في أرض الأحقاف
حضرموت أيقونة الزمان، ماضيه التليد وحاضره الواعد، تجمع فرادة الغريب والعجيب: امتياز المكان وعبقرية الإنسان.
وفي أسفارها البعيدة نصوص مكتوبة عن بذخ شامخ لحضارة زاهية تبز مثيلاتها في الأصقاع وتتخطى شهرتها الأفاق.
تنصهر النفوس في لوحة بانورامية بسمات الخصوصية الحضرمية، تلك التي كابدت أحقابا للحفاظ عليها.
فما بين البحر والجبل، الوادي والصحراء عالم حضرمي مصغر هو منا وإلينا لا شك في ذلك، أقرب إلينا من حبل الوريد لا ريب في ذلك، لكن لحضرموت زمكنة أخرى وتكوين آخر، انصهاراته الإبداعية وتخلقه الإنساني مع اتساق طبائعه بطباعه.. كل ذلك يبقى للحضرمي وحده دونا عنا.
لكن الحضرمي لا يبخل أن يفيض علينا عسلا صافيا من دوعن يشفي الصدور، فقط إذا تركناه يفيض دون إعاقة منا، بل إنه سوف يزيدنا ابتهالات نتوشح بها في ليالي الشح من مآذن تريم.
وكلما هفت نفوسنا لـ (الدان) كلما اقتربنا من (حداد) وهو يجوب حواري (سيئون) بحثا عن أخبار (الغنَّاء)، أو نتعثر في أزقة (سعاد) وحاشا على (محضارها) أن يعثر، أو نجد في سيماء العبقرية عالية الكعب لـ (عبدالله) أطال الله في عمره، بعض ما ينبغي أن نفهم عن غزارة الساحل والوادي في شعر أبيه (حسين البار).
ولا بأس أن نتمايل بخطى وئيدة وأن تتشابك العصي في أيدينا في دورة درامية لخاتمة (الشبوانية).
ومن يجد في نفسه بقية من فتوة عليه أن يجاري -إن استطاع- فتيان الخور والشرج وهم يرقصون القاع من تحت أقدامهم مستجلبين إيقاعات أفريقية في ليالي سمرهم الصاخبة.
أما إذا استرقنا من التاريخ لحظاته المثلى فسوف نجد أن الحضرمي قد رفع الصواري عاليا وأفرد أشرعته للريح وسابق النوارس باكرا وراح يفتش في البحار البعيدة عن عنوان آخر له، وكأنه لم يكتف بـ (الأحقاف) فنجح حين أخفق آخرون في رفع راية الإسلام في بلاد ما كنا ببالغيه إلا بمشقة وتعب، دون تجريد لسيف من غمده إلا ما يكون من أمر سيف الحكمة النافذ والمسلك السوي المتمثل لـ (الدين المعاملة) في الحياة والتجارة على السواء، فغدت أندونوسيا دولة الإسلام الأولى على البسيطة سكانا، ناهيك عن سنغافورة وماليزيا وشرق أفريقيا.
هذه حضرموت حملتنا إليها قبل عقد ونيف سحابة مترعة يزجي ريحها الأديب الكبير علي أحمد باكثير، احتفينا به في الأحقاف وذهبنا نفتش بين كل مأذنة وأختها في تريم عن خطى الأجداد ومآثر الأسلاف وتوشحنا برداء الصوفية النقية ووقفنا على القصور العامرة مبهورين، وما وراء الجدران الخرد الغيد وقد خالطت الألوان البيضاء القادمة من جنوب شرق آسيا خدودهن الزاهيات.
يومها داعبني الشاعر جنيد الجنيد قائلا: لك في هذه الديار بيت ونخلة، مسترجعا ما قا له الفيلسوف الكبير أبوبكر السقاف عند زيارته لتريم.
وفي هذه المرة، قبل أيام، كنا نزاحم شطوط المكلا وجبلها المنيف ونضمخ أجسادنا بـ (حناها) ونتنفس قليلا من روائح اللبان والعود ونشنف الآذان برقة أصوات المكلاويات في شوارع المكلا المكتظة.
وما كان لنا أن نصم آذاننا عن صوت المعاناة لشعب حضرموت وهو يمر بتجاذبات خطيرة تأتيه من هنا وهناك، وأسوأ ما لا نتمناه لحضرموت وأهلها أن يصاب نسيجها الاجتماعي بأي خدوش من أي كان، فهذا النسيج هو مفخرة حضرموت أمام الأمم وقد بقي محافظا على لحمته وتماسكه على مدى التاريخ.
لقد وجدنا في كل الأصوات الحضرمية، ومنها صوت الأخ الفاهم مبخوت بن ماضي محافظ حضرموت، والتي تحدثت أو تحدثنا معها الحكمة الحضرمية حاضرة ووعيا مسؤولا ماثلا وإدراكا لأهمية أن يجتمع الكل الحضرمي على كلمة سواء لإخراج حضرموت مما هي فيه والحفاظ على ما تحقق على أرضها وتجنيبها الفوضى والعبث بمقدراتها.
لست قلقا واليقين يدفعني للقول إن أحفاد الأولى نشروا الإسلام في أصقاع المعمورة دون صليل سيف أو قطرة دم سوف يحافظون على حضرموت عنوانا للمحبة والسلام والريادة.
