تعرض الجنوب العربي وسكانه الأصليين وممالكهم عبر التاريخ للغزوات من شعوب وقوى عديدة، بدءًا من المعينيين والسبئيين وصولاً إلى البرتغاليين والإنجليز، مرورًا بالزيود والعثمانيين وغيرهم.
كانت أطماع تلك الدول والشعوب تتركز بطبيعة الحال في موقع الجنوب العربي على خطوط التجارة التاريخية، وقد ساعدتها أو أغراها عوامل متعددة.
من أبرز هذه العوامل التشرذم الذي كان جزءًا من تاريخ الدول الجنوبية، حيث ظهرت ممالك في مناطق مختلفة، مما حال دون صياغة هوية واحدة قائمة على الأرض والتاريخ المشترك، وبالتالي عدم وجود ولاء لوطن واحد إلا في فترات قصيرة، وهذا أعطى الفرص الكبيرة خصوصا لمخططي الغزو والحروب اليمنيين على الجنوب، حيث كانوا يستغلون الحساسيات والمخاوف المتبادلة بين تلك الدول على النفوذ، سواء من خلال تكثيف الاستهداف العسكري على بعضها أو محاولات التحالف مع البعض الآخر، بالإضافة إلى استغلال الكثافة السكانية لديهم وتشجيع النزوح ودعم الهجرة إلى المناطق الجنوبية الأقل كثافة سكانية، وكان من الواضح أيضًا تعمد إثارة الاحتكاكات والاستفزازات في تلك الدول ذات التنوع السياسي والاجتماعي.
لقد كان العامل الخارجي مؤثرًا، سواء من القوى المحيطة بالأرض الجنوبية أو من القوى الاستعمارية ذات التأثير الدائم والقوي على هذه الأرض، فالجنوب ليس جزيرة منعزلة، بل كان موقعه مطمعًا لتلك القوى الخارجية، ومع أن حدوده التاريخية كانت عرضة للغزو، إلا أنها لم تتبدل كثيرًا، مما يعني أنه لم يحدث تغيير كبير في المعادلات الديموغرافية والجغرافية.
أما في الحاضر، فقد راهن الغزاة اليمنيون على بعض المكونات الجنوبية الفئوية والسياسية التي تنظر إلى الخارج هربًا من خيار التفاهم الداخلي، لكن في كل مرة، يتبين أن تكلفة هذا الخيار باهظة على الجميع، وأن ذلك التفاهم كان أجدى وأسلم، وللأسف، يتكرر هذا الرهان العبثي منذ بلورة أول مشروع هوية وطنية في الخمسينيات، الذي تمحور حول عدن كعاصمة للجنوب العربي.
لقد مر الجنوب العربي بتاريخ طويل، منذ أيام الممالك العربية الجنوبية في العصور القديمة، حتى ظهور الدولة الوطنية كدولة مستقلة عام 1967، وصولًا إلى الوقت الحاضر حيث يناضل شعبه لاسترداد هويته وبناء دولته من جديد بعد تجربة وحدة مؤلمة مع اليمن، كان الجنوب في حالة تفاعل دائم بحري وبري مع محيطه وفي بعض تلك الأزمنة، سيطرت على أراضيه قوى عديدة، مما يجعل الوضع الحالي يحمل - في آن واحد - مخاوف وجودية خطرة وفرص إنقاذ ثمينة، إذا أحسن العرب الجنوبيون التصرف.
هنا، مرة اخرى يصبح التفاهم بين الجنوبيين على القواسم المشتركة والأولويات المطلوبة أمرًا ضروريًا، قبل أن يفقدوا نهائيًا السيطرة على مقدًراتهم في منطقة تتقلص فيها أدوار الدول محدودة القوة، وينشغل أصحاب القرار الدولي عن مصائر الشعوب المظلومة التي تناول لأجل استرداد حقوقها الوطنية.
لقد علمتنا السنوات الأخيرة ما يعنيه انشغال العالم في شؤونه الخاصة، وقدرة بعض اللاعبين الإقليميين على استغلال هذا الانشغال لتحقيق مشاريعهم الخاصة والسباق على تغيير شكل المنطقة ومحو الهويات الوطنية.
لذلك، يبقى تعزيز الهوية العربية الجنوبية هو العامل الأساسي والعض عليها بالنواجذ هو المدخل الذي يستند إليه شعب الجنوب لنيل استقلاله الثاني.