الخميس, 31 أغسطس 2023
1,909
من الطبيعي أن تتوالى الأزمات التي تمر بها اليمن والجنوب العربي، ولعل أسوأها هي الحرب ذاتها وما خلفت من آثار مدمرة بشرية واجتماعية ومادية.
سنوات صعبة للغاية عاشها ويعيشها الناس في مناطق سيطرة الحوثي وكذلك الحال في الجنوب المحرر، حيث يئن فيها السكان تحت وطأة أزمة اقتصادية خانقة هي الأسوأ في التاريخ المعاصر. وتتزامن مع وضع سياسي وعسكري معقد من حالة اللاسلم و اللاحرب، يجاريها فشل سياسي تقوده رئاسة شرعية عاجزة، وحكومة فاشلة وفاسدة عرقلت الكثير من الخدمات المقدمة للمواطنين، و دفعت بالوضع إلى شفير الانهيار التام والسير نحو الهاوية.
من أسوأ انعكاسات هذه الأزمات هو الانهيار المستمر للريال مقابل الدولار، حتى وصل سعر الدولار في السوق 1450 ريال، وهذا قاد إلى تضخم مالي غير مسبوق أدى بدوره إلى ارتفاع في أسعار السلع، التي تضاعفت بشكل جنوني مع انهيار القدرة الشرائية للناس.
إن الفساد والنهب المنظم لموارد البلد لم يعد سرا، فهناك تقارير دولية ومحلية تشير إلى نهب الحوثة لحوالي 7 مليار دولار من البنك المركزي، لا يُعرف كيف صُرفت وأين ذهبت، أما نهب الموارد من بيع النفط قبل توقفه، فكانت لا تورد إلى البنك المركزي في عدن وإنما تحول إلى حسابات في الخارج تتصرف فيها الشرعية دون رقيب أو حسيب، والحال كذلك لموارد ميناء الحديدة ومنافذ الوديعة وشحن وموارد مأرب جميعها لا تورد للبنك المركزي، ما عدا عدن، و تتصرف بها السلطة المحلية بالتفاهم مع الشرعية التي توجهها.
إن الانسداد السياسي و العجز الذي رافق قيام مجلس القيادة الرئاسي، برئاسة رشاد العليمي يعكس حقيقة القوى السياسية اليمنية، التي تنتظر دائما المال والحل من الخارج، وليس لديها وازع ديني أوأخلاقي أو وطني يدفعها للبحث عن مخارج لا للحرب ولا للأزمة الاقتصادية، ومن هنا فإن الأسوأ لم يأت بعد، والوضع في طريق الانهيار الشامل اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وأمنيا، نظرا لعدم وجود سياسة متكاملة لتفكيك تلك الأزمات، إلى جانب غياب الإرادة السياسية الحقيقية لحل أسباب الصراع و الحرب.
لقد أصبح من غير الممكن التنبؤ بما يمكن أن يكون عليه الوضع خلال أسابيع، بل حتى أيام قادمة، حيث بات المجال مفتوحًا على كافة الاحتمالات، حتى تحين تلك اللحظة التي يقوم الكل بجمع أوراقه، ليضعها على طاولة التفاوض، للبحث عن حل نهائي للصراع، حتى يأتي ذلك الوقت لا بد من الانتظار، لأن مفتاح الحل في رأيي هو من ضمن التسوية الإقليمية، التي ستنسحب على اليمن والجنوب، وبعدها ممكن أن تكون هناك ضغوط دولية، لفرض السلام بعيدا عن سياسة الترقيع، التي ستمهد لانفجار آخر فيما بعد، طالما لم يفرض حل مستدام يؤدي إلى انفراج حقيقي في اليمن والجنوب العربي.