الأربعاء, 29 نوفمبر 2023
917
في البدء كانت عدن، و قد لا نفطن إلى معنى (العدون) إذا مارسناه بوطأة تراكيب ثقافاتنا الوافدة إليها معنا، دون أن نفلح في اكتساب بعضًا من مزايا (عدن) الخفيفة في اللسان الثقيلة في الميزان، المدنية و المواطنة المتساوية و الجنوح إلى السلم الأهلي والتعايش الاجتماعي بين الفئات والجماعات والعقائد والملل والنحل والطوائف.
كان الاعتقاد لدى البعض من قادة الاستقلال المجيد، في 30 نوفمبر 1967م واقول البعض، وقد كانوا مكدسين في الفهم والعلم بثقافة النضال والجبهات الريفية، التي قدموا منها قادة للجمهورية الفتية.
إن (عدن) هذه، و بحقيقة إنها قاعدة المستعمر ومستوطنته، فإنها ثورة مضادة. وهذه نظرة ملتبسة ولا تمت إلى الحقيقة بصلة. ولو عرف هذا (البعض) من أصحاب هذه النظرة أن العقاب البريطاني على الجنوب، وتحديدًا على عدن، والمستدام حتى اليوم هو عقاب على تصدر نخبة عدن السياسية والثقافية والنقابية للمشهد الثوري، والانخراط فيه حتى قبل قيام الثورة عام 1963م. باعتبارهم جزءًا لا يتجزأ من الجنوب، وإن (عدن) هي عاصمته وقلبه النابض.
لكن الحقيقة الأخرى التي قد لا يفطن إليها البعض أيضًا من السياسيين والإعلاميين الذين يحاكمون الثورة والاستقلال برؤية اليوم، لزمن مضى بغثه وسمينه، حلوه ومره. وهذا لا يجوز قطعًا لأننا الآن خارج السياق التاريخي لتلك الفترة.
والحقيقة الناصعة: أن الثورة و الاستقلال ليسا متهمين بأعمال بعض المنتمين إليهما، فتلك جريرة هذا البعض ممن كانوا سببًا في عثرات ومنعطفات دموية، وانتهاج سياسة خارج المألوف، مثل احتكار الحكم والتأميم والانتفاضات الزراعية، والتنكيل برجال المال والأعمال والتجارة الحرة، وإهمال الميناء الذي كان واجهة عالمية لعدن، ساحرة البحار ثاني ميناء في العالم. هذه من الأخطاء التي وقعت فيها دولة الاستقلال بعقلية شرعية الثورة دونًا عن شرعية الدولة.
ولكن ثوار الاستقلال استطاعوا توحيد الجنوب ككل، حوالي عشرين سلطنة وإمارة ومشيخة في دولة معترف بها عالميًا. في وقت لا نستطيع توحيد شوارع عدن اليوم بعد ست وخمسين سنة من الاستقلال.علينا التعلم من التاريخ، فالتاريخ لا يرحم المتهاونين والعابرين على دروسه بنزق الصبيان.
فالوضع كما نحب متوارٍ بين أكداس الأزمات والفاقة والجوع والشتات والبطالة. لم تقدم النخبة الجنوبية الحلول الحياتية الطارئة لسكان الجنوب، ناهيك عن استعادة الدولة -الفردوس المفقود- وغدا ميناء عدن التاريخي مهجورًا فاقدًا لمكانته ومنزلته وموقعه بإصرار وترصد. إنه جزء من العقاب الذي أشرت إليه آنفًا، والمنفذون على الأرض هم نحن أبناء الأرومة الواحدة. ورغم ذلك فإننا متفائلون في الغد وفي قدرات هذا الشعب العظيم الذي يستحق حياة أفضل، أن يستعيد عافيته وعافية هذا الوطن.