> الحبيب مباركي:
ليس يسيرا أن تكتب عن شخص يعتبر قدوة لك ورئيسك في العمل، خصوصا إذا كان ذا مكانة عالية وقامة شامخة مثل الدكتور هيثم الزبيدي. لن أسهب في الحديث عن مسيرته الدراسية والمهنية، ولا عن رحلته الطويلة في البناء والتطوير، فهذا الجانب تكفّل بشرحه وتفصيله الكثير ممن رافقوه وكانوا على تواصلٍ وثيقٍ معه. لكنني سأعرّج على بُعدٍ جوهري مهم، يتعلق بطبيعة العلاقة التي كانت تجمعني بالدكتور هيثم رحمه الله شخصيا، وبالكثير من زملائي في دار العرب.
من خلال تجربة بسيطة، تدرك أن الدكتور هيثم كان حاضرا في ذهن كل منا على مدار الساعة، منذ فتح الجهاز والجلوس أمامه، وحتى انتهاء الدوام أو ساعات العمل. كان حين يتحدث إليك حول تفصيل معين في العمل بالطريقة التي يريدها، يخاطبك بـ”سي فلان” كتعبير عن التقدير والاستلطاف، وفي العمق هناك دلالة على دماثة خلقه ونُبل صفاته.
منذ عرفته في أول لقاءٍ جمعنا في مقر دار "العرب" بشارع الأمين العباسي في تونس العاصمة، قبل أن تفرض علينا الجائحة الانتقال للعمل عن بُعد، كان حين يزور المؤسسة يحرص على اللقاء بنا مجموعةً مجموعةً، وأحيانًا بشكل فردي. قد يظهر لك في اللقاء الأول شديدًا وصارمًا، لكن سرعان ما يقلب المعادلة بنكتة لطيفة تُذيب أي ارتباك، لتدخل معه في حوار عميق، وتستمع إلى الفرضيات والحلول إن استدعى الأمر التدخل أو التصحيح في مختلف الأقسام، من التدقيق، والتحرير، والتنفيذ الإلكتروني، والأونلاين وغيرها. كانت هناك ديناميكية ثابتة في شخصيته قلّ أن تجدها في غيره: التجديد والتغيير المستمر.
خذ على سبيل المثال اهتمامه الدقيق بالصورة، التي يرى فيها ثوابت ومعايير لا يجب أن تغفل عنها أقسام التنفيذ، ويشرح لك بالتفصيل كيفية استخدامها. وإن كنت مضطرا إلى التعديل أو الاقتصاص منها، فإنك تستشف من حديثه أنه يعلم طبيعتها الأصلية.
الحديث عن الدكتور هيثم لا يستوفيه أي مقال. أما جانب العمل المهني، فهو متروك لأصحابه وزملائي الذين يواصلون جهدهم لتقديم ما يليق بـ”العرب”، لتكون دائما في أبهى صورها. وقد كان الدكتور هيثم يُقرّ بذلك في أكثر من مناسبة، معبّرا عن تقديره للجهود التي يبذلها فريق “العرب” بكل أفراده. ولكن الفضل في ذلك يعود بالأساس إليه شخصيا عندما حرص على صقل مواهبنا بطريقته الخاصة، ليكون كل واحدٍ منا على أفضل صورة ممكنة.
كان الدكتور هيثم، رحمه الله، يتفقد كل صغيرة وكبيرة في الصحيفة صباحا ومساءً، وقبل صدور العدد، إذ لا تغيب عنه أي تفاصيل، بدءًا من صناديقها الثلاثة الكبرى في الأعلى، مرورًا بالهوامش، وصولًا إلى العناوين الداخلية والتعليقات، التي كان يسهر على تعديلها بثباتٍ وإتقانٍ. كان كل شيءٍ يسير معه بذكاء ودقة قلّ نظيرهما، لا يسمي الأشياء بمسمياتها مباشرةً، بل يقدم الملاحظات بحرفية، ويبدي خبرة عميقة سرعان ما يغلفها بمداعبة لطيفة تزيل أي ارتباك.
عندما يتعلق الأمر بالكتابة والتحليل، كان الدكتور هيثم يكتب أكثر مني ومنك ومن الجميع، حتى أثناء الاجتماعات، وكان دائما دقيقا في اختيار الكلمات التي تحمل الرسالة المطلوبة، وتوجهك نحو الالتزام بالمطلوب بوضوح ودقة.
أخاطب في الفقيد روحه الطاهرة الزكية، التي انتقلت إلى مولاها لكنها ستظل حاضرةً دائمًا، في ذاكرة كل من سنحت له فرصة لقائه والتواصل معه. كان مؤازرًا لكل من وقع في محنة، شديد التعلق بمن أصابه مرض أو ألم، يخاف على الجميع من الجميع، ويوصي دائما بأننا عائلة واحدة وفريق واحد. كان أبا لنا، يحنو على من تألّم، ويتألم لمن فقد عزيزا أو مرّ بمحنة. كان السند الحقيقي حتى في أصعب الظروف التي مرت بها الصحيفة خلال الجائحة، فقد صارح الجميع ووقف إلى جانبهم بلا تردد.
كم هو موجع الرحيل، وكم هو قاس حين يأتي فجأة وفي غفلة من الجميع. كأنها جمرة تحرق القلب من الداخل. هذا ما شعرت به، وهذا ما يعيشه الجميع اليوم. هل منكم من يشاطرني هذا الشعور؟
لقد كان الدكتور هيثم بيننا لأيام معدودة، وحين تسأل زميلا، يخبرك بأنه كان قد تحدث إليه قبل أيام فقط حول تعديل عنوان أو تصحيح محتوى، وعندما نراجع الرسائل نجد أثره قريبا. هل هكذا تكون النهايات؟ لا، مستحيل. لكن هذه مشيئة الله، وتلك هي الحياة.
