كركر جمل

> عبده حسين احمد

> هل العذاب في أي بلد آخر أخف كثيراً من العذاب الذي يجيء من الأهل والنظام داخل الوطن .. والظلم الذي يلقاه أبناؤنا الذين يتسكعون في الشوارع بدون عمل .. مع أن أكثرهم تعلموا وتخرجوا في المدارس الثانوية والجامعات اليمنية .. ثم كانت صدمتهم عنيفة جداً .. عندما عرفوا أن الواقع شيء مختلف تماماً عن الأحلام التي كانوا يعيشون بها أثناء الدراسة .. الذي كان يحلم بأن يكون طيباً أو مهندساً أو قاضياً أو طياراً أو مدرساً .. كل هذه الأحلام تلاشت وطارت عليهم في الهواء.. ولم يجدوا ملاذاً لهم في الأخير إلا هذه الشوارع التي يلجأون إليها ليلاً ونهاراً.

< في ظروف كثيرة قاسية وصعبة .. يفكر فيها الإنسان كثيراً .. ثم لا يعرف ما الذي أبقاه في الوطن .. ولماذا لا يغادر أو يهاجر كما فعل أجداده تماماً؟.. بعد أن يكتشف أن وجوده لا فائدة له ولا معنى له .. فهو من الممكن أن يعيش في أي مكان خارج بلاده .. بعد أن شبع جوعاً وظلماً وقهراً من أقرب الناس إليه .. ويمضي عمره مشغولاً بنفسه وأمجاده التي هي من صنع الخيال .. خياله هو فقط .. وكأنه لا يعرف أن هذه الحياة ليست طبيعية .. إنما هي صورة من صور العذاب في الحياة.

< أعرف رجلاً كان موظفاً عند الدولة .. ثم تقاعد قبل الوحدة بعد أن قضى خمسة وثلاثين عاماً في خدمة الوطن .. وأصبح معاشه التقاعدي ثمانية آلاف ريال في الشهر.. أي بواقع أقل من ثلاثمائة ريال في اليوم .. أي أقل من قيمة كيلو سمك في اليوم .. وهو يعيش مع زوجته وأولاده الخمسة في ستر من الله ورحمة.

< وقد تألمت كثيراً عندما عرفت تفاصيل حياته .. وكيف يعيش بهذا المبلغ الضئيل .. ولكن الذي آلمني أكثر عندما قال لي أنه لا يذوق اللحم هو وزوجته وأولاده إلا مرتين في العام .. في العيدين فقط .. عيد الفطر وعيد الأضحى .. هذا اللحم لا يشتريه .. فهو غير قادر على شراء السمك والبيض .. وإنما يجيء إليه اللحم من الجيران الذين يذبحون أيام الأعياد .. قليل من اللحم وقليل من العظم وقليل من الشحم .. وهذا منتهى السعادة في حياة الأسرة.

< الغريب في الأمر أن هذا الرجل تقاعد بمعاش قدره ثلاثة آلاف شلن.. عندما كان الدولار سبعة شلنات .. أي أن معاشه التقاعدي كان يساوي أكثر من أربعمائة دولار حينذاك .. وأصبح معاشه اليوم أربعين دولاراً فقط بسبب تدهور العملة .. أي بفارق ثلاثمائة وستين دولاراً.. والدولة لا تعوضه بأي شيء يمكن أن يغطي هذا الفارق في هبوط العملة .. كما كانت بريطانيا تفعل مع الذين كانوا موظفيها من المتقاعدين فيما وراء البحار.

< كانت بريطانيا تدفع للموظفين المتقاعدين وتعوضهم عن النقص في معاشاتهم التقاعدية الذي كان يحصل - نادراً - بين الحين والآخر.. نتيجة تدهور سعر الجنيه الاسترليني .. فإذا كان المتقاعد يحصل على عشرين جنيهاً - مثلاً - وكان صرف الجنيه الاسترليني عشرين شلناً .. فإن المتقاعد يحصل على أربعمائة شلن كمعاش تقاعدي شهرياً .. فإذا انخفض سعر الجنيه الاسترليني بسبب أو آخر.. وأصبح سعره عشرة شلنات - وهذا مستحيل طبعاً - فإن بريطانيا ترفع معاش المتقاعد إلى أربعين جنيها .. لكي يحصل على أربعمائة شلن .. أي المعاش نفسه بالوفاء والتمام.

< هل بريطانيا أرحم من ذوي القربى؟!!<<

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى