جمهوريات الموز

> صالح على السباعي

>
صالح على السباعي
صالح على السباعي
لكل مجتمع من المجتمعات مراحل ازدهار وانحدار، ونحن لا نختلف عن الآخرين.. هناك الكثير من الإيجابيات والكثير من الإنجازات على أرض الواقع، خصوصاً في العقد المنصرم، فقد تحقق الكثير في مجال الاتصالات والطرق والبنية التحتية والاستكشافات النفطية، ولا شك أن الانجازات قد تمت بفضل الله وجهود قائد المسيرة فخامة الرئيس علي عبدالله صالح، الذي بذل جهودا جبارة لا يستطيع أحد أن ينكرها.

في المقابل هناك بعض السلبيات التي أصبح من الواجب الحديث عنها، لعل حديثنا عنها يكون ناقوساً يدق جرسه في آذان من يهمهم الأمر، وتتم مواجهة هذه السلبيات بالحلول المناسبة.

من هذه السلبيات: عجز البلد عن إنتاج الغذاء للسكان، وارتفاع أسعار الأغذية، وتدنى مستوى جودتها، فبرغم اتساع مساحة اليمن التي تفوق مساحة بريطانيا واليابان مجتمعتين، ورغم وجود المصادر الطبيعية والمواد الخام والأيدي العاملة .. ظلت مشكلة الغذاء قائمة، ورغم وجود بلادنا على أحد أكبر محيطات العالم ووجود شواطئ بحرية يزيد طولها عن ألفي كيلومتر، لا زال الانسان اليمني يعاني نقصا في مادة الأسماك وهناك دوماً كميات قليلة في الاسواق، مما يجعل الأسعار ملتهبة باستمرار، حتى أصبح المواطن البسيط يقدم للسمك اعتذاره بعد أن قدمه سلفاً للحوم والطيور البيضاء.

لقد وهبنا الخالق نعمة البحر الذي اتخذناه للفرجة ولم نستغله ولم نستفد منه لإشباع بطوننا الجائعة، في الوقت الذي يفترض بنا أن نكون من كبار الدول المصدرة للأسماك بعد إغراق أسواقنا المحلية. أما في مجال الزراعة فلم يبذل ذلك المجهود المطلوب لزراعة المواد الأساسية، واكتفينا باستيراد القمح الامريكي والأرز الباكستاني، واقتصرت زراعتنا على تعميرة الكيف (القات) الذي نلقي في أسواقه أكثر من نصف مليار ريال في اليوم الواحد، هذا على أقل تقدير لو افترضنا أن ربع السكان (5 مليون) يتعاطون القات. وما تبقى من الأرض الزراعية اقتصر على زراعة الفواكه والخضار، إلا أن الفواكه أسعارها لا تتناسب ودخل المواطن العادي.. وبعد أن كان يجد نفسه تحت أي ظرف قادراً على أن يدخل إلى بيته فاكهة الموز، يجد نفسه مرة أخرى مجبراً على أن يدير للموز ظهره، كما تخلى سلفاً عن الفواكه الأخرى التي اكتفى البسطاء بتذوقها بحدقات أعينهم!

إن بلداً مساحته 555 ألف كم مربع ويزيد طول شواطئها عن ألفي كم يطل على محيط، وسكانه عشرون مليوناً، يقف عاجزاً عن إنتاج غذائه لهو أمر محزن ومشين، فكيف سيكون حالنا لو كنا سكان الهند أو الصين؟ هل أصبح صيد السمك وتربية الأغنام والعجول وزراعة الفواكه والخضار معقداً لهذه الدرجة؟ في زمن وصل فيه العالم إلى استنساخ كل شيء، وتعاني فيه بعض الدول من التخمة، وفي هولندا والدنمرك واستراليا نصيب الفرد من اللحوم في اليوم الواحد 4 كيلو جرامات لو أراد أن يأكل و2 كيلو من اللبن لو أراد أن يشرب، وفوق هذا يبقى لديهم بحيرات من اللبن وجبال من الأجبان والزبدة يعملون على تصديرها إلى الخارج!

البعض يعتقد أن المسؤولية تقع على الحكومات فقط، وهذا اعتقاد خاطئ، فالحكومات إن فعلت ذلك بالأمس فلن تفعله اليوم، وهذه مسؤولية الشعوب ويقتصر دور الحكومات على توفير البنية التحتية وإيجاد الأنظمة والقوانين وتوفير الأمن وحماية الحقوق .. لقد انتهى الوقت الذي تذهب فيه الحكومات لصيد السمك وإقامة المزارع، وأصبحت تلك الحقبة من التاريخ الذي قد لا يعود أبداً. فالشعوب هي التي يجب أن تزرع وتصنع وعلى الرأسمال الوطني أن يتحرك للاستثمار في الزراعة والأسماك وتغطية متطلبات السوق المحلية، بدلاً من أن يذهب البعض للاستثمار في الخارج وكأن البلد تعاني تخمة الاستثمار.. فهؤلاء الأغنياء حصلوا على أموالهم من هذا البلد، والواجب يحتم عليهم الاستثمار فيه.

إن العيب ليس في الأرض ولكنه في ساكني هذه الأرض، لو كان سكانها يابانيين لعرف هؤلاء كيف يستثمرون كل شيء فيها، أما نحن فنقضي جل أوقاتنا في مداعبة أوراق القات، ويحيك البعض المكايدات وانتقاد السياسات، وأصبح من السهل علينا أن نستهلك، وصعب علينا أن ننتج إذا لم يتغير سلوكنا وإذا تمسكنا بالمظهر بدلاً من الجوهر وتقليدنا الأعمى باستخدام آخر ما صنع الآخرون من سيارات وهواتف سيارة (ثورة العصر) التي ملكها في بلادنا الغني والفقير، من يعمل ومن لا يعمل، الصغار والكبار وكأنهم جميعاً يمارسون التعامل بالبورصات والأسهم وأسواق العقار، وكل شخص منا يشعر أنه مهم وأنه يساهم في قيادة هذا العالم، رغم أن معظم الأحاديث المتداولة في هذا الجهاز العظيم لا تتعدى: فين با تتغدى؟ وفين با تخزن؟ والدردشة مع صديق أو صديقة أو أم العيال، أما جورج سورس ملك البورصة الذي كسب في يوم واحد مليار دولار فليس لديه هاتف سيار ولا يرى ضرورة لهذا الترف الحضاري، طالما أن الأمور تسير على خير ما يرام.

وعودة إلى عالم الموز فإن جمهورية الاكوادور، إحدى جمهوريات أمريكا اللاتينية لا يوجد بها نفط وتعتمد في اقتصادها على زراعة الموز وتصديره، الدولة الأولى في العالم لتصدير الموز، وهناك كثير من دول الكاريبي تعتمد في اقتصادها على إنتاج السكر والموز بينها كوبا الصامدة أمام الحصار الأمريكي لأكثر من نصف قرن .. دول تطورت اقتصادياً وحققت مستوى معيشياً جيداً بفضل مثابرة شعوبهم واعتمادهم على أنفسهم.. فهل عجزنا أن نكون في مستوى جمهوريات الموز الكاريبية؟

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى