> «الأيام» غرفة الأخبار:

عادت جماعة الحوثيين في اليمن إلى مهاجمة سفن في البحر الأحمر، في سياق ما تعدّه مشاركتها في إسناد قطاع غزة، بعد أكثر من نصف عام من التوقف، وتحديدًا منذ آخر هجوم نفذته في 27 ديسمبر الماضي. ويأتي ذلك، في وقت تتأرجح فيه المواقف والتقديرات في إسرائيل، بين تهديد الحوثيين بـ"مصير" مشابه للعدوان الإسرائيلي على إيران، وبين سيناريوهات يتحدث إعلام الاحتلال عنها، من بينها درس سبل للتهدئة مع الجماعة اليمنية، أو تشجيع الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا على التحرك ضد أهداف تابعة للتنظيم، ما يبدو تعزيزًا للحرب الأهلية. علمًا أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب كان قد أطلق في 15 مارس الماضي عملية عسكرية جوية ضد الجماعة وقال إنها استهدفت مواقع وقواعد وتحصينات للجماعة في اليمن، قبل أن يعلن في 6 مايو وقف العملية والاتفاق مع الحوثيين على عدم تعرضهم للسفن وحاملات الطائرات الأميركية في المنطقة.

وباستهداف الناقلة "ماجيك سيز" يوم الثلاثاء الماضي، ارتفع عدد الهجمات المعلنة على السفن التجارية وناقلات النفط التي نفذتها جماعة الحوثيين منذ 19 نوفمبر 2023، وهو تاريخ بدء المشاركة في ما تسميه الجماعة "معركة الفتح الموعود والكفاح المقدس"، إلى نحو 188 هجومًا، أسفرت عن مقتل أربعة بحارة على الأقل.

وتعد السفينة "ماجيك سيز" ثالث سفينة تغرق من السفن التي استهدفها الحوثيون، حيث كانت السفينة "روبيمار" المملوكة لشركة بريطانية قد غرقت بعد تعرضها لهجوم بصاروخ باليستي مضاد للسفن أطلق من اليمن في 18 فبراير 2024، كما غرقت السفينة "توتور" في البحر الأحمر والتي جرى استهدافها في 12 يونيو 2024 على بعد 66 ميلًا بحريًا جنوب غرب الحديدة. كما استولى الحوثيون على إحدى السفن التي قاموا بمهاجمتها، وهي سفينة "غالاكسي ليدر" التي تمّ الاستيلاء عليها في 19 نوفمبر 2023. ويوم الأحد الماضي، قال الجيش الإسرائيلي إنه هاجم أهدافا تابعة للحوثيين في موانئ الحديدة ورأس عيسى والصليف بالإضافة إلى محطة كهرباء رأس كثيب. ولفت إلى أن من بين الأهداف التي هاجمها سفينة "غالاكسي ليدر"، زاعماً أن الجماعة اليمنية وضعت نظام رادار على السفينة لمراقبة القطع البحرية في المياه الدولية.

ومن شأن استئناف الحوثيين لهجماتهم على السفن في البحر الأحمر، التأثير على الاتفاق الموقع بين الجماعة والإدارة الأميركية بوساطة عُمانية، حيث إن الخارجية العمانية كانت أعلنت في 6 مايو الماضي، أن جهودها أسفرت عن التوصل إلى اتفاق على وقف إطلاق النار بين الجانبين، "وفي المستقبل، لن يستهدف أي منهما الآخر، بما في ذلك السفن الأميركية في البحر الأحمر وباب المندب، وبما يؤدي إلى ضمان حرية الملاحة وانسيابية حركة الشحن التجاري الدولي".

الباحث في الشؤون الأمنية والسياسية، عاصم المجاهد، رأى في حديث لـ"العربي الجديد"، أن استئناف جماعة الحوثيين لعمليات استهداف السفن في البحر الأحمر لا يعد تطوراً مفاجئاً، بل هو امتداد طبيعي لطبيعة السلوك القتالي للجماعة، والذي لطالما ارتكز على توظيف المجال البحري ورقةَ ضغط استراتيجية، وما حدث أخيراً هو خروج من حالة الهدوء العملياتي المؤقت، والعودة إلى نمط الاستنزاف البحري، الذي اعتاد الحوثيون استخدامه كلّما شعروا بأن هامش المناورة بدأ يضيق أمامهم، أو كلّما تلقت طهران إشارات استراتيجية تدفعها نحو رفع منسوب التوتر في الإقليم".

