قراءة انطباعية في قصص أطفال جديدة للأديب والكاتب عبدالرحمن عبدالخالق

> علي محمد يحيى

> «كي نعيش طفولتنا حتى لا نشيخ» هذه الكلمات كانت بعضاً من كلمات إهداء هي في غاية الرقة، خطها الأديب والكاتب عبدالرحمن عبدالخالق، رئيس اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين - فرع عدن، على رأس مجموعته القصصية الأخيرة للأطفال، خصني بها في مغلف أنيق يشعر المرء من خلال النظر إليه بقدر مشاعر صاحبه وحسن ذوقه.

مجموعة قصصية جديدة بلغت الثماني، كانت تواصلاً مع ما سبقها من قصص خص بها الطفل في بلادنا، لم أحظ بفرصة قراءتها إلاّ ما سمعت عنها من كثير من المهتمين بالكتابة للطفل وأدب الطفل.. كانت شهادات اعتراف متميزة له في الكتابة في هذا المضمار.

وأزعم بعد قراءتي لتلك القصص الثماني الأخيرة، أنه قد وفق إلى حد بعيد حين انفرد بكتابة تلك القصص بواقعية يمنية خالصة شكلاً ومضموناً، وفي تنوع ملحوظ جمع فيها - في تلك القصص - بين الحكاية الشعبية والأسطورة والعادات والتقاليد والبيئة ومكتسبات العصر في العلوم والتقنية، مبتغاه من ذلك الإسهام في تنمية شخصية الطفل اليمني وتطوير اتجاهاته السوية، مراعياً فيها معايير تقديم النص الأدبي للطفل، آخذاً في حسبانه بأن كل فئة عمرية لها اهتمامها وإدراكها فيما تقرأ. ووضع مجالاً لتنوع عناصر الخيال والحركة والمسرح حسب حاجة كل قصة، مستعملاً اللغة السهلة المبسطة والمناسبة، ملتزماً بأهداف التربية والخصائص الفنية في الوقت ذاته، حين جعل هدفه في الكتابة للطفل تتميز بالحذر الشديد بخصائصها السيكولوجية الفكرية والاجتماعية، وبما يمكّن الطفل من قبول فكرة ما في قصة تحمل الخصوصية والمضمون، ملبياً رغبات الطفل وملكاته الإبداعية واستعداداته النفسية والبيئية.

ولعلي أذكر هنا في هذا المقام أن أهم المعضلات التي يواجهها من يكتب للطفل حين يقدم له أدباً وفق تطور عقله واحتياجاته، وبما يتماشى وتطور المجتمع الذي ينشأ فيه، هو أن كيف يمكن للكاتب أن يجمع بين التربية والفن وبين العلم والأسطورة والعصر، وغير ذلك من مقتضيات الضرورة في الكتابة للطفل.

فالمتتبع لهذا الأدب - أدب الطفل - ما زال يرى أن البعض ممن يكتب للطفل لم يخرج من سجن وبراثن التقليد لرواده، منطلقين من أن الكتابة للطفل إنما هي عمل تربوي لا غير، قد لا يتصل بالإبداع الأدبي، لذلك نجد أن كتاباتهم تأليفاً كانت أو إعداداً أو اقتباساً أو تعريباً إنما هي أدب ثانوي أقرب إلى التربية منه إلى الأدب.



عناصر بناء القصة عند عبدالرحمن عبدالخالق
عند قراءة تلك القصص الثماني: (عندما حلمت مريم بالعيد، هدية هبة، الفلاح الحكيم، عفواً أيها البحر، حكاية مدينة، ملابس العيد، هل استفاد حجر من الدرس؟ وياسمين وعيد المحبة) يجد المهتمون من الدارسين والباحثين أنها قد اشتملت على كل عناصر بناء القصة.. مثل عنصر الحدث والشخوص والبيئة - أي الزمان والمكان للحدث - السرد القصصي، العقدة الفنية، حل العقدة ووصولاً إلى الهدف، وهي العناصر التي لا تختلف في بنائها عن القصة عند الكبار، وجعل من تبسيط تلك العناصر مكمن نجاح قصصه لتناسب المراحل والخصائص العمرية والنمائية عند الطفل، ويسّرها كي تكون في متناول مقدرته في تلقيها واستيعابها.

ومن الجميل أن المهتمين بدراسة هذا النوع من الأدب سيجدون أن الكاتب قد راعى، إضافة إلى عناصرها، المعايير الفنية لكتابة قصص الأطفال مثل قصر القصة، ولغتها السهلة التي استخدمها في محاكاة الطفل والتي شكّلت مرآة لهدفه في الكتابة ووسيلة لتوصيل المعرفة. ذلك لأن لغة الكتابة للطفل ليست هي لغتنا نحن الكبار، ولو كان غير ذلك، فإنه - أي الطفل - سيقوم مضطراً عند كل قراءة إلى البحث عن ترجمة لها أو فك طلاسمها التي لا يعرفها سوانا نحن الكبار، من خلال ما اكتسبنا من خبرة بين مخزون اللغة وتحليل المعاني والاستنتاج، لأن الطفل ما زالت الخبرة عنده في بداياتها والقراءة عنده ليست إلاّ الربط بين الحرف والكلمة، وبين مفردات الكلمة ودلالة اللفظ، غير ما نسعى له نحن الكبار عن ما وراء ذلك من مضامين الكتابة، مع استخدامه الخيال الأقرب إلى الواقع، وابتعاده عن الوصف المطول، والأهم من ذلك التماسك الفني للقصة كوحدة متكاملة فيها يجد الفكرة التي تدور حولها الأحداث بسلاسة جذابة وواضحة الملامح وبأسلوب شائق وصياغة تتميز بالتطور المنطقي الذي يتوقع فيها الطفل أحداثها ويجد في شخوصها أدوراها الواضحة، فتستثير طاقاته الإبداعية.

ولعلنا نعلم أن الطفل عند قراءته لقصة ما، فإنه لا يقوم بالتخطيط لإحداثها، وإنما يقوم بتقمص شخوصها، ويتصور تنفيذها من خلال مجمل تلك الأحداث، فتتشبع فيه روح الاستمتاع وفيها يجد أيضاً المعلومة الصحيحة غير المشوشة أو الناقصة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى