أخر تحديث للموقع
اليوم - الساعة 03:06 ص بتوقيت مدينة عدن

مقالات الرأي

  • القيود التشريعية أمام جهود مكافحة الفساد في اليمن

    علي يحيى عبدالله




    تواجه أجهزة ومؤسسات الحوكمة ومكافحة الفساد في اليمن تحديات كبيرة تعوق قدرتها على تحقيق فعالية في مكافحة الفساد، حيث يعاني النظام من ضعف في التوافق مع المعايير والممارسات الدولية الفضلى، كما تعاني المنظومة الوطنية للنزاهة من فجوات تشريعية تحد من قدرتها على مكافحة الفساد بشكل فعال. وكأنها تحاول إطفاء حريق باستخدام كوب ماء صغير، بينما النيران مشتعلة في كل مكان. تشمل هذه التحديات ثغرات في قانون مكافحة الفساد رقم (39) لسنة 2006، وخاصة المواد (8، 8/7، 8/15، 16، 30، 32، 37، 40، 23/32أ/44ب)، إضافة إلى لائحته التنفيذية رقم (19) لسنة 2010، وتحديدًا المواد 128 و135. ومن أبرز الإشكاليات أن القانون يُعرف الفساد بشكل محدود، حيث يقتصر على استغلال الوظيفة العامة، متجاهلًا الأبعاد الأوسع مثل الفساد الخاص أو السياسي، وكأنه يقول " الفساد له حدود!". بالإضافة إلى ذلك، توسيع مهام الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد في الجانب الوقائي لم يُواكب بتعديلات في النصوص المتضاربة مع قوانين أخرى، مما أدى إلى "معركة اختصاصات" بين الهيئات المختلفة.

    وعندما نُمعن النظر في المادة 30 من القانون، نجد قائمة جرائم جنائية لا تتعلق بالفساد مباشرة تُشبه "قائمة تسوق" عشوائية تضم التزوير والتهرب الجمركي والضريبي إلى جانب الجرائم الفعلية للفساد. هذا التضخم في الجرائم يُشبه محاولة صيد كل الطيور بشبكة واحدة، وهو ما يؤدي إلى تشتيت جهود الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد عن التركيز على الجرائم الأساسية المتعلقة بالفساد، مثل الرشوة، الاختلاس، الإثراء غير المشروع، وإساءة استغلال الأموال العامة، مما يُضعف من كفاءة القانون في تحقيق أهدافه.

    كذلك، التناقض في بعض النصوص مع المواد الأخرى، مثل المادة (36) التي تنص على تطبيق قواعد قانون الإجراءات الجزائية في قضايا الفساد، مما يسبب تعارضًا في كيفية تطبيق الإجراءات القضائية. كما أن العبارات المبهمة مثل "التنسيق مع الجهات المختصة" تثير تساؤلات حول كيفية التنسيق مع الجهات التي قد تكون جزءًا من القضية أو متورطة في الفساد. كما تفرض السرية على الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد، مما يحد من نشر المعلومات إلا بعد حكم قضائي بات، مما قد يعوق الشفافية والمساءلة في الوقت الذي يتطلب فيه مكافحة الفساد الكشف عن المعلومات بشكل فعال.

    وفي مشهد أقرب إلى نزاع على "منصب عاقل الحارة"، يظهر التعارض الواضح بين قانون مكافحة الفساد والدستور وقانون الإجراءات الجزائية حول الجهة المختصة بالتحقيق في قضايا الفساد. هذا التنازع في الاختصاصات يُفرز حالة من الفوضى القانونية ويُعرقل المسار الفعال لمكافحة الفساد، إذ تُهدر الجهود في تحديد المسؤوليات بدلًا من التركيز على معالجة الجرائم.

