أن تتوسع عملياتهم لتشمل البحر الأحمر. هجماتهم على السفن أثّرت على 15 % من التجارة البحرية العالمية، بحسب برادلي بومان من مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، الذي يعتبر أن إيران تمثل التهديد الأكبر للملاحة الدولية.

لكن كيف نشأت هذه الجماعة؟ بدأ الحوثيون، أو "أنصار الله"، في تسعينيات القرن الماضي تحت اسم "الشباب المؤمن"، كرد فعل على تهميش المناطق الزيدية. حسين بدر الدين الحوثي، مؤسس الحركة، تأثر بثورة إيران ومزج بين الدين والسياسة، لتتحول حركته إلى تمرد مسلح في 2004. وبعد مقتله، تولى القيادة شقيقه عبد الملك.

بحلول 2014، انقلب الحوثيون على الحكومة الشرعية واستولوا على صنعاء بدعم إيراني. ثم سيطروا على مناطق واسعة كعدن ومأرب، ما دفع السعودية لتشكيل تحالف عسكري لإعادة الحكومة الشرعية في 2015. ورغم خسارة الحوثيين بعض المناطق، لا يزالون يسيطرون على جزء كبير من الشمال.

الحوثيون تلقوا دعمًا واسعًا من إيران، حسب تقارير عسكرية، شمل تدريبًا وتهريب مكونات صواريخ باليستية وأسلحة بحرية، بإشراف من الحرس الثوري. ووفقاً لفريز نديمي من معهد واشنطن، فإن الجماعة باتت تصنع بعض أجزاء الصواريخ وتضيف إليها مكونات إيرانية متقدمة، مع تدريبهم في سوريا ولبنان وإيران.

أدى تصاعد هجماتهم البحرية، لاسيما بعد حرب غزة في 2023، إلى تشكيل تحالف دولي بقيادة واشنطن لحماية الملاحة في البحر الأحمر. وأطلقت الولايات المتحدة عملية "حارس الازدهار" بمشاركة أكثر من 12 دولة.

رغم ذلك، واصل الحوثيون اعتداءاتهم، لتصل إلى 129 هجوماً على أكثر من 300 سفينة مع نهاية 2024، ما جعل الرد الأميركي أكثر شدة.

في مارس 2025، أعلن ترامب بدء حملة "الفارس الخشن" العسكرية ضد الحوثيين. استهدفت العملية أكثر من 1000 موقع في اليمن، شملت مراكز قيادة وتخزين أسلحة، وقتلت مئات المقاتلين، بحسب "سنتكوم".

القيادة الأميركية أكدت تراجع الهجمات الحوثية بنسبة 69 % بالنسبة للصواريخ البالستية و55 % لهجمات الطائرات المسيرة. لكن بعض الخبراء، مثل وولف كريستيان بايس، يرون أن الضربات الجوية وحدها غير كافية لمنع الحوثيين من مهاجمة السفن أو التهديد الإقليمي، مشيرين إلى ضرورة التفكير بعملية برية، رغم أن واشنطن لا تُظهر رغبة واضحة في هذا الاتجاه.

ووسط هذه التطورات، يبقى السؤال: هل نحن أمام بداية نهاية نفوذ الحوثيين؟ وهل تخلّت إيران عنهم فعلاً كجزء من تسوية إقليمية أشمل؟ فمع تضييق الخناق على حماس، وانهيار دور حزب الله، وسقوط نظام الأسد في دمشق، تبدو جماعة أنصار الله آخر ذراع لإيران في المنطقة.

الولايات المتحدة حريصة على إبقاء العمليات في اليمن سرية لكنها تؤكد عزمها على وقف تهديد الحوثيين للملاحة الدولية، ولو استغرق الأمر حملة طويلة.

"الحرة"