السبت, 24 مايو 2025
62
يا أهل اليمن الطيّب، يا من سكن في قلوبكم الصبر، وفي أرواحكم الإباء، تأملوا هذا الواقع الذي نعيشه: كيف أصبح أصل الإنسان، أو مهنة والده، أو موضع بيته، مقياسًا لقيمته في أعين الناس؟ وهل هذا يليق بكرامة الإنسان، وهو مخلوق خُلق ليعرف، ويحب، ويخدم، ويُعمّر الأرض بيديه وقلبه وروحه؟
لقد بات هذا السؤال يؤرق ضمائر شباب اليوم، أولئك الذين يفتحون أعينهم على واقع لا يُعامل فيه الجميع على قدم المساواة، ويشعرون رغم مواهبهم وطموحاتهم أن أبوابًا كثيرة تُفتح لأسماءٍ بعينها وتُغلق أمام غيرهم، لا لشيء إلا لأنهم لا ينتمون إلى"الطبقة الصحيحة".
في هذا الوطن المبارك، برزت عبر الزمن طبقات اجتماعية تفصل بين القلوب، وتمنع الكثير من الأبناء من أن ينهضوا بما أودع الله فيهم من مواهب. وقد كانت بعض العادات، وإن بدت بسيطة، سببًا في ترسيخ هذه الفروق. ولعلّ من أبرز الأمثلة عادة “المُزيّن”، وهو الحلاق الذي خدم الناس في أدقّ ظروفهم، وشارك في مناسباتهم، وكان وجوده ضرورة مجتمعية، ومع ذلك، حمل هو وأبناؤه عبء نظرة دونية، لا تمتّ للعدالة بصلة.
وما يؤلم اليوم هو أن بعض الشباب، لمجرّد أنهم من أبناء هذه الفئات أو غيرها، يشعرون بأنهم لا يستحقون التقدير، أو أنهم أقل شأنًا، رغم اجتهادهم وصفاء قلوبهم، وهو شعور خطير ينزع الثقة من النفوس، ويكسر الأمل في مستقبل منصف فنرى هنا، تتجلّى الحاجة إلى تربية جديدة، تربية تُبنى على أن أصل الإنسان واحد، وأن النفوس خُلقت متساوية في القدر والكرامة. التربية ليست مجرّد تعليم القراءة والكتابة، بل هي فنّ غرس الفضائل، وإحياء القدرات الكامنة في كل طفل. إنّ في كل نفس بشرية أمانة من عند الله، وإذا أُهملت أو هُمّشت، ضاعت طاقات كان يمكن أن تغيّر وجه المجتمع.
التعليم العمومي، حين يكون مضيئًا بأنوار الإنصاف، لا يفرّق بين ابن"المُزيّن" وابن القاضي أو التاجر. بل يعلّمهم أن التفاضل الحقيقي يكون في العلم، في حسن الخلق، وفي خدمة الآخرين. هذا هو جوهر العدل، حيث لا مكان للتفاخر بالأنساب، بل يرتفع شأن الإنسان بمدى قربه من الحق، وإخلاصه في العمل، ومحبّته للخلق أما التعصّب سواء كان قبليًا أو طبقيًا أو اجتماعيًا فهو نار تحرق القلوب، وتُطفئ نور المحبة. وقد دعانا النور الإلهي في هذا اليوم الجديد إلى نبذ كل أشكال التفرقة، وإلى أن نرى جميع البشر كأغصان لشجرة واحدة، وأن لا نُجالس أحدًا بشعور الاستعلاء أو التحقير.
يا أهل اليمن، إن النهضة لا تقوم على كثرة المال، ولا على صخب الشعارات، بل على بناء الإنسان منذ نعومة أظفاره، تربية تُعلّمه أن الله لا ينظر إلى الطبقات، بل إلى القلوب العامرة بالرحمة، وإلى الأيادي التي تعمل، وإلى النفوس التي لا تتكبّر ولا تذلّ فلنعيد النظر في مدارسنا، ومناهجنا، وطرقنا في تربية أولادنا. ولنكن رُسل عدل في بيوتنا وأحيائنا، نُكرم كل إنسان، ونُعلّم أبناءنا أن يقولوا لكل زميل في الصف:"أنت أخي"، لا فرق بيننا إلا بما نحمله من نفع ومحبة وخُلُق. فإنّ الغد الذي ننشده، لا يُولد من رحم الفرقة، بل من نور المحبّة، ومن مدرسة تُخرج فتىً لا يسأل عن لقب زميله، بل يُشاركه المعرفة ويقف معه في الطريق.
ودمتم في كنف الله، سالمين، ومؤيدين.