    علاوة على ذلك، يظهر تداخل في المصطلحات القانونية بين "الإثراء غير المشروع" في قانون مكافحة الفساد و"الكسب غير المشروع" في قانون إقرار الذمة المالية، ما يخلق غموضًا قانونيًا يؤثر على تطبيق هذه القوانين. كما أن النصوص القانونية تتعارض مع القوانين الأخرى الخاصة بالاختصاصات القضائية، خاصة في المناطق التي لا تحتوي على نيابات أو محاكم للأموال العامة، مما يضعف قدرة النظام القضائي على محاكمة قضايا الفساد بفعالية. كما توجد تعارضات في اختصاص محاكم الأموال العامة ومحاكم الضرائب في قضايا التهرب الضريبي. كما تفتقر النصوص إلى تحديد دقيق لصلاحية الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد في مسألة الحجز التحفظي، مما يثير تساؤلات حول دور الهيئة في تنفيذ هذه الإجراءات.

    أما اللائحة التنفيذية رقم (19) فتُضيف تعقيدًا جديدًا، فالصلاحيات التي تمنحها للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بشأن التوقيف والحجز أو القبض على أي شخص متورط في جرائم الفساد، تتعارض مع نص المادة (48/ب) من الدستور، التي تحمي حقوق الأفراد من التوقيف العشوائي أو مراقبة أي شخص أو التحري عنه إلا وفقًا لما يحدده القانون. هذا التناقض يثير مشكلة في التوازن بين الإجراءات التنفيذية للأجهزة المعنية بمكافحة الفساد وبين حقوق الأفراد المكفولة دستوريًا، مما يفتح الباب لتضارب بين اللوائح التنفيذية وأحكام الدستور التي تحمي حرية الأفراد. بالإضافة إلى ذلك، يمنح نص المادة (135) في اللائحة صلاحية توقيف الموظف العمومي في حال خضوعه للتحقيق، وهو ما يتعارض مع قانون الخدمة المدنية ولوائحه التنفيذية التي تحدد صلاحيات التوقيف والإجراءات القانونية المتبعة بحق الموظفين العموميين.

    ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل يصبح المشهد أكثر تعقيدًا عندما يظهر التعارض بين بعض النصوص القانونية المتعلقة بالتجريم وإنفاذ القانون. فعلى سبيل المثال، يُمنح نيابات ومحاكم الأموال العامة صلاحية النظر في جرائم القطاع الخاص، لكن المفاجأة تكمن في أن قرار إنشاء هذه النيابات لم يتضمن هذا الاختصاص. وكأن أحدهم تعمد إخفاء المفتاح بينما الجميع يبحثون عن الباب، مما يخلق فراغًا قانونيًا يعيق العدالة ويُضعف قدرة المؤسسات على التصدي للفساد بشكل شامل وفعال.

    أما التقادم، فله قصة أخرى، فقانون الإجراءات الجزائية يضع مدة زمنية لسقوط القضايا، بينما قانون مكافحة الفساد يعلن بصوت عالٍ أن جرائم الفساد لا تسقط بالتقادم. وهنا يدخل القضاة في دوامة قانونية، ويتساءلون: أي نص نصدق؟

    إلى جانب ذلك، يتجلى تعارض القوانين في قضايا السرية المصرفية، حيث يحظر القانون التجاري رقم (32) لسنة 1991 الاطلاع على الحسابات المصرفية، بينما يمنح قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب رقم (1) لسنة 2010 الجهات المختصة، مثل وحدة جمع المعلومات المالية في البنك المركزي أو الجهات المعنية بالتحقيق، صلاحيات الاطلاع على هذه الحسابات. كما تُلزم اللائحة التنفيذية الخاصة بقانون مكافحة الفساد المؤسسات المالية والبنوك والشركات بتقديم البيانات والمعلومات اللازمة للهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد. هذا التعارض أشبه بسباق سيارات حيث الجميع يتجه في اتجاهات متعاكسة، مما يخلق فوضى يصعب معها الوصول إلى خط النهاية!.

    وبالرجوع إلى أصل كل القوانين، فنجد أن الدستور ذاته لا يخلو من التعارض والتعقيد القانوني في بعض مواده، وخاصة المواد 82، 128، 139/1، 153/هـ، حيث لم يحدد نص المادة (82) مدة معينة لرفع الحصانة عن عضو مجلس النواب في حالة ارتكابه أي جريمة، مما يعد عائقًا تشريعيًا أمام النيابة العامة في تحريك الدعوى الجزائية ضد أعضاء المجلس، ويتعارض مع مبدأ سيادة القانون على الجميع. كما حصرت المادة (128) الجرائم التي يمكن أن يرتكبها رئيس الجمهورية ونائبه في جرائم الخيانة العظمى وخرق الدستور والمساس باستقلال وسيادة الدولة، دون أن تجرم الاعتداء على المال العام من قبلهما. في حين تتمثل المادة (139/1) كأحد المعوقات المتعلقة بالإجراءات الموضوعية الصعبة الخاصة برفع الحصانة الممنوحة لرئيس الوزراء ونوابه والوزراء ونوابهم، مما يشكل عائقًا أمام جهود مكافحة الفساد. كما أن نص المادة (153/هـ) أسند إلى المحكمة العليا محاكمة شاغلي الوظائف التنفيذية العليا في الدولة، مما يفوت عليهم فرصة الاستفادة من درجات التقاضي الأخرى، وكأنها تقول لهم: "لا وقت لإضاعة الوقت، الحكم النهائي من البداية!".

    لا يتوقف الأمر عند الدستور، فحتى القوانين تُضيف نكهتها الخاصة. على سبيل المثال، القانون رقم (14) لسنة 1990 بشأن الجمارك في المادة (206)، التي قيدت تحريك الدعوى الجزائية في المخالفات الجمركية وجرائم التهريب بشرط الحصول على طلب خطي من رئيس المصلحة أو من يفوضه بذلك، مما يبدو وكأن الجمارك تقول: "عذرًا، نحتاج إذنًا رسميًا للقبض على الفساد!".

    أما فيما يتعلق بالقانون رقم (1) لسنة 1991 بشأن السلطة القضائية فأن (المواد 59، 66، 67، 68، 69، 70، 87، 88، 89، 90، 91، 92) قد شكلت أبرز المعوقات التشريعية في هذا الإطار، حيث منحت تبعية السلطة القضائية للسلطة التنفيذية، حيث يتولى وزير العدل أو مجلس الوزراء بعض الصلاحيات المتعلقة بالقضاة، وهي صلاحيات يفترض أن تكون ضمن اختصاص مجلس القضاء الأعلى لضمان استقلالية القضاء. كما يفتقر النظام القضائي إلى وجود محكمة دستورية عليا وقضاء إداري مستقل، مما يضعف فعالية القضاء في مراقبة دستورية القوانين وتطوير نظام العدالة.

    ولا ننسى القرار الجمهوري بالقانون رقم (39) لسنة 1992 بشأن الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة في مواده (3، 11/7، 11/18، 17/أ، 7، 11) التي تشير إلى استقلالية الجهاز، إلا أن تبعيته لرئيس الجمهورية تحد من تحقيق الاستقلالية الفعلية، حيث يفرض على الجهاز إحالة التقرير الذي يحتوي على وقائع جنائية إلى الجهة الإدارية لاتخاذ الإجراءات القانونية خلال ثلاثين يومًا. كما استثنى النص الوزراء ونوابهم والمحافظين ونوابهم من الإحالة إلى النيابة العامة، ليقتصر الأمر على العرض على رئيس الجمهورية فقط. علاوة على ذلك، قيد الرقابة المصاحبة والمسبقة بقرار من رئيس الجهاز، واعتبر المخالفات المالية التي تشمل التقصير والإهمال وصرف الأموال بغير حق مجرد مخالفات مالية، دون النظر إلى الأبعاد الجنائية. كما تم منح بعض الاختصاصات التي كانت من اختصاص الجهاز لجهات أخرى، مما يسبب تعارضًا في الاختصاص بين هذه الجهات، ما يجعلنا نتساءل: هل يحتاج الجهاز إلى "تصريح مرور" ليؤدي مهامه بفعالية؟.