من خلال تجربة بسيطة، تدرك أن الدكتور هيثم كان حاضرا في ذهن كل منا على مدار الساعة، منذ فتح الجهاز والجلوس أمامه، وحتى انتهاء الدوام أو ساعات العمل. كان حين يتحدث إليك حول تفصيل معين في العمل بالطريقة التي يريدها، يخاطبك بـ”سي فلان” كتعبير عن التقدير والاستلطاف، وفي العمق هناك دلالة على دماثة خلقه ونُبل صفاته.
منذ عرفته في أول لقاءٍ جمعنا في مقر دار "العرب" بشارع الأمين العباسي في تونس العاصمة، قبل أن تفرض علينا الجائحة الانتقال للعمل عن بُعد، كان حين يزور المؤسسة يحرص على اللقاء بنا مجموعةً مجموعةً، وأحيانًا بشكل فردي. قد يظهر لك في اللقاء الأول شديدًا وصارمًا، لكن سرعان ما يقلب المعادلة بنكتة لطيفة تُذيب أي ارتباك، لتدخل معه في حوار عميق، وتستمع إلى الفرضيات والحلول إن استدعى الأمر التدخل أو التصحيح في مختلف الأقسام، من التدقيق، والتحرير، والتنفيذ الإلكتروني، والأونلاين وغيرها. كانت هناك ديناميكية ثابتة في شخصيته قلّ أن تجدها في غيره: التجديد والتغيير المستمر.
خذ على سبيل المثال اهتمامه الدقيق بالصورة، التي يرى فيها ثوابت ومعايير لا يجب أن تغفل عنها أقسام التنفيذ، ويشرح لك بالتفصيل كيفية استخدامها. وإن كنت مضطرا إلى التعديل أو الاقتصاص منها، فإنك تستشف من حديثه أنه يعلم طبيعتها الأصلية.
الحديث عن الدكتور هيثم لا يستوفيه أي مقال. أما جانب العمل المهني، فهو متروك لأصحابه وزملائي الذين يواصلون جهدهم لتقديم ما يليق بـ”العرب”، لتكون دائما في أبهى صورها. وقد كان الدكتور هيثم يُقرّ بذلك في أكثر من مناسبة، معبّرا عن تقديره للجهود التي يبذلها فريق “العرب” بكل أفراده. ولكن الفضل في ذلك يعود بالأساس إليه شخصيا عندما حرص على صقل مواهبنا بطريقته الخاصة، ليكون كل واحدٍ منا على أفضل صورة ممكنة.
كان الدكتور هيثم، رحمه الله، يتفقد كل صغيرة وكبيرة في الصحيفة صباحا ومساءً، وقبل صدور العدد، إذ لا تغيب عنه أي تفاصيل، بدءًا من صناديقها الثلاثة الكبرى في الأعلى، مرورًا بالهوامش، وصولًا إلى العناوين الداخلية والتعليقات، التي كان يسهر على تعديلها بثباتٍ وإتقانٍ. كان كل شيءٍ يسير معه بذكاء ودقة قلّ نظيرهما، لا يسمي الأشياء بمسمياتها مباشرةً، بل يقدم الملاحظات بحرفية، ويبدي خبرة عميقة سرعان ما يغلفها بمداعبة لطيفة تزيل أي ارتباك.
عندما يتعلق الأمر بالكتابة والتحليل، كان الدكتور هيثم يكتب أكثر مني ومنك ومن الجميع، حتى أثناء الاجتماعات، وكان دائما دقيقا في اختيار الكلمات التي تحمل الرسالة المطلوبة، وتوجهك نحو الالتزام بالمطلوب بوضوح ودقة.
أخاطب في الفقيد روحه الطاهرة الزكية، التي انتقلت إلى مولاها لكنها ستظل حاضرةً دائمًا، في ذاكرة كل من سنحت له فرصة لقائه والتواصل معه. كان مؤازرًا لكل من وقع في محنة، شديد التعلق بمن أصابه مرض أو ألم، يخاف على الجميع من الجميع، ويوصي دائما بأننا عائلة واحدة وفريق واحد. كان أبا لنا، يحنو على من تألّم، ويتألم لمن فقد عزيزا أو مرّ بمحنة. كان السند الحقيقي حتى في أصعب الظروف التي مرت بها الصحيفة خلال الجائحة، فقد صارح الجميع ووقف إلى جانبهم بلا تردد.
كم هو موجع الرحيل، وكم هو قاس حين يأتي فجأة وفي غفلة من الجميع. كأنها جمرة تحرق القلب من الداخل. هذا ما شعرت به، وهذا ما يعيشه الجميع اليوم. هل منكم من يشاطرني هذا الشعور؟
لقد كان الدكتور هيثم بيننا لأيام معدودة، وحين تسأل زميلا، يخبرك بأنه كان قد تحدث إليه قبل أيام فقط حول تعديل عنوان أو تصحيح محتوى، وعندما نراجع الرسائل نجد أثره قريبا. هل هكذا تكون النهايات؟ لا، مستحيل. لكن هذه مشيئة الله، وتلك هي الحياة.
رحم الله الدكتور هيثم وأسكنه فسيح جناته. سنفتقد ملامحك وكتاباتك، ولكن لن يغيب إرثك أبدا، وسنبقى أوفياء له بامتنان وتقدير، ونحرص على إكمال المسيرة التي بدأتها.
عن العرب اللندنية