السياسة الخارجية لدولة الإمارات وضع نهجها المؤسس المغفور له الشيخ زايد واتسمت بالحكمة والاعتدال وارتكزت على استراتيجيات ثابتة، ووفق رؤية تعكس العديد من المبادئ الحاكمة والموجهة لسياسة الإمارات الخارجية وتتمثل في مجموعة مبادئ وأهداف:
أولًا: مبدأ التوازن في العلاقات: بمعنى التوجه نحو إقامة علاقات مع القوى المختلفة في العالم، وتوسيع خيارات الدولة ومجالات حركتها، دون التركيز والاهتمام بمنطقة دون أخرى، ولا شك بأن تطبيق هذا المبدأ قد أنتج علاقات إماراتية قوية وفاعلة مع معظم دول العالم شرقًا وغربًا.
ثانيًا: مبدأ التكامل والشمول في التحرك الخارجي: حيث تعمل الدولة ممثلة بوزارة خارجيتها برئاسة سمو الشيخ عبدالله بن زايد وفريق عمله المتميز على بناء شبكة علاقات متكاملة مع الخارج لا تقتصر على العلاقات السياسية فقط، وإنما تمتد إلى المجالات المختلفة الأخرى مثل الاقتصادية والثقافية والسياحية وغيرها، وذلك من منطلق الإيمان بأن كل مجال من هذه المجالات يضيف بُعدًا جديدًا إلى علاقاتها الخارجية، ويرفدها بروافد جديدة تساعد على تطويرها وتقويتها.
ثالثًا: خدمة الأهداف الوطنية في الداخل: حيث تحرص الدولة في تحركاتها الخارجية أن تنعكس إيجابًا على الأهداف الوطنية في الداخل، وبالشكل الذي يلمسه أبناء الوطن جميعًا، وذلك من خلال الاطلاع على تجارب التنمية الناجحة في كل مكان، واختيار الأفضل منها وتطويعها لخدمة الأهداف التنموية في مختلف المجالات، وهذا الأمر يعكس بدوره الرؤية بعيدة المدى، التي ترى في الانفتاح على دول العالم أجمع، والاستفادة من خبراتها المختلفة استثمارًا مهمًّا للحاضر والمستقبل، من أجل تعزيز مكانة الدولة وموقعها على خريطة الاقتصادات المتقدمة.
وتحقيقًا لتلك الرؤى والمبادئ حرصت الدولة بتطوير العمل الدبلوماسي الخارجي وجعله أكثر فاعلية، فحرصت على التأكيد بالتزامها بميثاق الأمم المتحدة واحترام المواثيق والقوانين الدولية ،كما حرصت على إقامة علاقات مع جميع دول العالم على أساس الاحترام المتبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول ،والميل لحل النزاعات الدولية بالحوار والطرق السلمية لتسوية الخلافات والمنازعات وحرصها على إزالة التوتر في المنطقة، وتعزيز تدابير الثقة والاحتكام للشرعية الدولية، وبرز ذلك في مساعيها لاستعادة سيادتها على جزرها الثلاث" طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى" التي احتلتها إيران بالطرق السلمية، كما تحرص على وقوفها إلى جانب الحق والعدل ودعم الاستقرار والسلم في العالم وفي مقدمتها حل القضية الفلسطينية.
ويجمع المراقبون وخبراء السياسة على أن ما وصلت إليه دولة الإمارات من نجاحات وازدهار تنموي في جميع المجالات مدعومًا بحالة متقدمة من الأمن والاستقرار الداخلي يمثل حصادًا طبيعيًّا ومردودًا مباشرًا للسياسة الخارجية بدبلوماسيتها الذكية، حيث حققت انفتاحًا واسعًا على العالم الخارجي وأثمر هذا الانفتاح عن شراكات استراتيجية سياسية واقتصادية وتجارية وثقافية وعلمية وتربوية وصحية مع العديد من الدول، وهذا عزز مكانتها المرموقة التي وتبوؤها في المجتمع الدولي.
في ظل التغيرات الدولية المتسارعة حرصت الإمارات على استمرار وتعميق علاقات التعاون التي تربطها بالعديد من القوى الدولية والإقليمية التقليدية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، واليابان ورسمت توجهات جديدة في السياسة الخارجية الإماراتية، ففي السنوات الأخيرة اتجهت نحو فتح آفاق أرحب في تحركاتها الخارجية من أجل بناء شراكات مع قوى صاعدة على الخارطة العالمية وفي مقدمتها الصين وروسيا والهند وكوريا الجنوبية ودول أمريكا اللاتينية وغيرها.
وتدرك الإمارات في تحركاتها الخارجية أن هناك تجاربًا تنموية مهمة ومميزة لبعض الدول استطاعت أن تصعد بها إلى مراكز متقدمة على خريطة الاقتصاد العالمي، فاتجهت نحو تمتين العلاقات الاقتصادية والتجارية مع هذه الدول ليصب في خدمة المسيرة التنموية الإماراتية ويحقق أحد أهم أهداف السياسة الخارجية للدولة، وهو خدمة التنمية في الداخل من خلال بناء شبكة كبيرة من المصالح المتبادلة مع دول العالم المختلفة تتيح تبادل الخبرات والتعرف على التجارب ونقل التكنولوجيا وغيرها من الآليات التي تصب في خدمة الاقتصاد الوطني.
وفي إطار تعزيز علاقات التعاون المشترك مع عدد من الدول الصديقة قام سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان – رئيس الدولة - بزيارات عمل مهمة لعدد من الدول ومنها الولايات المتحدة الأميركية وجمهورية الصين الشعبية وروسيا الاتحادية وصربيا وماليزيا وغيرها، كما حرص على القيام بزيارات لأقطار عربية وفي مقدمتها دول مجلس التعاون وآخرها كانت زيارة دولة الكويت الشقيقة.
أحد مظاهر وتجليات التأثير الدبلوماسي الإماراتي يكمن في علاقاتها مع مختلف دول العالم في قاراتها الست، فقد فاق عدد الدول التي تربطها بعلاقات دبلوماسية (180) دولة، ودولة الإمارات حاملة رسالة الاعتدال ونبذ العنف والإرهاب والتطرف بجميع صوره وتجلى ذلك في احتضانها لأكثر من (200) جنسية على أراضيها تسود علاقاتهم السلام والتسامح والاعتدال، كما قامت الدولة بجهود نشطة لاحتواء حالات التوتر والأزمات في العالم، كما نشطت في تعزيز برامجها الإنسانية الإغاثية في الدول التي شهدت حالات نزاع أو كوارث طبيعية وإعادة إعمار المناطق المنكوبة، وكانت رائدة في الأعمال الإنسانية والإغاثية.
خلال السنوات الماضية استقبلت دولة الإمارات عددًا كبيرًا من الملوك ورؤساء الدول والحكومات وكبار المسؤولين في العالم، وعقدت العديد من المؤتمرات والمنتديات الدولية الهامة، واعتمدت دولة الإمارات نهجًا ثابتًا في دعمها السياسي الشامل للقضية الفلسطينية ومساندة نضال الشعب الفلسطيني وصموده لاستعادة كامل حقوقه الوطنية في أرضه وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
يجمع العديد من المراقبين والمحللين الاستراتيجيين في ظل تفاعلات الأحداث وتطوراتها على الساحتين الإقليمية والدولية وبشكل دراماتيكي ومتسارع بأن السياسة الخارجية الإماراتية مثلت نموذجًا للحيوية والفاعلية والديناميكية، بل وساهمت في حل العديد من القضايا المشتعلة وكانت وسيطًا عقلانيًا لدى القوى المتحاربة في أكثر من مكان ومنها الحرب الروسية الأوكرانية.
إن الحديث عن السياسة الخارجية والداخلية لدولة الإمارات يطول شرحه، فهو يمتاز بزخم الإنجازات وتعددها ولا يتسع الحيز لسردها في هذه العجالة، ولكن ما هدفنا إليه هل تستفيد الدول العربية المدمرة أوطانها من التجارب الناجحة لدولة الإمارات ودول الخليج العربية داخليا وخارجيا، وأولها نبذ العنف والتطرف السياسي والديني والتركيز على التنمية الداخلية ونسج علاقات إقليمية ودولية متوازنة يسودها السلام والمصالح المشتركة.
* اختصاصي تطوير مؤسسي