    وتتطلب النصوص التشريعية المتعلقة بمصادرة العائدات الإجرامية في قضايا الفساد والمال العام، الواردة في القانون الجمهوري رقم (12) لسنة 1994م بشأن الجرائم والعقوبات، مشكلات تشريعية أشبه بمفاتيح مفقودة في متاهة العدالة. فالمواد 103 و161، تعاني من نقص واضح، حيث يواجه القضاة معضلة حقيقية في مصادرة الأموال التي تعادل قيمة العائدات الإجرامية، لغياب نص قانوني يسمح بمصادرة الفوائد والمنافع الناتجة عن الجريمة. تخيل قاضيًا يُحاول الإمساك "بذيل الجريمة"، لكنه يكتشف أن النص القانوني يمنحه مقصًا بدون شفرة!. ولأن القوانين لا تجرم بشكل صريح أفعال غير الموظفين العموميين في قضايا الاستيلاء والإضرار بمصالح الدولة، فإن الساحة تُصبح مفتوحة لمن يريد الانخراط في لعبة الفساد، دون خشية من أن تُوجه إليه أصابع الاتهام. يبدو الأمر وكأن النصوص تُغلق الباب في وجه بعض المتهمين، لكنها تترك النافذة مفتوحة لهم!

    أما القرار الجمهوري بالقانون رقم (13) لسنة 1994م بشأن الإجراءات الجزائية، فقد أضاف نكهة من التعقيد على المشهد، فالمواد 26 و421 تشترط إذنًا لرفع الدعوى من قبل مأموري الضبط والموظفين العموميين عبر النائب العام أو من يفوضه، مما يجعل التقاضي وكأنه سباق "بط"، وليس عدالة سريعة. أضف إلى ذلك، لا تحدد النصوص القانونية مدة زمنية معينة لرفع الدعوى، مما يسبب تأخيرًا في الإجراءات. حتى عند تحديد مدة 15 يومًا للطعن في الحكم بالاستئناف، لم تلزم النصوص الطاعن بتقديم عريضة الطعن في وقت محدد للمحكمة المختصة، مما يُحول الإجراءات القانونية إلى " انتظار مفتوح". ووسط هذه الفوضى، لا يوجد جهاز متخصص للتحقيق في قضايا الأموال العامة وجرائم الفساد، تاركًا هذه المسؤوليات في يد مأموري الضبط القضائي بشكل عام، دون وجود جهاز متخصص قادر على متابعة هذه الجرائم بشكل فعال.

    بينما يفرض القرار الجمهوري بالقانون رقم (6) لسنة 1995، المتعلق بمحاكمة شاغلي وظائف السلطة التنفيذية العليا، قيودًا صارمة على إحالة المسؤولين إلى التحقيق أو المحاكمة، حيث تتطلب المادة (10) موافقة رئيس الجمهورية أو اقتراح خُمس أعضاء مجلس النواب مع مصادقة ثلثي الأعضاء. مما يجعل محاسبة كبار المسؤولين أشبه بمحاولة الوصول إلى قمة جبل بدون أدوات تسلق!. هذه القيود لا تُعطل فقط النيابة العامة عن القيام بدورها، لكنها تمنح مجلس النواب سلطة تجعل العدالة تسير وكأنها على عكاز.

    إضافة إلى ذلك، تتمثل إحدى القضايا الرئيسية في نصوص القرار الجمهوري بالقانون رقم (21) لسنة 1995م بشأن أراضي وعقارات الدولة في المواد 37، 42، 47، التي تتسم بالغموض في بعض الأحيان، حيث لم يتم تحديد نسبة الانحدار بشكل دقيق ولا النسبة المستحقة للمواطن في المرهق. علاوة على ذلك، تتعلق النصوص الخاصة بالاعتداء على المرافق العامة فقط بتجريم الاعتداءات التي تقع في نطاق المدن، دون توسيع نطاق الحماية لتشمل المرافق العامة في المناطق الأخرى. وكأن المرافق العامة خارج المدن تُعتبر "مناطق منسية" أو أن الاعتداء عليها لا يشكل خطرًا على الصالح العام. هذا الغموض في النصوص لا يعكس فقط ضعفًا في التنظيم القانوني، بل يُظهر أيضًا فجوة واضحة في تحقيق العدالة المتساوية بين جميع المناطق، سواء كانت حضرية أم ريفية.

    كما يتضمن القرار الجمهوري بالقانون رقم (19) لسنة 1999م بشأن تشجيع المنافسة ومنع الاحتكار والغش التجاري نصًا يقيد تحريك الدعوى الجزائية عن الجرائم الواقعة بطلب من الوزير، مما يشكل عائقًا تشريعيًا ويعد بمثابة حماية للفساد وتشجيعًا له.