وفي أسفارها البعيدة نصوص مكتوبة عن بذخ شامخ لحضارة زاهية تبز مثيلاتها في الأصقاع وتتخطى شهرتها الأفاق.
تنصهر النفوس في لوحة بانورامية بسمات الخصوصية الحضرمية، تلك التي كابدت أحقابا للحفاظ عليها.
فما بين البحر والجبل، الوادي والصحراء عالم حضرمي مصغر هو منا وإلينا لا شك في ذلك، أقرب إلينا من حبل الوريد لا ريب في ذلك، لكن لحضرموت زمكنة أخرى وتكوين آخر، انصهاراته الإبداعية وتخلقه الإنساني مع اتساق طبائعه بطباعه.. كل ذلك يبقى للحضرمي وحده دونا عنا.
لكن الحضرمي لا يبخل أن يفيض علينا عسلا صافيا من دوعن يشفي الصدور، فقط إذا تركناه يفيض دون إعاقة منا، بل إنه سوف يزيدنا ابتهالات نتوشح بها في ليالي الشح من مآذن تريم.
وكلما هفت نفوسنا لـ (الدان) كلما اقتربنا من (حداد) وهو يجوب حواري (سيئون) بحثا عن أخبار (الغنَّاء)، أو نتعثر في أزقة (سعاد) وحاشا على (محضارها) أن يعثر، أو نجد في سيماء العبقرية عالية الكعب لـ (عبدالله) أطال الله في عمره، بعض ما ينبغي أن نفهم عن غزارة الساحل والوادي في شعر أبيه (حسين البار).
ولا بأس أن نتمايل بخطى وئيدة وأن تتشابك العصي في أيدينا في دورة درامية لخاتمة (الشبوانية).
ومن يجد في نفسه بقية من فتوة عليه أن يجاري -إن استطاع- فتيان الخور والشرج وهم يرقصون القاع من تحت أقدامهم مستجلبين إيقاعات أفريقية في ليالي سمرهم الصاخبة.
أما إذا استرقنا من التاريخ لحظاته المثلى فسوف نجد أن الحضرمي قد رفع الصواري عاليا وأفرد أشرعته للريح وسابق النوارس باكرا وراح يفتش في البحار البعيدة عن عنوان آخر له، وكأنه لم يكتف بـ (الأحقاف) فنجح حين أخفق آخرون في رفع راية الإسلام في بلاد ما كنا ببالغيه إلا بمشقة وتعب، دون تجريد لسيف من غمده إلا ما يكون من أمر سيف الحكمة النافذ والمسلك السوي المتمثل لـ (الدين المعاملة) في الحياة والتجارة على السواء، فغدت أندونوسيا دولة الإسلام الأولى على البسيطة سكانا، ناهيك عن سنغافورة وماليزيا وشرق أفريقيا.
هذه حضرموت حملتنا إليها قبل عقد ونيف سحابة مترعة يزجي ريحها الأديب الكبير علي أحمد باكثير، احتفينا به في الأحقاف وذهبنا نفتش بين كل مأذنة وأختها في تريم عن خطى الأجداد ومآثر الأسلاف وتوشحنا برداء الصوفية النقية ووقفنا على القصور العامرة مبهورين، وما وراء الجدران الخرد الغيد وقد خالطت الألوان البيضاء القادمة من جنوب شرق آسيا خدودهن الزاهيات.
يومها داعبني الشاعر جنيد الجنيد قائلا: لك في هذه الديار بيت ونخلة، مسترجعا ما قا له الفيلسوف الكبير أبوبكر السقاف عند زيارته لتريم.
وفي هذه المرة، قبل أيام، كنا نزاحم شطوط المكلا وجبلها المنيف ونضمخ أجسادنا بـ (حناها) ونتنفس قليلا من روائح اللبان والعود ونشنف الآذان برقة أصوات المكلاويات في شوارع المكلا المكتظة.
وما كان لنا أن نصم آذاننا عن صوت المعاناة لشعب حضرموت وهو يمر بتجاذبات خطيرة تأتيه من هنا وهناك، وأسوأ ما لا نتمناه لحضرموت وأهلها أن يصاب نسيجها الاجتماعي بأي خدوش من أي كان، فهذا النسيج هو مفخرة حضرموت أمام الأمم وقد بقي محافظا على لحمته وتماسكه على مدى التاريخ.
لقد وجدنا في كل الأصوات الحضرمية، ومنها صوت الأخ الفاهم مبخوت بن ماضي محافظ حضرموت، والتي تحدثت أو تحدثنا معها الحكمة الحضرمية حاضرة ووعيا مسؤولا ماثلا وإدراكا لأهمية أن يجتمع الكل الحضرمي على كلمة سواء لإخراج حضرموت مما هي فيه والحفاظ على ما تحقق على أرضها وتجنيبها الفوضى والعبث بمقدراتها.
لست قلقا واليقين يدفعني للقول إن أحفاد الأولى نشروا الإسلام في أصقاع المعمورة دون صليل سيف أو قطرة دم سوف يحافظون على حضرموت عنوانا للمحبة والسلام والريادة.