> "الأيام" العرب اللندنية:

​تشير التصريحات المتبادلة بين واشنطن وطهران في الأيام الأخيرة إلى دخول المفاوضات النووية مرحلة حاسمة، تتداخل فيها الاعتبارات الأمنية مع الحسابات السياسية، في ظل تقارير عن اقتراب الطرفين “جدا” من التوصل إلى اتفاق.

وقال الرئيس الأميركي دونالد ترامب اليوم الخميس إن الولايات المتحدة تقترب جدا من التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران، وإن طهران وافقت “إلى حد ما” على الشروط.

وأشار ترامب إلى وجود مسارين محتملين: أحدهما سلمي “لطيف جدا”، وآخر “عنيف” لا يرغب في اللجوء إليه.

ورغم نبرة التفاؤل التي عبّر عنها ترامب خلال جولته الخليجية، فإن تصريحات المسؤولين الإيرانيين تكشف عن واقع أكثر تعقيدا.

وأكد مسؤولون إيرانيون أنه لا تزال هناك “فجوات كبيرة” بين الجانبين، وسط تمسك طهران بحقها في تخصيب اليورانيوم ورفضها تلقي أي مقترح أميركي “جديد”، وهو ما يلقي بظلال من الشك على احتمالات التوصل إلى تسوية وشيكة.

وتبدو إدارة ترامب في موقف يبحث عن إنجاز دبلوماسي كبير قبيل الانتخابات، خاصة في ظل ضغوط دولية لإعادة واشنطن إلى مسار دبلوماسي متماسك بعد انسحابها الأحادي من الاتفاق النووي لعام 2015.

وبالمقابل، تسعى إيران إلى فك الحصار الاقتصادي الخانق المفروض عليها منذ إعادة فرض العقوبات في 2018، لكنها تطالب بضمانات ملموسة بعدم تكرار ما تسميه “خيانة واشنطن”، وهو مطلب يبدو بالغ الصعوبة في ظل طبيعة النظام السياسي الأميركي، حيث لا تستطيع إدارة واحدة إلزام الإدارات التالية بمواقفها.

ومن الناحية الفنية، تظل قضية تخصيب اليورانيوم العقدة الأبرز في المفاوضات. إذ تصر واشنطن على وقف التخصيب أو خفضه إلى مستويات دنيا، بينما ترى إيران في ذلك حقا سياديا لا يمكن التنازل عنه، لكنها أبدت مرونة نسبية عبر عرضها تقليص التخصيب إلى مستويات مدنية والتخلص من المخزونات المرتفعة، شرط رفع العقوبات فعليا والتحقق من ذلك، وهي خطوة تعكس محاولة إيرانية لتفادي الصدام دون تقديم تنازلات جوهرية.

واقتصاديا، سجلت الأسواق رد فعل سريعا لاحتمال الاتفاق، حيث تراجعت أسعار النفط بنحو دولارين، في مؤشر على توقعات برفع جزئي للعقوبات عن صادرات إيران النفطية، وهو ما قد يُعيد توازن الإمدادات في السوق العالمية ويضع واشنطن في موقف حساس أمام حلفائها الخليجيين.

لكن المعادلة لا تقتصر على الجوانب التقنية والاقتصادية. فالمؤسسة الدينية الإيرانية، ممثلة في الزعيم الأعلى علي خامنئي، لا تزال تحتفظ بخطوط حمراء صارمة تتعلق بالسيادة والكرامة الوطنية، بينما تراهن إدارة ترامب على الضغط الأقصى كوسيلة لفرض تنازلات إيرانية دون تقديم الكثير بالمقابل.

ويعكس هذا التباين البنيوي صعوبة أي اتفاق محتمل، ويجعل الحديث عن اتفاق “وشيك” أقرب إلى المناورة السياسية منه إلى الواقع الدبلوماسي.

وفي ضوء التداخل بين الرسائل السياسية والمطالب التفاوضية، تبدو المفاوضات الحالية وكأنها تسير على حافة الهاوية، ما يتطلب توازنا هشا بين تجنب الحرب وضمان المكاسب.

وإذا كان الطرفان قد تعلما من التجارب السابقة أن الحسم العسكري مكلف وغير مضمون، فإنهما لم يتوصلا بعد إلى تصور مشترك لاتفاق يمنع الانهيار دون أن يُفهم من قبل الداخل كتنازل أو تراجع.

ولعبت سلطنة عمان دورا بارزا في تسهيل المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة في السابق، حيث كانت تعتبر قناة اتصال غير مباشرة بين البلدين، خاصة في فترة ما بعد الاتفاق النووي لعام 2015.

وجرت الجولة الأخيرة من المفاوضات بين الطرفين في عمان، مما يسلط الضوء على استمرارية دور هذه الدولة في الوساطة، إذ يعتقد البعض أن عمان تحظى بثقة كلا الجانبين وتستطيع تقديم تنازلات تضمن استمرار المحادثات دون أن تنشأ توترات.

ويقول مراقبون إن الأسابيع المقبلة ستكشف ما إذا كانت لغة “الخطوة اللطيفة جدا” التي تحدث عنها ترامب ستترجم إلى خطوات عملية، أم أنها ستظل مجرد غطاء لمسار تفاوضي طويل ومعقد قد ينتهي، مرة أخرى، إلى طريق مسدود.

ويشير تداخل المصالح السياسية والاقتصادية في المفاوضات النووية مع إيران إلى أن كلا الطرفين، رغم التصريحات التفاؤلية، ما زالا بعيدين عن التوصل إلى تسوية حقيقية. إذ في حين أن التصريحات الصادرة عن ترامب تظهر نوعا من التفاؤل المشروط، لا يزال الطرف الإيراني يتمسك بمواقفه الأساسية. كما أن التوصل إلى اتفاق يتطلب التوازن بين المطالب السياسية الداخلية وحسابات القوى الدولية، وهو ما يزيد من تعقيد التوصل إلى تسوية شاملة.

وبغض النظر عن نتيجة هذه المفاوضات، يبقى التحدي الأكبر هو كيفية ضمان استقرار الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط.

وبات صعود إيران كقوة إقليمية يشكل تهديدا للحلفاء التقليديين للولايات المتحدة في المنطقة، مثل المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى.

وما يعقد الأمور هو أن أي توافق قد يؤدي إلى تكثيف الصراع في ساحات أخرى في الشرق الأوسط، مثل سوريا والعراق، وهو ما قد يُعيد المنطقة إلى مرحلة جديدة من التوترات العسكرية والدبلوماسية.