وأشار المجاهد إلى أن هذا الاستئناف من وجهة نظر أمنية، "يرتبط بدوافع عدة: أولًا محاولة الحوثيين إعادة تثبيت أنفسهم جزءًا فاعلًا في محور المقاومة، بالتزامن مع الضغوط الهائلة التي تتعرض لها إيران في مواجهة مباشرة مع إسرائيل، ما يستدعي إظهار تماسك الجبهة الرديفة، وثانياً هناك شعور لدى الجماعة بأن الفجوة الزمنية التي مرّت دون ردود أميركية مباشرة على الهجمات الأخيرة، تشكل فرصة لاستعادة المبادرة واختبار حدود الصبر الأميركي، فغياب الضربات لا يعني بالضرورة تراجع الردع، لكنه يفهم في صنعاء، أحياناً، على أنه تردد يمكن استغلاله".

وبحسب المجاهد، فإنه من الواضح أن هذه الهجمات قد تمسّ التفاهم غير المعلن بين الحوثيين والإدارة الأميركية، والذي تمخض عن وقف مؤقت للهجمات مقابل تهدئة مشروطة، فعودة الاستهدافات، خصوصاً إذا طاولت سفنًا أميركية أو أوروبية، ستحرج واشنطن وتدفعها إما نحو العودة إلى العمل العسكري المباشر، أو إعادة النظر في استراتيجية الردع البحري القائمة منذ مطلع العام".

ورأى أن استمرار هذا النهج الحوثي، دون ضوابط واضحة، قد يعيد المشهد إلى مربع الاشتباك المفتوح، وربما يسفر عن موجة ثانية من الضربات الجوية المركّزة، لا سيما أن واشنطن تدرك أن تفاقم التهديدات في البحر الأحمر لا يمسّ إسرائيل فحسب، بل يمسّ بشكل مباشر مصالحها الاقتصادية والعسكرية في الممرات الاستراتيجية". وأضاف أنه "في المحصلة، فإن جماعة الحوثيين تسعى مجدداً إلى إعادة فرض نفسها قوة بحرية تهديدية، في لحظة ترى فيها أن المحور الذي تنتمي إليه بات بحاجة إلى من يرفع كلفة الضغط عنه، ولكن السؤال الحقيقي يبقى إلى أي مدى ستتحمّل الجماعة هذا التصعيد قبل أن تفتح عليها أبواب النار من جديد؟".

من جهته، رأى الباحث السياسي في مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية، مراد العريفي، أن "استئناف الحوثيين للعمليات ضد السفن يأتي بوصفه جزءا من تحرك أوسع لمحور المقاومة، سواء بسبب الضغط الذي يمارس الآن على حزب الله في لبنان، والذي يتعلق بضرورة وضع جدول زمني لتسليم السلاح، أو ما يتعلق بوضع إيران بعد الضربة الأخيرة التي تعرضت لها والاستنزاف الذي جرى لها لما يتعلق بقدراتها الصاروخية، وخسارة كبار قادتها العسكريين".

وأضاف الباحث السياسي أن إيران الآن تحاول أن تحرك أذرعها في المنطقة بما يدفع بالضغط على المجتمع الدولي، على اعتبار أن الحوثيين يسيطرون على باب المندب، وربما تذهب هي إلى إغلاق مضيق هرمز في حال حاولت إسرائيل أو المجتمع الدولي أن يفرضا عليها شروطاً بالغة التعقيد، تتعلق في مسألة المفاوضات والعودة إلى الاتفاق النووي، كما أن الإيرانيين يحاولون أن يقدموا أنفسهم لجمهورهم في الداخل بأنهم ما يزالون أقوياء، وما يزالون فاعلين على الأرض، ويمتلكون زمام المبادرة".

وأشار إلى أن "عودة هجمات الحوثيين ضد السفن يمكن أن تؤدي إلى عودة الحرب للمربع الأول، وإذا ما استمرت جماعة الحوثيين في مهاجمة السفن في البحر الأحمر سيؤدي إلى عودة انخراط الولايات المتحدة بشكل أكبر في العمليات العسكرية، وهذه المرة ستكون برفقة إسرائيل، وربما هذا ينعكس على الحرب في الداخل اليمني من خلال الدفع نحو تحرك على الأرض لشنّ عملية عسكرية ضد الحوثيين"، وفق تقديره.

وبحسب الباحث السياسي، فإن عودة الهجمات الأميركية ستكون ممكنة. وقال:"صحيح أن هناك اتفاقًا بين الولايات المتحدة وجماعة الحوثيين ما زال ساريًا، ولكنه يتعلق بعدم مهاجمة السفن الأميركية، لكن يجب الإشارة إلى أن واشنطن تدخلت في الأزمة اليمنية قبل أن يشنّ الحوثيون هجومهم أصلاً على مصالح وسفن أميركية، لذلك فإن تدخل الولايات المتحدة سيكون ممكنًا تمامًا إذا استمر الحوثيون بشن الهجمات بهذه الوتيرة وهذا التصعيد الجديد في البحر الأحمر".