    في حين يتضمن القانون رقم (30) بشأن إقرار الذمة المالية في المواد 5، 6، 14 إشكاليات تتعلق بتباين المصطلحات المستخدمة للإشارة إلى نفس الجريمة، حيث يتنقل النص بين مصطلحي "جريمة كسب غير مشروع" و"جريمة إثراء غير مشروع"، مما يخلق غموضًا وتناقضًا في فهم وتطبيق النصوص القانونية. أما السرية المفروضة على إقرارات الذمة المالية فهي أشبه بـ"خيمة سحرية"، تحجب كل ما يحدث بالداخل، ما يعيق الشفافية والمساءلة ويجعل القانون يتناقض مع أهدافه المعلنة.

    علاوة على ذلك، وبينما يُفترض أن يكون قانون المناقصات والمزايدات رقم (23) لسنة 2007م درعًا واقيًا من جرائم الفساد، يتضح أنه بحاجة إلى نصوص تجريمية وعقابية تُغلق الباب أمام كل من تسول له نفسه العبث بالمال العام، سواء كان موظفًا عامًا، مقاولًا، أو جهة أخرى. خذ على سبيل المثال قانون الجرائم والعقوبات رقم (12) لسنة 1994م، الذي تعامل مع الجرائم في هذا المجال وكأنها أمر هامشي، والنتيجة ثغرات قانونية واسعة تجعل الفساد وكأنه ضيف مُرحب به في قطاع يعتبر أحد أكثر القطاعات عرضة للعبث.

    ولا يمكن التغافل عن النقص الكبير في النصوص المتعلقة بتجميد وحجز العائدات الإجرامية، حيث تعجز الأحكام الحالية عن مواكبة متطلبات الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد. ونتيجة لذلك، تُترك الأموال المسروقة تتحرك بحرية وكأنها خارج نطاق القانون، مما يعرقل استرداد هذه الأموال ويُضعف جهود مكافحة الفساد.

    أما حماية الشهود والخبراء والضحايا والمبلغين، فهي قصة أخرى تُذكرنا بالمثل "من يحمي الراعي من الذئب؟"، فالنصوص الموجودة تعاني من ضعف شديد، ولا توجد منظومة متكاملة وشاملة تضمن سلامتهم. صحيح أن اللائحة التنفيذية رقم (19) لسنة 2010 حاولت سد بعض الثغرات، لكنها أشبه بمن يُلصق جدارًا مائلًا بقطعة شريط لاصق، إذ تفتقر إلى القوة القانونية اللازمة. الوضع الحالي يجعل من الضروري تشريع قانون متكامل يحمي هؤلاء الأفراد من "الانتقام" أو أي تهديدات أخرى، ويدفعهم للإبلاغ عن الفساد دون خوف من المجهول.

    كما تفتقد القوانين إلى تجريم طلب أو قبول الرشوة من قِبل الموظفين العموميين الأجانب أو موظفي المؤسسات الدولية، فلا يزال هذا "الضيف الثقيل" غائبًا عن النصوص القانونية اليمنية. وإذا تحدثنا عن إعادة إدماج المدانين بجرائم الفساد في المجتمع، فالوضع أشبه بمن يحاول إعادة بناء بيت بعد إعصار، دون خطة أو أدوات.

    هذه الفجوات القانونية وغيرها ليست مجرد نقاط ضعف، بل هي دعوة واضحة لإصلاحات شاملة ومتكاملة، وإن أردنا القضاء على الفساد في اليمن، فعلينا ألا نكتفي بترقيع الثغرات، بل ببناء منظومة متماسكة، تحاكي القوة التي يتطلبها الصمود أمام الأزمات اليمنية المتعددة. وبدون ذلك ستظل جهود مكافحة الفساد وكأنها مسرحية هزلية مفتوحة، حيث "المتلاعبون" يتصدرون المشهد، والقوانين تقف كمتفرج عاجز!.

    *"مدرس بقسم العلوم السياسية بجامعة صنعاء

    متخصص في الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد".

المزيد من مقالات (علي يحيى عبدالله)

Phone:+967-02-255170

صحيفة الأيام , الخليج الأمامي
كريتر/عدن , الجمهورية اليمنية

Email: [email protected]

ابق على اتصال